إذا كانت
إعلانات حقوق الإنسان عن الحريات مجرد كفالات للبرجوازية ضد الإقطاع والبابوية قد
تكشف في النهاية زيفها وجزئيتها، وجاءت المذاهب الاشتراكية لتفضح شكلاً نيتها،
مؤكدة على الحقوق الاجتماعية لتفرض هي بدورها طواغيت أخرى على الإنسان فإن تصور
الإسلام للحرية لا ينطلق من طبيعة للإنسان تنبثق عنها بذاتها حقوق كما أدعى الفكر
الغربي وتبين زيفه. .
وإنما الحقيقة التي ينطلق باسمها كل شيء في هذا الكون. .
فالإنسان في هذا
التصور كائن ممتاز يحمل مسؤولية قيادة مركبته وتحديد مصيره وفق لخطة الآلهة لحياته،
وبقدر ما يكون أداء الإنسان أكبر في أداء التكاليف التي أوجبها الشرع، بقدر ما
يتملك حرية أكبر إزاء ذاته والطبيعة والكائنات من حوله.
أشرنا في الحلقة السابقة
من هذا الكتاب إلى أن الجهود التي تبذلها القوى الحرة والمنظمات الإنسانية في الغرب
لصالح ضحايا القمع بل إن تقديرنا لها كمسلمين عظيم ونحن وإياها في جبهة واحدة ضد
قوى الهيمنة في بلادهم وبلادنا ولكن تأثيرها في البيئات الغربية لا يزال محدوداً
وموازين القوى ليست بعد لصالحها.
الغرب. .
عالم بلا إنسان فعن أي إنسان يتحدث
الغربيون، إنه إنسان اللاوعي عند فرويد وإنسان الجنون عند فوكسو وإنسان البيئة عند
البيئيين وإنسان الجماعة لدى علماء الاجتماع إنه علاقات اجتماعية تحددها وسائل
الإنتاج، إن العلوم الإنسانية لا تدرس الإنسان "بألف وال التعريف" وإنما تدرس
جوانب من الإنسان في وقت معين ولكن الإنسان من حيث هو وحدة متكاملة غائب من هذه
العلوم إنه غياب الإنسان في علوم الإنسان فهل نتحدث عن علوم إنسانية أم عن علوم لا
إنسانية.
إن العالم بدون إله أو عالم بروموثيوس المحارب لله. .
وهو الأساس
الذي استقرت عليه الحضارة المادية في الغرب وهو كما يقول غاردودي: "العالم بدون
إنسان" وإن جانباً كبيراً من الإنتاج الأدبي في الغرب ومسالك الشباب "1968 في
باريس" مظاهر لتمرد الإنسان الغربي على هذه الحضارة منتظراً أن تتنامى وتتفاقم وإذن
فلا يبقى من أساس قيمي يمكن أن تستند إليه مواثيق الحقوق والحريات في الغرب غير
جملة من الملابسات والأنسجة التاريخية والاجتماعية والثقافية والمصالح قد تكون طبقة
أو جنساً أو طناً مهما بلغ اتساعها وإنسانيتها لا يمكن أن تتجاوز المركزية الغربية
حيث يباح للأمير أن يسخر كل شيء ويفعل كل ما يقدر عليه من أجل المحافظة على مفهوم
الحضارة المسيحية اليهودية وهي الوجه الآخر للحضارة الغربية في تصوره عن الإنسان
وقيمه وحريته عن هذا الإطار السلطوي الاستغلالي إنها حضارة السامري الذي يجسد الإله
في عجل ذهبي يعيد حضارة الإمبراطور الوثني قسطنطين الذي دخل المسيحية لا ليخضع لها
بل ليوظفها مستفيداً من التصور الوثني الإغريقي الذي صاغه اليهودي بولس الرسول
وتأسست عليه كنيسته حليفة الأباطرة منذ قسطنطين الإمبراطور. .
نحن هنا نتحدث عن
التوجه العام الذي لا يعتمد على وجود قوى تحررية في الغرب تكافح ضد هيمنة المؤسسة
السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية من أجل نمط آخر للعلاقات الدولية ذات
طابع إنساني ولكن لا يكاد يبرز لها أثر في التنظيم السياسي والاقتصادي
الغربي.
لنكون أحراراً إن الحرية في التصور الإسلامي أمانة أي مسؤولية ووعي
بالحق والتزام به وفناء فيه، نعم إن الحرية بالمعنى التكويني هي إباحة واختيار أو
هي فطرة فقد اختصنا الله بخلقة تحمل القدرة على فعل الخير والشر. .
كانت تلك
مسؤولية أما بالمعنى الأخلاقي أو التشريعي فهي "تكثيف" حسب عبارة الأصوليين الحرية:
أن نمارس مسؤوليتنا ممارسة إيجابية أن نفعل الواجب طوعاً. .
