الشيخ / مختار حسين قاسم
إن شهر رمضان هو شهر التوبة والمغفرة والهداية والألفة والمحبة والتسامح والعفو والصلة والتواصل والعبادات بكل ألوانها وأذواقها وأحوالها وأشواقها، شهر كريم تزكو فيه الأنفس وتبعث فيه الأخلاق ويجلو فيه الحلم ويبرز فيه الجود والسخاء والسعة وتلحظ فيه الحياة والعفة لنشهد ونتأمل بذلك وتلك الألوان والمشاهد وحدة المقصد والمطلب ، وحدة الإرادة والمراد من الكل الذين يعملون لأجل فضله وبره وإحسانه جل جلاله وتقدست أسمائه يسألونه رضاه والجنة ويستعيذون من سخطه والنار ، وينالون من المولى ذلك إن صحت النية وسلم التوجه وأخلص العمل لوجهه الكريم إضافة إلى جنته العظمى وهي الأنس بحبه وقربه والاستشعار لجوده وكرمه وإنعامه في فراديس رضوانه وبحبوحة عفوه ...فسبحان الواحد الذي دعانا وهدانا لتوحيده وتعظيمه وتقديسه وإفراده.
فلنتعظ من كل العبادات ونعمل ولا سيما الصلاة والحج والعمرة والصوم" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وإن العبادة في الجماعة سواء في الصلاة أو الصوم أو الحج أو المولد والزيارات أو سائر مجالس الذكر والإنشاد والإرشاد التي لها الأثر الفعال والعظيم في القلوب والعقول والأفئدة والمجتمعات والأمم ومتعلقاتها لأنها وحدة ربانية ، وحدة طاعة لا معصية "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" فما أعظم وحدة الطاعات والأرض والإنسان في يمن الفقه والحكمة والإيمان التي توجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بتاج الحكمة والإيمان وأظهرها بنفس الرحمن وجعلها الملجأ من الفتن والمحن بعد تجلي المولى بقوله "بلدة طيبة ورب غفور" فمن هنا نعلم أن الذي من علينا بالإسلام والإيمان والإحسان لهو الذي من علينا وأكرم بالوحدة التي أصلها أرض واحدة ودين واحد وإنسان واحد التي بها قوتنا وكرامتنا وعزنا وحاضرنا ومستقبلنا وهو جل جلاله الذي هيأ لها الأسباب والدوافع والعوامل حتى حُققت وأنجزت على أيدي صانعيها من الطرفين وكان الكل مشاركاً فيها ومحققاً لها ، وكذلك العوامل التي أرغمت الجميع عليها ومن ورائهم الشعب الحكيم المؤمن الواحد الذي يعد الوحدة وحدته والوطن وطنه والمصير مصيره فلا نقبل من أحد أن يعود بنا إلى الماضي البغيض أو أن يخدش نحت ظلها الممطر لأن الكل يجب أن يدركوا أنها فوق المصالح والمكايدات والمكاسب الدنيئة بل على الكل أن يسعى دوماً لأجل الحفاظ عليها وأن يتنازل لأجل وحدته المباركة ويجعلها فوق كل غالٍ ورخيص ورتب ومناصب ومكاسب خاصة لا تدوم أبداً ولن يستمتع بها أحدُ ولأن الوحدة وحدة شعب وأرض ودين وحسب ونسب قبل السياسة والاقتصاد وسيذهب الشرفاء وبشرفهم والأعزاء بعزهم وأهل المصالح كما ذهب الذين من قبلهم وستبقى الوحدة بالله والشعب والمفتخرون بعزها والمتنازلون لأجلها والذين يدركون حقيقة ما يرتب ويخطط له لأجل إعادتنا إلى ما قبل القبل وأشد تنكيلا.
فلا شك أن يمننا المبارك شمالاً وجنوباً كان يعيش الويلات والصراعات والأسقام السياسية والاقتصادية والدينية قبل تحقيق الوحدة التي جبت ما قبلها وأتت لنا بالخير والأمن والحرية والديمقراطية ، ولا تزال هناك الكثير من الأمراض والسلبيات والأخطاء والممارسات والإنحرافات الخلقية والعقلية والبيئية وهي ذنوب وأوزار ومخالفات عائدة على أصحابها والممارسين لها والقائمين عليها أو الذين تصدر منهم كل تلك الاختلالات والاحترابات التي بإصلاحها ومعالجتها نضمن وحدتنا وأخوتنا ورابطتنا القوية، فالذنب ذنبهم وسيجنونه هم وحدهم ليس ذنب الوحدة والعصمة التي أمر الله بها "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"
كما أن دين الإسلام هو أعظم الأديان وهو دين الله الذي أمرنا أن نتعبده به والذي ارتضاه لنا وللبشرية جمعاء والذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه لأنه هدى الله وشرعه المحفوظ.
فلا يُلام الإسلام بالمسلمين ولا الدين بالمتدينين الذين لم يعملوا به ولم يتخلقوا بأخلاقه ويتأدبوا بآدابه ويهتدوا بهديه وبنوده وأركانه ، فالخلل فينا نحن المتدينون المسلمون لا في الإسلام ولا ربه جل جلاله ولا نبيه صلى الله عليه وسلم ولا حملة رآيته وأنوار هدايته أولياء الله الصالحين السائرين على قدم الهداية والتمكين بل يجب علينا أن نبين لأنفسنا أولاً وللعالم أجمع ثانياً أن هذا هو دين الله ، دين العدل والمساواة والإحسان والصلة ، والناهي عن الظلم والفحشاء والمنكر والبغي ،وأنه الآمر بكل خلق سُني والناهي عن كل خلق دنيء ،وأنه رحمة للعالمين ، دين الكمال والجمال والجلال ، وأن الذي ترونه من نقص أو فساد أو خلل أو انحلال فهو منا نحن الفاسدون المتشدقون بالإسلام والمستغلون لعفوه وستره .. فأعيوننا على إصلاح أنفسنا وتطبيق ديننا بالعودة بنا إلى ربنا وربكم نحن وإياكم على قدر الهمة والاستطاعة والاقتدار والسلوك لأن ديننا رحمة لنا ولكم وللعالم أجمع وبه وفيه فلاحه وكماله ونجاحه.
وكذلك الوحدة فلا لوم عليها لأن العيب والخلل ليس فيها ولا منها بل مننا وفينا:
نعيب زماننا والعيب فينا وما لزماننا عيب سوانا
فلا نخدش بوحدتنا وكرامتنا وعزنا وحقيقتنا الربانية المحمدية بل نخدش بمن أساء لها أو أراد أن يعيبها أو يتمترس بها لأنها منطلق وحدتنا الكبرى ولبنتها الأولى ومنصة مجدنا العالمي والحضاري المشرق فلنحافظ على وحدتنا جميعاً والحفاظ عليها بالعدل والمساواة والأمن والاستقرار وإيتاء الحقوق ورد المظالم، وبالوفاء والصدق والأمانة وبالحب والألفة والإيثار وبإنزال الناس منازلهم وبتطبيق النظام والقانون المنبثق من الهدي الرباني المحمدي الذي يقول "لا يؤمن أحكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" وقوله أيضاً "من اعترف بذنبه فلا ذنب عليه " وقوله "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " وقوله "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وقول الحق تبارك وتعالى "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وقوله تعالى أيضاً "إنما تجزى كل نفس بما كسبت" وقوله "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا".