صفحه من
كتاب
كتاب
لم يثبت البحث في تاريخ الجماعات
البشرية أن واحدة منها قد خلت من آلهة يدين الناس لها بالخضوع، أومن إله واحد يتولى
الأمر كله ومن هذا الخضوع لإرادة عليا، نشأت فكرة القانون إذا أن قواعد القانون
الأولى في بداية نشأتها كانت قواعد دينية وكان القانون في كل مجتمع نشأ معتمداً على
الدين ممتزجاً به. . أشرنا في الحلقة
السابقة من هذا الكتاب أن الثورات السياسية في الغرب تركزت منذ قرنين على تحرير
القانون من إرادة رجال الدين وسلطان الملوك من أجل الانتقال من حكم الفرد إلى حكم
القانون، وتجريد الملوك السيادة والهيمنة التي يزعمون استمدادها من الله
مباشرة.
وتطرقنا إلى أن مفهوم السيادة مفهوم قانوني إذ يراد منه إعطاء القانون
صفة الشرعية حيث القانون ما صدر عن الحاكم باعتباره السلطة الآمرة وهنا يتطلب أن
نعرف من هو الحاكم ولا سبيل إلى ذلك إلى من خلال جملة من القواعد القانونية هي
ذاتها بحاجة إلى مصدر للشرعية إذ أن السيادة إنما جيء بها لإعطاء القانون الصفة
الشرعية.
الصراع بين الدول الوطنية ظاهرة ضرورية ورغم هذا المأزق المنطقي الذي
تنتهي إليه نظرية السيادة فهي تظل مقبولة لدى القائلين بها طالما أفضت إلى هدف عملي
إذا أن حياة القانون كما قال القاضي هولمز: "ليست المنطق بل التجربة" ولقد رسخت
هذا المفهوم للدولة المتمحور حول كيان ذي سيادة مطلقة لا يحتاج في تبرير شرعية
أوامره وضرورة الخضوع له إلى غير إثبات صدورها عنه مهما كانت مصادمة للأخلاق والدين
وقانون العدل رسخت هذا المفهوم للدولة كتابات عدد كبير من المفكرين السياسيين
الغربيين أمثال الانكليزي هوبز والايطالي مكيا فيللي والألماني هيغل، فلقد رأى هذا
الأخير مثلاً: "أن الفكرة التي تحكم التاريخ البشري هي العقل وأن العقل يتحقق
تدريجياً في التاريخ عبر صراع الأفكار وأن أعلى درجات ذلك التحقق الدولة الوطنية
التي هي تجسيد للعقل وهي الحقيقة المطلقة التي تفوق حقيقة المواطنين الذين يجب
عليهم أن يخضعوا كلياً لأهداف الدولة العليا وأن الصراع بين الدول الوطنية ظاهرة
ضرورية لتقدم البشر وحريتهم أما الصراع بين الدولة والمواطن فغير متصور لأن الدولة
دائماً على حق باعتبارها تجسيداً للفكر المطلق فإرادتها مغايرة للأخلاق وفعلها
ميزان للحق".
ولقد كانت الحروب الحديثة بين الدول القومية للانفراد بالمجد
والثروة ولو كان ذلك على حساب قيم العدل والحرية ذات صلة واضحة، بهذا المفهوم
للدولة الإله التي تتضمن في ذاتها مصدر شرعيتها وهي مصدر لكل شرعية وليست مسؤولة
أمام أحد ولذلك فإن ممثل أو ممثلي السيادة فيها في حصانة من انطباق القانون عليهم
وواضح أن الكبرياء القومي والرغبة الجامحة في التحرر من سلطان الكنيسة وأمراء
الإقطاع والملوك الانطلاقيين كان وراء الجهود الكبيرة التي بذلت في مجال الفكر
والعمل لإقامة هذا السلطان الجديد ذي السيادة المطلقة "الدولة" وقبول ما يحيط به من
غموض ووهم ولا منطق الأمر الذي يجعل النظام الغربي يرتكز شأن الصور التي تخيلها
الناس للعالم قديماً على فيل.
الهاربون من الاستبداد هذا التصور للدولة الذي
أقامه المفكرون الوضعيون أو الهاربون من استبداد الكنيسة وملوك الأخلاق التصور
الذي يجعلها المبدأ والغاية لكل شيء ولا تعلو سيادتها سيادة ولا تحتاج لأن تبرر
قراراتها أمام أحد على الرغم مما حققه من إعلاء سلطان القانون وتقييد تصرفات الحكام
به ومن إقرار للشعب بحقوق تقوم على حراستها سلطات قضائية وإعلامية مستقلة وحريات
للتعبير والتجمع إلى جانب توزيع للسلطات.
على الرغم من ذلك فقد قاد هذا التصور
إلى حروب طاحنة وتسلط الأقوياء على الضعفاء وظهور الدكتاتوريات الفاشية والنازية
والبروليتارية وقدم خير مبرر للطغيان والاستعمار الأمر الذي أقتضى جهوداً لتليين
هذا المفهوم المسافات وحكمت بوحدة المصير البشري وبما يتيح الفرص أمام الدول للحوار
وتبادل المنافع والحد من أخطار الإبادة الجماعية التي أتاحها التقدم التقني.
إنه
أمام كل ذلك تنامت القناعة أنه لا مناص للمجموعة البشرية إذ أرادت أن تواصل العيش
من الحد من هذا المفهوم للسيادة الوطنية لحساب قانون أعم وأشمل هو القانون الدولي
والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهي مستمدة غالباً من فكرة القانون الطبيعي
إنطلاقاً من أن الطبيعة البشرية واحدة في كل زمان ومكان وإذا تعمقت في غورها فإنك
ستجد قواعد أخلاقية أساسية راسخة.
إن القانون الطبيعي يجسد لدى القائلين به
المفهوم الرئيسي لقانون أعلى ينظم القانون الوضعي البشري، إنه يمثل قانوناً
أخلاقياً مستقلاً عن قانون الدولة يمكن بواسطته معرفة ما إذا كان قانون الدولة
ظالماً أو غير أخلاقي، فعلى الدولة أن تهتدي بمبادئ القانون الطبيعي لكي تكون شرعية
وأكثر عدلاً.
ولقد قامت مدرسة القانون الطبيعي في القرن السابع عشر في أوروبا
على اعتبار الفرد أسبق وأسمى من المجتمع وإنما هذا الأخير إنما قام لخدمة الفرد،
وأن للفرد بحق آدميته حقوقاً يستمدها من طبيعته لا مم تصدره الدولة، لأن هذه الحقوق
سابقة على وجود الدولة، فلا يجوز للدولة إهدارها فإذا فعلت فقدت الثقة فيها وحق
للشعب استعادة السلطة.
القانون مصدر الحقوق: ولقد خرج القانون الطبيعي إلى حد ما
من حالة الغموض والميتافيزيقيا التي كان عليها يوم أن كان قوياً فضفاضاً في تلك
المرحلة عندما أصبح ينظر إليه على أنه مصدر الحقوق الديمقراطية الأساسية التي تقيد
حرية الحكام والتي تجسدت خاصة في المواثيق العالمية لحقوق الإنسان وتضمنتها معظم
الدساتير الأمر الذي بوأها مقام الحكم على كل ما تصدره الدولة من قوانين، وخول
للمحاكم الإمتناع عن العمل بمقتضى أي تشريع يتناقض مع تلك الحقوق الطبيعية، مثل
حرية المعتقد والتملك، وسائر الحريات الشخصية والعامة.
البشرية أن واحدة منها قد خلت من آلهة يدين الناس لها بالخضوع، أومن إله واحد يتولى
الأمر كله ومن هذا الخضوع لإرادة عليا، نشأت فكرة القانون إذا أن قواعد القانون
الأولى في بداية نشأتها كانت قواعد دينية وكان القانون في كل مجتمع نشأ معتمداً على
الدين ممتزجاً به. . أشرنا في الحلقة
السابقة من هذا الكتاب أن الثورات السياسية في الغرب تركزت منذ قرنين على تحرير
القانون من إرادة رجال الدين وسلطان الملوك من أجل الانتقال من حكم الفرد إلى حكم
القانون، وتجريد الملوك السيادة والهيمنة التي يزعمون استمدادها من الله
مباشرة.
وتطرقنا إلى أن مفهوم السيادة مفهوم قانوني إذ يراد منه إعطاء القانون
صفة الشرعية حيث القانون ما صدر عن الحاكم باعتباره السلطة الآمرة وهنا يتطلب أن
نعرف من هو الحاكم ولا سبيل إلى ذلك إلى من خلال جملة من القواعد القانونية هي
ذاتها بحاجة إلى مصدر للشرعية إذ أن السيادة إنما جيء بها لإعطاء القانون الصفة
الشرعية.