بإتيان الأمر واجتناب
النهي فنستحق درجة الخلفاء وأولياء الله الصالحين وإن جملة مواقف مفكري الإسلام حول
الحرية تدور حول هذا المعنى ولعل أفضل من بلور مفاهيم الحرية في الإسلام من
المفكرين الإسلاميين المحدثين "العلامة المغربي المرحوم علال الفاسي والمفكر
السوداني حسن الترابي والفيلسوف محمد إقبال والمفكر الجزائري مالك بن نبي والأستاذ/
محمد فتحي عثمان" فقد ذهب الأستاذ الفاسي إلى أن الحرية "جعل قانوني وليس حقاً
طبيعياً فما كان للإنسان ليصل على حريته لولا نزول الوحي. .
وأن الإنسان لم يخلق
حراً وإنما ليكون حراً" إن الحرية كدح ونضال في طريق عبودية الله وليست إنطلاقاً
حيوانياً ولقد تعجب الأستاذ الفاسي كيف أن علماء الإسلام لم يتفطنوا في آية البينة
"لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" إلى هذا
المعنى اللطيف: أن لا سبيل للانفكاك والتحرر إلا بمنهج العبودية لله ومنهج التكاليف
الأمر الذي يجعل الحرية خلقاً ذاتياً تتجلى آثاره في أعمال الإنسان الصادرة عن
شعوره بالتكاليف.
إن الإنسان الجدير بصفة الحر هو المؤمن بالله. .
وإن
التكاليف هي أساس الحرية وعلامتها.
الحرية في الإسلام إذا كانت الديمقراطية أو
حقوق الإنسان تستند في الغرب في الظاهر على الأقل إلى شخصية الإنسان الفرد
وارتبطت نشأتها بالصراع ضد الكنيسة وحكم المسلوك الإطلاقي من أجل تقييد سلطاتها أو
انتزاعها جملة وردها إلى الشعب مصدراً وحيداً لها الأمر الذي طبعها بطابع الفردية
والروح القومية واللادينية والشكلانية فإن الأمر يختلف في البلاد الإسلامية التي لم
تعرف هذه المجانبة أو الانفصال بين الحكم وبين الأمة غالباً حتى في أزمنة الجور حيث
ظلت الشريعة تقيد سلطان الحكام في مسألتين هامتين هما: سلطة التشريع وفرض الضرائب
حين لا يمكن للحاكم أن يستن من التشريع ما يخالف الدين ومن ذلك عدم قدرته على تجاوز
المقادير التي حددتها الزكاة.
إعلانات حقوق الإنسان عن الحريات مجرد كفالات للبرجوازية ضد الإقطاع والبابوية قد
تكشف في النهاية زيفها وجزئيتها، وجاءت المذاهب الاشتراكية لتفضح شكلاً نيتها،
مؤكدة على الحقوق الاجتماعية لتفرض هي بدورها طواغيت أخرى على الإنسان فإن تصور
الإسلام للحرية لا ينطلق من طبيعة للإنسان تنبثق عنها بذاتها حقوق كما أدعى الفكر
الغربي وتبين زيفه. .
وإنما الحقيقة التي ينطلق باسمها كل شيء في هذا الكون. .
فالإنسان في هذا
التصور كائن ممتاز يحمل مسؤولية قيادة مركبته وتحديد مصيره وفق لخطة الآلهة لحياته،
وبقدر ما يكون أداء الإنسان أكبر في أداء التكاليف التي أوجبها الشرع، بقدر ما
يتملك حرية أكبر إزاء ذاته والطبيعة والكائنات من حوله.
أشرنا في الحلقة السابقة
من هذا الكتاب إلى أن الجهود التي تبذلها القوى الحرة والمنظمات الإنسانية في الغرب
لصالح ضحايا القمع بل إن تقديرنا لها كمسلمين عظيم ونحن وإياها في جبهة واحدة ضد
قوى الهيمنة في بلادهم وبلادنا ولكن تأثيرها في البيئات الغربية لا يزال محدوداً
وموازين القوى ليست بعد لصالحها.
الغرب. .
عالم بلا إنسان فعن أي إنسان يتحدث
الغربيون، إنه إنسان اللاوعي عند فرويد وإنسان الجنون عند فوكسو وإنسان البيئة عند
البيئيين وإنسان الجماعة لدى علماء الاجتماع إنه علاقات اجتماعية تحددها وسائل
الإنتاج، إن العلوم الإنسانية لا تدرس الإنسان "بألف وال التعريف" وإنما تدرس
جوانب من الإنسان في وقت معين ولكن الإنسان من حيث هو وحدة متكاملة غائب من هذه
العلوم إنه غياب الإنسان في علوم الإنسان فهل نتحدث عن علوم إنسانية أم عن علوم لا
إنسانية.
إن العالم بدون إله أو عالم بروموثيوس المحارب لله. .
وهو الأساس
الذي استقرت عليه الحضارة المادية في الغرب وهو كما يقول غاردودي: "العالم بدون
إنسان" وإن جانباً كبيراً من الإنتاج الأدبي في الغرب ومسالك الشباب "1968 في
باريس" مظاهر لتمرد الإنسان الغربي على هذه الحضارة منتظراً أن تتنامى وتتفاقم وإذن
فلا يبقى من أساس قيمي يمكن أن تستند إليه مواثيق الحقوق والحريات في الغرب غير
جملة من الملابسات والأنسجة التاريخية والاجتماعية والثقافية والمصالح قد تكون طبقة
أو جنساً أو طناً مهما بلغ اتساعها وإنسانيتها لا يمكن أن تتجاوز المركزية الغربية
حيث يباح للأمير أن يسخر كل شيء ويفعل كل ما يقدر عليه من أجل المحافظة على مفهوم
الحضارة المسيحية اليهودية وهي الوجه الآخر للحضارة الغربية في تصوره عن الإنسان
وقيمه وحريته عن هذا الإطار السلطوي الاستغلالي إنها حضارة السامري الذي يجسد الإله
في عجل ذهبي يعيد حضارة الإمبراطور الوثني قسطنطين الذي دخل المسيحية لا ليخضع لها
بل ليوظفها مستفيداً من التصور الوثني الإغريقي الذي صاغه اليهودي بولس الرسول
وتأسست عليه كنيسته حليفة الأباطرة منذ قسطنطين الإمبراطور. .
نحن هنا نتحدث عن
التوجه العام الذي لا يعتمد على وجود قوى تحررية في الغرب تكافح ضد هيمنة المؤسسة
السياسية والعسكرية والاقتصادية والإعلامية من أجل نمط آخر للعلاقات الدولية ذات
طابع إنساني ولكن لا يكاد يبرز لها أثر في التنظيم السياسي والاقتصادي
الغربي.
لنكون أحراراً إن الحرية في التصور الإسلامي أمانة أي مسؤولية ووعي
بالحق والتزام به وفناء فيه، نعم إن الحرية بالمعنى التكويني هي إباحة واختيار أو
هي فطرة فقد اختصنا الله بخلقة تحمل القدرة على فعل الخير والشر. .
كانت تلك
مسؤولية أما بالمعنى الأخلاقي أو التشريعي فهي "تكثيف" حسب عبارة الأصوليين الحرية:
أن نمارس مسؤوليتنا ممارسة إيجابية أن نفعل الواجب طوعاً. .
بإتيان الأمر واجتناب
النهي فنستحق درجة الخلفاء وأولياء الله الصالحين وإن جملة مواقف مفكري الإسلام حول
الحرية تدور حول هذا المعنى ولعل أفضل من بلور مفاهيم الحرية في الإسلام من
المفكرين الإسلاميين المحدثين "العلامة المغربي المرحوم علال الفاسي والمفكر
السوداني حسن الترابي والفيلسوف محمد إقبال والمفكر الجزائري مالك بن نبي والأستاذ/
محمد فتحي عثمان" فقد ذهب الأستاذ الفاسي إلى أن الحرية "جعل قانوني وليس حقاً
طبيعياً فما كان للإنسان ليصل على حريته لولا نزول الوحي. .
وأن الإنسان لم يخلق
حراً وإنما ليكون حراً" إن الحرية كدح ونضال في طريق عبودية الله وليست إنطلاقاً
حيوانياً ولقد تعجب الأستاذ الفاسي كيف أن علماء الإسلام لم يتفطنوا في آية البينة
"لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة" إلى هذا
المعنى اللطيف: أن لا سبيل للانفكاك والتحرر إلا بمنهج العبودية لله ومنهج التكاليف
الأمر الذي يجعل الحرية خلقاً ذاتياً تتجلى آثاره في أعمال الإنسان الصادرة عن
شعوره بالتكاليف.
إن الإنسان الجدير بصفة الحر هو المؤمن بالله. .
وإن
التكاليف هي أساس الحرية وعلامتها.
الحرية في الإسلام إذا كانت الديمقراطية أو
حقوق الإنسان تستند في الغرب في الظاهر على الأقل إلى شخصية الإنسان الفرد
وارتبطت نشأتها بالصراع ضد الكنيسة وحكم المسلوك الإطلاقي من أجل تقييد سلطاتها أو
انتزاعها جملة وردها إلى الشعب مصدراً وحيداً لها الأمر الذي طبعها بطابع الفردية
والروح القومية واللادينية والشكلانية فإن الأمر يختلف في البلاد الإسلامية التي لم
تعرف هذه المجانبة أو الانفصال بين الحكم وبين الأمة غالباً حتى في أزمنة الجور حيث
ظلت الشريعة تقيد سلطان الحكام في مسألتين هامتين هما: سلطة التشريع وفرض الضرائب
حين لا يمكن للحاكم أن يستن من التشريع ما يخالف الدين ومن ذلك عدم قدرته على تجاوز
المقادير التي حددتها الزكاة.