فاروق مقبل الكمالي
تدرك طهران ماذا تفعل وماذا تريد .. وبالمقابل لا يبدو على مسؤولينا أنهم يدركون ماذا عساهم يريدون القول أو الفعل إزاء أوضاع ملغومة ومتفجرة بدون حد .
باكرا أوجدت طهران عمليات القرصنة في مياه خليج عدن والبحر الأحمر وكانت تدرك أن الكل سوف يتداعون الى هذا الممر المائي وأنها ستكون موجودة بقواتها العسكرية البحرية كواحدة منهم وأنها بذلك لن تعود مضطرة للأسف حيال الرفض اليمني الرسمي لمقترحها القديم بتطوير ميناء ميدي على البحر الأحمر .
تصرف طهران بخلق عمليات القرصنة في الامتداد المائي من بحر العرب والمحيط الهندي جنوبا وحتى البحر الأحمر غربا والذي أثار مخاوف العالم بأكمله كان سريعا ويعكس الهدف الذي من أجله تقدمت طهران بخطتها لتطوير ميناء ميدي اليمني والمتمثل بإيجاد مطرح قدم لها بأي صورة كانت ,ولم تكن عمليات القرصنة إلا الخطة البديلة في حال رفضت صنعاء مقترحها ,وقد كان لها ذلك .
ويبدو أن مسئؤولينا في صنعاء توقف التفكير بهم عند حدود مقترح تم رفضه وانتهت المشكلة هنا و(باب يأتيك منه الريح سده وأستريح ).
لكن هاهي التقارير الإيرانية التي ترافق استمرار طهران في تأمين تواجدها العسكري في هذا الامتداد المائي تقول أن قواتها المشاركة في مكافحة عمليات القرصنة في المياه الدولية قبيل السواحل اليمنية والإفريقية قد تمكنت من تأمين الطريق المائي لإبحار أكثر من 300 باخرة إيرانية وحوالي 50 باخرة دولية ,ومع هذه الأرقام لست أدري لماذا الحديث عن ذهول واشنطن وصنعاء من السرعة الإيرانية في إمداد المتمردين الحوثيين في صعدة اليمنية بالسلاح لمناهضة الدولة المركزية بصنعاء ؟..وإذا تمعنا جيدا بالأحداث سنجد أن طهران حرصت على حضور مؤتمر رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي الذي أنعقد بصنعاء في وقت سابق هذا العام والخاص بمناقشة مخاطر القرصنة على أمن هذه الدول التي ليس من ضمنها طهران بالمطلق ولكنها حضرت للمشاركة في هذا المؤتمر على مستوى وزير خارجيتها متكي .ولم نجد جوابا أو تفسيرا لهذا الاهتمام الإيراني الكبير .
يبدو أن طهران تدرك جيدا إلى أين تبحر والى أي حد تريد الإبحار , فيما نحن في صنعاء أو بالأصح مسؤولونا في صنعاء يلوكون الحديث ذاته عن الدعم الإعلامي الإيراني الذي تقدمه طهران ووسائلها الإعلامية للتمرد الحوثي المستمر والمتفاقم في صعدة .
وليس هذا فحسب بل أن مصيبتنا كيمنيين كون الغضب الدبلوماسي اليمني إزاء ذلك الوضع المتنافي مع كل القواعد السياسية والدبلوماسية تفجر مرة واحدة فإذا وزير الخارجية اليمني الدكتور أبوبكر القربي يستدعي سفير طهران في صنعاء ليبلغه غضب الحكومة اليمنية مما يمارسه الإعلام الإيراني وما يقدمه من دعم إعلامي للمتمردين الحوثيين الذين يقاومون السلطات اليمنية الدستورية والقانونية بالسلاح الإيراني والدولارات الإيرانية ؟
لست أدري لماذا وقف حديث القربي عند الدعم الإعلامي الإيراني المقدم لهذا التمرد وهو الذي بلا شك كان قبل أسبوع وأكثر من استدعائه لسفير طهران في صنعاء يتلقى تقرير السفير اليمني في طهران الذي استدعاه متكي طالبا منه إبلاغ صنعاء بقلق طهران على أوضاع الشيعة في صعدة وأن طهران تدعم الحكومة اليمنية والشيعة الحوثيين ليعيشوا جنبا إلى جنب بسلام وقبل ذلك بأيام كان القربي والحكومة اليمنية يستمعون إلى تصريحات الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية ا لإيرانية التي قال فيها أن ما يحدث في اليمن شأن داخلي "ويجب" على الحكومة اليمنية حله سياسيا , هكذا تريد طهران فرض ماتريده هي على الحكومة اليمنية علنا والقربي وزير الخارجية اليمني يستدعي سفير طهران بصنعاء بعد ذلك بحوالي أسبوعيين ليقدم له مذكرة احتجاج الحكومة اليمنية على الإعلام الإيراني وهو الإعلام الذي تحركه رؤوس الشياطين الإيرانية وليس المتمرد عبد الملك الحوثي ..مؤكدا ليس القربي من هواة متابعة الإعلام الإيراني وليس لديه الوقت أساسا ليضل جالسا طوال ساعات بث هذا الإعلام يحصي كل كلمة مكتوبة ومنطوقة عن اليمن وإلا لكان وجد في هذا الأداء الإعلامي الإيراني ما هو أكثر من مجرد دعم إعلامي للمتمردين الحوثيين لكنه أيضا والحديث عن الإعلام كان قادرا على أن يترك هذه المهمة لمعالي وزير الإعلام اليمني حسن أحمد اللوزي أو للسيد طارق الشامي مستشار رئيس مجلس الوزراء للشئون الإعلام ,ليتفرغ هو بصفته رمز الدبلوماسية اليمنية بإبلاغ سفير طهران لدى صنعاء برد الحكومة اليمنية حيال ما صدر عن وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي وقبله الناطق الرسمي باسم الوزارة .
بالكاد يفقه المتمردون في صعدة الأسباب والدوافع والمبررات التي تقودهم لمواصلة هذا التمرد تحت شعار "الموت لأميركا, الموت لليهود .." إلى آخر الشعار الذي بات يشكل هويتهم كامتداد إيراني خالص , ولذا فإذا لم يكن هناك من رد للحكومة اليمنية على التدخل الإيراني السافر والساخر في الشؤون الداخلية لليمن فعلى الأقل ربما كان بوسع معالي الوزير القربي أن يسأل سعادة السفير الإيراني في صنعاء عن الكيفية التي تفسر بها حكومته مقدرة المتمردين الحوثيين على قيادة المدرعات والدبابات واستخدام الأسلحة المتطورة جدا ,والتي يدعون أنهم استولوا عليها من مهاجمتهم لمواقع الجيش ؛ فليس ثمة من يعتقد أو لديه الاستعداد للاقتناع بأن المتمردين الحوثيين خلقوا بالفطرة هكذا يمتلكون القدرة على استعمال تلك الأسلحة وقيادتها على ما بها من تعقيدات تقنية وفنية وكأنهم يقودون دواباً ؛ مالم يكن ثمة دعم إيراني عسكري ومالي مكثف لتلك العناصر الإرهابية التي استباحت صعدة وأمن واستقرار اليمن والمنطقة برمتها تحت ذلك الشعار القادم إليهم من جحور قم ومرقد الإمام الخميني .