حيدر
المتميز، ودورهم التحريضي والقيادي المعروف سياسياً ومذهبياً في إيران والعراق
وغيرهما منذ قرون.
وتزعمت هذه القيادة الفقهية- السياسية، المسماة عادة ب
"المرجعية الشيعية" أو المراجع، في هذه الدول، العديد من حركات الاحتجاج
والثورات.
ومن هنا، بدا غريباً أن تشذّ حركة الاحتجاج الحالية، التي انفجرت بعد
إعلان نتائج انتخابات الرئاسة
الإيرانية في يونيو 2009، ويكون عزوفها حدثاً استثنائياً في سجل
المرجعية.
فالانتفاضة الإصلاحية الحالية، بعمقها الاحتجاجي الواضح، حركة شبابية
مدنية، تعتمد في تحركها على وسائل وأدوات جديدة أنتجتها ظروف التعليم العام
والعولمة وتقدُّم سبل الاتصال كالهواتف المصوِّرة النقالة وشبكة الإنترنت والأقمار
الاصطناعية والفضائيات المتلفزة! وكانت هذه الملامح العصرية -العلمية -العلمانية في
"الانتفاضة الإصلاحية" الإيرانية الحالية، بعد ذلك التاريخ الطويل المعهود والقيادي
من رجال الدين و"المراجع" في الحركات السابقة، مفاجأة للكثير من متابعي الشأن
الإيراني، وكذلك للإصلاحيين الإيرانيين أنفسهم.
ولكنها كانت على وجه الخصوص
والتحديد، ولا تزال، موضع فخر واعتزاز معارضي "إسلامية" النظام، من الليبراليين
والعلمانيين، الملكيين والجمهوريين، الذين رأوا قطاعات عريضة من الشعب الإيراني
تدير الظهر للأطر التي يحاول "الولي الفقيه" أن يحصرها فيها.
وزاد موضع خصوم
النظام الديني قوة، تردد رجال الدين في إيران وأعلام المرجعية فيها، عن إعلان
التأييد للحركة الاحتجاجية علناً وبقوة، وظهورهم بمظهر الموالي للنظام، والمرتبط
بمصالحه، وبالامتيازات التي يسبغها عليهم هذا الولاء والارتباط، مهما كانت طبيعة
وحقيقة هذه العلاقة.
والذي يثير هذه القضية برمتها من جديد، بيان مناشدة أو نداء
عام، موجّهٌ من المثقفين والإعلاميين والساسة الإيرانيين في الداخل والخارج، يخاطب
المرجعية الشيعية العليا ورجال الدين والفكر ومختلف الشخصيات المؤثرة، للحاق بهذه
الحركة الاحتجاجية الجماهيرية، والدفاع عنها، وتوسيع إطارها، وحمايتها من بطش
الدولة والمحافظين. عنوان المناشدة: "اقدموا على خطوة عملية موحدة إزاء
الانقلاب".
البيان يحمل حتى يوم 2009/8/23 تواقيع وأسماء 293 من الكتاب
والإعلاميين والناشطين الإيرانيين والسياسيين، الرجال والنساء. المثقفون والمعارضون
للنظام يطالبون منذ سنوات طويلة بالعلمانية وعزل الدين عن السياسة، وإبعاد الفقهاء
ورجال الدين ورموز المرجعية عن دفة الحكم. الوثيقة تبدأ بعبارة "إنا لله وإنا إليه
راجعون" ثم توجه الحديث إلى "كبار مراجع التقليد في قم" وكذلك "السادة هاشمي
رفسنجاني، ومحمد خاتمي، ومير حسين موسوي، ومهدي كروبي". ويقول البيان كما ورد في
موقع "إيران أمروز" بالفارسية: "في هذه الأيام التي يتحرك فيها الشعب الإيراني
الكريم بشجاعة لاستعادة حقوقه، نرى بكل أسف وبشكل مخزٍ، أن بعض الممسكين بزمام
السلطة، ممن حملتهم ثورة 1979 إلى كرسي الحكم، يتصدون بكل قواهم ضد الشعب
الإيراني.
إن الأحداث التي عاشها الشعب خلال الشهرين الماضيين، ومنها اقتحام
مهاجع السكن الداخلي للطلاب في الجامعة، ومنازل عامة الناس، والدماء الزكية التي
سالت في الشوارع، والجرائم التي ارتكبت في مراكز التحقيق والاعتقال مثل "كهريزك"
وغيرها بحق النشطاء السياسيين والاجتماعيين والمثقفين وعدد كبير من المواطنين
الإيرانيين الشرفاء، هي جميعاً بحق، من أشد الصفحات سواداً في تاريخ وطننا.
ومن
أجل هذا، ينتظر الإيرانيون من مراجعهم الدينية ونخبهم السياسية، وبحق، أن يضعوا
جميعاً كل إمكانياتهم للنهوض بهذه المهمة التاريخية إزاء البلاد، وأن ينجزوا
رسالتهم هذه المرة، كما قاموا بها دائماً. ولقد سعدنا بأن توقعنا كان في محله، فقد
أظهر بعض كبار المراجع والشخصيات السياسية المؤثرة خلال هذه الأسابيع، عبر توجيه
الخطابات والأحاديث والتصريحات، تضامنهم مع شعبهم النجيب، ومقاومتهم للتوجهات
التسلطية الشمولية للنظام. أيها السادة. .
غير أن هذا كله غير كاف! فكما ترون، لم
يرتدع المنقلبون على مبدأ الجمهورية في النظام عن مساعيهم المدمرة رغم محاولات
الشعب تحسين أحواله، حيث نراهم يعمدون كل يوم إلى المزيد من الخطط والألاعيب
والمسرحيات الجديدة لزرع اليأس في نفوس الشعب، ليحقق النظام بذلك أهدافه
الأساسية.
ونحن قلقون من أن استمرار هذه الأوضاع، سيقضي على كل ما يمكن لمراجع
التقليد العظام والنخبة السياسية في البلاد الاتكاء عليه والاعتماد عليه". وتستطرد
العريضة: "كما نرى هذه الأيام، أنه بدلا من محاكمة أولئك الذين انقلبوا على الأسس
الجمهورية للنظام واختطفوا آراء الشعب الانتخابية، ولم يترددوا عن إسالة دمائه،
قدموا للمحاكم المسرحية، الشخصيات الحريصة المؤمنة، المعروفة على امتداد السنوات
الثلاثين الماضية من تاريخ البلاد، مع مواطنين آخرين لا ذنب لهم سوى الحرص على تلك
القيم الجمهورية وعلى الدستور وعلى معتقداتها.
وبعد خمسين يوماً من الاعتقال في
ظروف خاصة، تم إجبارهم على الإدلاء باعترافات ضد أنفسهم وأصدقائهم والشخصيات
الوطنية، والحركة الخضراء الشعبية. إننا مثل سائر مواطني هذه البلاد، نعدّ هذه
الاعترافات عديمة الأهمية والقيمة، ونرى فيها تكراراً لسيناريوهات لم يتقبلها أحد
يوماً بعقل سليم.
أيها السادة. .
كفى سكوتاً عن محطمي القوانين المنقلبين على
الدستور ومبادئ الجمهورية الإسلامية! لابد من الحد من تقدم التسلطيين ليمكن إنقاذ
البلاد من الدمار". (موقعwww. Iran-emrooz) في 2009/8/25. وكان بعض رجال الدين
البارزين قد تعاطف مع موقف الإصلاحيين في الفترة الماضية، مثل "آية الله
صانعي".
وقد أبدى "آية الله منتظري" وقوفه إلى جانب ناشري البيان قائلا إن "هذه
الحكومة ليست جمهورية وليست إسلامية".
غير أن هذه المناشدة العلنية لرجال
المرجعية الشيعية بالتدخل في الحياة السياسية الإيرانية، والتي حملت تواقيع الكثير
من الليبراليين والعلمانيين، أثارت زوبعة وجدلا في أوساط معارضي نظام الجمهورية
الإسلامية أنفسهم، وبين نقاد النظام وبين أعدائه. فالمثقفون والمعارضون للنظام
يطالبون منذ سنوات طويلة بالعلمانية وعزل الدين عن السياسة، وإبعاد الفقهاء ورجال
الدين ورموز المرجعية عن دفة الحكم والتشريع.
وها هم في هذا البيان العلني
يناشدون رجال الدين بحرارة، بأن يتدخلوا بسرعة وبقوة وحزم في الشأن السياسي
الإيراني. .
قبل فوات الأوان! وهذا تناقض واضح وانقلاب في موقف الليبراليين
والعلمانيين.
وقد تابعتُ مؤخراً حواراً ساخناً في فضائية "صوت أميركا" الفارسية،
بين مثقف إيراني من الموقعين على النداء، واسمه "هوشنك أسدي"، وأستاذ جامعي مقيم في
الولايات المتحدة واسمه د.
حسن داعي.
وكان رأي الأول ألا تناقض في موقف
الموقعِّين على هذه المناشدة.
فهم يطالبون كبار رجال الدين كمواطنين إيرانيين
بالمساهمة في إنقاذ البلاد لا كمرجعية دينية أو حزب ديني.
وكان رد الثاني أن
الرسالة تتوسل بالمرجعية لأن تتدخل، ثم إن المرجعية وشريحة رجال الدين قد فقدت
مصداقيتها ومواقعها في إيران لأنها شاركت في جرائم النظام واستفادت بشكل غير قانوني
من ثرواته. .
ولهذا لا ينبغي تزكيتها وبالتالي إعطاء عنوان مضلل للجماهير، ولا
ينبغي ربط الناس بهؤلاء.
بل ينبغي ألا ندعوهم للزعامة وإنما للالتحاق
بالجماهير.
وقد استدرك مقدم البرنامج: "ولكن العديد من رجال الدين تعرضوا
للاضطهاد كذلك وهناك محكمة خاصة تبت في قضايا رجال الدين كما هو معروف".
ورد
"د.
داعي": أغلبية المراجع أدوات بيد الدولة.
ولا يمكن الاعتماد على فئة
هامشية منهم.
حتى من يبدو الآن طيباً ودوداً كان قد أجرم وسجن وأعدم وقتل الناس
في بداية الثورة؟ المراجع خانوا الأمانة! ورد عليه الأستاذ "أسدي" قائلا: "لا ينبغي
أن تظلم رجال الدين بسبب مواقفهم السابقة، لنترك ذلك للتاريخ.
نحن بحاجة إلى
التسامح.
الرسالة لم تطلب من رجال الدين والمرجعية قيادة الحركة الجديدة بل
الانضمام إليها.
ثم لا يمكن عزل الدين عن بقية نواحي الحياة في مجتمعنا المتدين،
ولكن يجب منع الدين من التحكم في السياسة.
فلابد إذن من الاستعانة برجال الدين
في هذه المعارضة". ورد د.
داعي: رجال الدين نَفَسُهُم قصير وتعاطفهم معك
محدود.
فهم في النهاية وبحكم قناعاتهم الدينية لا يستطيعون مواصلة المسيرة،
والمؤسسة الدينية لها حدود وضوابط. ورد هوشنك أسدي: أعتقد أن حركة الاعتراض الحالية
بقيادة الطبقة المتوسطة أو النخبة المتوسطة.
ولابد أن نأخذ في الاعتبار الشرائح
والطبقات الفقيرة المتديِّنة التي صوتت لأحمدي نجاد.
هؤلاء كذلك إيرانيون ولابد
من كسبهم وعدم الانحياز للنخبة وحدها. ورد على ذلك د.
داعي قائلا: هذا التحليل
خطأ.
ليس صحيحاً أن الحركة بقيادة الطبقة المرفهة، لا ينبغي أن ننسى أن العمال
يتظاهرون ويضربون كذلك.
هناك نحو مائتي ألف رجل دين في إيران، وملايين من رجال
الأمن، وهؤلاء كلهم يعتاشون على دخل البلاد بدون عمل منتج.
معظم الجماهير ضد
النظام. وكاد رد "أسدي": الحركة الخضراء لا تمثل كل الجماهير بل قسماً منه.
د.
داعي: هذا يعيدنا إلى حكاية الفيل والعميان عندما اختلفوا في أن يتعرفوا عليه
لأن كلا منهم وضع يده على جانب معين من جسد الفيل. "أسدي": ولاية الفقيه ستتطور
وتتغير بلا شك.
فإما أن تصبح ديكتاتورية صريحة أو تتهمش إلى شعار جانبي ثانوي
شكلي. . . إلخ! ما رأي المثقفين والإعلاميين العرب. .
في هذا الحوار.