;

دروس مـــــن الهجــــرة النبويـــــــة 858

2009-12-27 04:06:04

الشيخ /
عمار بن ناشر العريقي


تعصف ببلادنا اليمن والبلاد العربية والإسلامية
تحديات خطيرة في وقت نستقبل فيه ذكرى "يوم عاشوراء" وهو يوم نجى الله فيه موسى
وأتباعه ، كما نستقبل "عاماً هجرياً جديداً" وذكرى "الهجرة النبوية المباركة" على
صاحبها أزكى الصلاة وأفضل التسليم.

تحفزنا أحداثها الدرامية ومشاهدها الساخنة المليئة بالمواقف الكريمة
والتضحيات الجسيمة لاستلهام العبر والدروس الفكرية والتربوية والتي سيسهم عرضها في
ترشيد الدعوة والتربية وعملية البناء والإصلاح والتغيير.
1.
كانت هجرته صلى
الله عليه وسلم جرياً على سنن الأنبياء من قبله وفراراً من اضطهاد قريش وأذاهم
البدني والنفسي وتهيئة لتوفير المحضن والمرأى والمناخ الملائم لإظهار الدعوة
وانتشارها ومنطلقاً لإقامة الدولة المسلمة المزمع إنشاؤها وتجسيدها لينسج العالم
على منوالها.
2.
لا تقتصر الهجرة على معنى الانتقال من دار الكفر إلى دار
الإسلام بل تشمل أيضاً على الراجح الانتقال به من دار الظلم إلى دار العدل بدليل أن
الآية الكريمة لم تحدد الأرض المهاجر إليها بل وصفتها،بالواسعة للخروج من ظلم النفس
في حالة الاستضعاف وأن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا
كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها"وبدليل أمره صلى
الله عليه وسلم ذلك بقوله "فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد إذن بدفع الظلم والذل
والاضطهاد حتى يقدر المسلم على ممارسة شعائر دينه وإظهار الدين والدعوة.
وهذا
متحقق في بلاد الغرب اليوم غالباً أكثر من تحققها في كثير من البلاد العربية
والإسلامية بل تضمن قوانين كثير من الحقوق والعدالة والكرامة الإنسانية والحرية
الدينية الشخصية وحمايتها بل وتوفير الدعم والمساعدة لها.
3.
جواز دخول
المسلم تحت حماية الكفار بدليل دخول الصحابة في حماية النجاشي ودخوله صلى الله عليه
وسلم تحت جوار عمه أبي طالب والمطعم بن عدي وأصحابه كذلك بشرط عدم التنازل عن
الثوابت المسلمات.
4.
وفي تشريع الهجرة لرفع الظلم والذل والاضطهاد دليل على
أن الإسلام لا يرضى لأتباعه أن يرضخوا لحياة الاستعباد والمهانة والضعف والاستكانة
وعلى رحمة التشريع وتيسيره ورفع الحرج والغدر "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" وفي
دعاء المؤمنين "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" وفي الحديث الصحيح "لا ينبغي
للمسلم أن يذل نفسه..ويحمِّل نفسه من البلاء ما لا يطيق ولذلك سمى تاركي الهجرة
القانعين بالذل "ظالمي أنفسهم "ووبخهم لقولهم "كنا مستضعفين في الأرض" فبلاد المسلم
حيث تكون كرامته لا مسقط رأسه فحسب.
5.
وكما تشرع الهجرة لرفع الأذى البدني
والنفسي فيقاس عليها جوازها لرفع الأذى في المال والأهل كما تجوز للتجارة والسياحة
والزيارة والعلاج والدراسة وقد مات كثير من الصحابة والسلف في بلاد بعيدة في ثغور
الجهاد وفي الرحلة في طلب العلم والحديث فالهجرة وسيلة وحكمها حكم غايتها فالوسائل
تأخذ أحكام مقاصدها وغاياتهم.
6.
ضرورة أن يدرك المصلحون واقع أعدائهم مع
دعوتهم وأن العوائق كثيرة فلابد من توقعها حتى لا تروعهم المفاجأة فيصابون بالإحباط
وأن الدعوة لا تنتشر إلا بالخروج بها من موقعها وتوفير التربة الخصبة لها والبلوغ
بها إلى حالة "الاستعصاء " ونقلها إلى بيئات وتجمعات أخرى مختلفة حتى شكلت الهجرة
أهم حدث في تاريخ الدعوة وانتقلوا بها إلى كيان سياسي يحمي الدعوة وأنصارها فقويت
شوكتهم وازدادت أعدادهم.
7.
اقترنت الهجرة في القرآن الكريم بالإيمان والصبر
والجهاد ولا يقوم بها إلا من توفرت فيه هذه الخصال والعبادات العظيمة " ثم إن ربك
للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم"
"والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون
حقاً لهم مغفرة ورزق كريم".
ذلك أن الإيمان الحقيقي يولد في نفس صاحبه العزة
والثقة بالله والأمل بنصره كما يفجر في نفوسهم طاقات كافية كبيرة والصبر وعمل الخير
ويثمر المحبة والمودة والرحمة والإيثار ، ويصحح الموازين المادية حتى لا تتعلق
النفوس بالأهواء والشهوات المحرمة ويبصر أصحابه بطبيعة المرحلة التي تمر بها الأمة
مما يدفعهم إلى التعاون مع العاملين الصادقين لإقرار قيم الحق والخير
والعدالة.
8.
بالإيمان بالمبدأ والثبات عليه والتضحية في سبيله ثم بالتخطيط
والتنظيم والمتابعة قد تنقلب المحن إلى منح والفتن إلى منن والنقم إلى نعم كما
انقلبت أحوال النبي وأصحابه الكرام كانوا بالأمس على حال وصفها الله بقوله "وإذ
يمكر الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك" فما هو إلا زمن يسير حتى نصره الله
فبنى دولة وبسط سلطانه ودخل الناس في دين الله أفواجا وصدق الله "ويمكرون ويمكر
الله والله خير الماكرين " فجعل الله تعالى بسبب الهجرة أنصاراً وفتح له مكة التي
أخرجه ومكن له فيها وأرغم أنوف أعدائه ولهذا قال تعالى "فأوحى إليهم ربهم لنهلك
الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم" " ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين".
9.
الهجرة الحسية "وهي هجرة الجسم" تبعثها
الهجرة المعنوية وهي الحقيقية وهي الأصل "الهجرة بالقلب إلى طاقة الله ورسوله"
بالتوبة من المعصية إلى الطاعة ومن الغفلة إلى الذكر ومن الجهل إلى العلم ومن
التعلق بغير الله محبةً ورجاء وخوفاً إلى التعلق به تعالى وحدة وهو معنى قوله
"ففروا إلى الله" "لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك".
وفي البخاري "المسلم من سلم
المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
وعند أحمد وبن ماجه
"والمؤمن من أمن الناس على دمائهم وأموالهم".
التزم النبي صلى الله عليه وسلم في
هجرته مبدأ الحيطة والحذر والأخذ بالأسباب واستعان بالكافر المأمون كدليل على طريق
الهجرة ومثل بحق القدوة والقيادة الحسنة حيث شاركهم في بناء المسجد وإنشاد الشعر
وكان رمزاً في الشجاعة والتضحية وآخى بين المهاجرين والأنصار وصنع رموز التضحية
كأبي بكر رفيق هجرته وعلي الذي نام على فراشه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد