عبد الجبار سعد
قال لي صاحبي سهيل اليماني بعض الناس في عالمنا لا يرضيهم منا نحن سائر المخلوقين من عباد الله إلا أن نعود إلى أصلنا ماءً مهينا فيضعنا في رحم أمه لكي يخرجنا نسخة واحدة على شاكلته فنكون إياه ولاشيء سواه ونكون "إياه نعبد وإياه نستعين" وبغير ذلك فلن يرضيه منا شيئا..
فإن كان جاهلا كنا معه جهالاً وإن كان أنثى كنا مثله إناثا وإن كان تاجرا كنا معه جميعا متاجرين.
ومن ذا الذي يقدر أن يكون له كذلك من سائر المخلوقين ومن يرتضي لنفسه هذه الدنية حتى لو كان من أحط المشركين !!
****
الله يقول .."ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ."
فالأصل في الخلقة هو الاختلاف .. ومع ذلك جعل الله لكل أمة شريعة ومنهاجا تحكم أفرادها ويتفقون عليها وإن اختلفوا مع أمم أخرى في مناهجهم وشرائعهم ,
نحن مسلمون هكذا عرفنا أنفسنا تحكمنا شريعة الإسلام اتخذنا لأنفسنا طريقة في الحكم واتفقنا على دستور وقوانين وقواعد تحكم سلوكنا واتفقنا على طريقة اختيار حكامنا ومشرعينا وليس لنا من مرجعية في السلوك غير الفهم السوي والعام لما اتفقنا عليه و للشريعة والقوانين التي هي بحكم الاتفاق خاضعة لها ونابعة منها ونحن بحكم الاتفاق نخضع لها أجمعين .
****
هذه الشريعة مثلا أوجبت علينا انتخاب الحاكم وفق معايير معينة اتبعناها ووصلنا بها الى الحاكم الذي يحكمنا .. المفترض شرعا وقانونا وخلقا ودينا بعد الاتفاق عليه أن الاقلية التي كان لها اختيار آخر غير اختيار الأغلبية المفترض بها أن تخضع وتبايع من اختاره سائر الناس حتى لو لم يرق لهم ذلك وإلا لم يكن لكل الاتفاقات والشرائع والدساتير أدنى قيمة . والأصل أن لا تظل هذه الفئة تتربص بالناس الدوائر لتعبر عن رغبتها الدفينة الأولى في عزل الحاكم التي لا ترغب فيه وتنصيب من يروقها بديلا عنه بغير طريق شرعي أو قانوني ومخالفة لغالبية الأمة .
والأصل في الجميع السمع والطاعة في المنشط والمكره للحاكم المختار إلا أن يرى الناس منه كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان ومادون ذلك من مسلك مخالف يعتبر طغيانا و يكون موجبا للقتل إذ لا يحل في شريعة الإسلام دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان وزنا بعد احصان والخارج عن الطاعة المفارق الجماعة .
والأصل أن من جاءنا نحن معشر المسلمين وأمرنا جميعٌ يريد أن يفرق جمعنا؛ الأصل أن يقاتل ويقتل كائناً من كان ..
هذه هي شريعتنا ,,
والأصل انه إذا بويع في وقت واحد لخليفتين أو إمامين أو حاكمين أن يقتل الآخر منهما كائنا من كان .
ولا تستقيم أمور العباد ومصالحهم ومعايشهم بغير هذه القواعد ..
****
ومن قواعد السلوك الإسلامي ان الخارجين عن إجماع الأمة والمفارقين الجماعة والناكثين العقود والعهود تحت شتى التأويلات يسمون خوارج ويجب قتالهم وقد ورد في وصفهم الكثير من الأوصاف التي تعطيهم صفات المبالغة في إظهار التزامهم بالشعائر الإسلامية ككثرة الصلاة والصيام وقراءة القرآن ولكنهم مع ذلك كما وردت بهم الأحاديث يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .. ومن قاتلهم بيده فهو مؤمن ومن قاتلهم بلسانه فهو مؤمن ومن أنكر عليهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان .
*****
هذه أمور تعلمناها من شريعتنا التي هي الجادة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ..
وهذا ما تعلمناه من كبار العلماء والمشائخ من صوفية وسلفية وإخوان مسلمين أو من يسمون أنفسهم في بلادنا بالإصلاحيين وغيرهم .
وهناك إمكانية لعزل الحاكم ولكن بشروط ليس منها رغبة بعض أهل النفوذ والسلطان بذلك أو عدم رغبتهم به فصلاحية الحاكم لا يحددها فرد بعينه ولا قبيلة بعينها ولا حزب بعينه أو حتى بضعة أحزاب كما أنه في حالة الاتفاق على عزله على الأسس الشرعية المتفق عليها لا يحق لأحد أو لجماعة أو لقبيلة أو حزب أن ينصب نفسه وصيا على الأمة لينصب من يشاء بديلا عنه ويقدم من يشاء ويرشح من يشاء فهذه كلها من مسالك الخوارج التي يجب أن تواجهها الأمة وتقمعها بكل عنف ويجب على علماء الشريعة تبيانها للناس حتى لا يستخف البعض بعقول الناس ويستغفلهم ويعتبر حينها سكوتهم عنه اتفاقا ومشاركة في خداع الأمة واجتراء على الشريعة وخيانة لها .
****
إن صلاحية الحاكم وعدم صلاحيته لا يحددها استتباب الأوضاع العامة له أو اضطرابها ولا نوعية المعارضين له من حيث مقاماتهم أو كثرتهم أو أفضليتهم أو خستهم في الناس فتاريخنا يرينا أن رابع الخلفاء الراشدين سيدنا الإمام علي كرم الله وجهه قد انبرى لمقاتلته كبار الصحابة من المبشرين بالجنة والصديقة ابنة الصديق أحب زوجات النبي صلى الله عليه وسلم سيدتنا عائشة رضي الله عنها وقاتله الطلقاء وقاتله الخوارج وكل هؤلاء لم يقل أحد من جمهور الأمة أنهم كانوا على حق وهو على باطل ولم يقل أحد أن رغبتهم في عزله ومخالفتهم له حق وقتالهم له باطل وكذلك هم الخارجون عن سيدنا عثمان رضي الله عنه من قبله .
*****
الأصل أن يبايع الناس الحاكم ويطيعونه لا أن يتبايعون عليه ويبيعونه فمن فعل الأولى فبايعه اتفق الناس معه ومن فعل الثانية فباعه أو نكث عنه أو تبايع عليه قاتله الناس كائنا من كان ولكل حال غير ذلك طريق يجب سلوكه شرعا للوصول إليه .. والأصل أن يحشد العلماء الأمة وقواها لمواجهة الخروج عن الحاكم بغير حق لا أن يخذلونه والأصل أن يرشدون المعارضين للتعبير عن معارضتهم بالطرق المثلى والشرعية لا أن يُملون على الحاكم رغابهم المختلطة بكل الأهواء والمفاسد والموافقة لرغبات الأعداء والهادفة إلى تمزيق الأمة وإفسادها وليس مع العين أين !! كما يقول العرب والله من وراء القصد .