الصراع بين الدول الوطنية ظاهرة ضرورية ورغم هذا المأزق المنطقي الذي
تنتهي إليه نظرية السيادة فهي تظل مقبولة لدى القائلين بها طالما أفضت إلى هدف عملي
إذا أن حياة القانون كما قال القاضي هولمز: "ليست المنطق بل التجربة" ولقد رسخت
هذا المفهوم للدولة المتمحور حول كيان ذي سيادة مطلقة لا يحتاج في تبرير شرعية
أوامره وضرورة الخضوع له إلى غير إثبات صدورها عنه مهما كانت مصادمة للأخلاق والدين
وقانون العدل رسخت هذا المفهوم للدولة كتابات عدد كبير من المفكرين السياسيين
الغربيين أمثال الانكليزي هوبز والايطالي مكيا فيللي والألماني هيغل، فلقد رأى هذا
الأخير مثلاً: "أن الفكرة التي تحكم التاريخ البشري هي العقل وأن العقل يتحقق
تدريجياً في التاريخ عبر صراع الأفكار وأن أعلى درجات ذلك التحقق الدولة الوطنية
التي هي تجسيد للعقل وهي الحقيقة المطلقة التي تفوق حقيقة المواطنين الذين يجب
عليهم أن يخضعوا كلياً لأهداف الدولة العليا وأن الصراع بين الدول الوطنية ظاهرة
ضرورية لتقدم البشر وحريتهم أما الصراع بين الدولة والمواطن فغير متصور لأن الدولة
دائماً على حق باعتبارها تجسيداً للفكر المطلق فإرادتها مغايرة للأخلاق وفعلها
ميزان للحق".
ولقد كانت الحروب الحديثة بين الدول القومية للانفراد بالمجد
والثروة ولو كان ذلك على حساب قيم العدل والحرية ذات صلة واضحة، بهذا المفهوم
للدولة الإله التي تتضمن في ذاتها مصدر شرعيتها وهي مصدر لكل شرعية وليست مسؤولة
أمام أحد ولذلك فإن ممثل أو ممثلي السيادة فيها في حصانة من انطباق القانون عليهم
وواضح أن الكبرياء القومي والرغبة الجامحة في التحرر من سلطان الكنيسة وأمراء
الإقطاع والملوك الانطلاقيين كان وراء الجهود الكبيرة التي بذلت في مجال الفكر
والعمل لإقامة هذا السلطان الجديد ذي السيادة المطلقة "الدولة" وقبول ما يحيط به من
غموض ووهم ولا منطق الأمر الذي يجعل النظام الغربي يرتكز شأن الصور التي تخيلها
الناس للعالم قديماً على فيل.
الهاربون من الاستبداد هذا التصور للدولة الذي
أقامه المفكرون الوضعيون أو الهاربون من استبداد الكنيسة وملوك الأخلاق التصور
الذي يجعلها المبدأ والغاية لكل شيء ولا تعلو سيادتها سيادة ولا تحتاج لأن تبرر
قراراتها أمام أحد على الرغم مما حققه من إعلاء سلطان القانون وتقييد تصرفات الحكام
به ومن إقرار للشعب بحقوق تقوم على حراستها سلطات قضائية وإعلامية مستقلة وحريات
للتعبير والتجمع إلى جانب توزيع للسلطات.
على الرغم من ذلك فقد قاد هذا التصور
إلى حروب طاحنة وتسلط الأقوياء على الضعفاء وظهور الدكتاتوريات الفاشية والنازية
والبروليتارية وقدم خير مبرر للطغيان والاستعمار الأمر الذي أقتضى جهوداً لتليين
هذا المفهوم المسافات وحكمت بوحدة المصير البشري وبما يتيح الفرص أمام الدول للحوار
وتبادل المنافع والحد من أخطار الإبادة الجماعية التي أتاحها التقدم التقني.
إنه
أمام كل ذلك تنامت القناعة أنه لا مناص للمجموعة البشرية إذ أرادت أن تواصل العيش
من الحد من هذا المفهوم للسيادة الوطنية لحساب قانون أعم وأشمل هو القانون الدولي
والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهي مستمدة غالباً من فكرة القانون الطبيعي
إنطلاقاً من أن الطبيعة البشرية واحدة في كل زمان ومكان وإذا تعمقت في غورها فإنك
ستجد قواعد أخلاقية أساسية راسخة.
إن القانون الطبيعي يجسد لدى القائلين به
المفهوم الرئيسي لقانون أعلى ينظم القانون الوضعي البشري، إنه يمثل قانوناً
أخلاقياً مستقلاً عن قانون الدولة يمكن بواسطته معرفة ما إذا كان قانون الدولة
ظالماً أو غير أخلاقي، فعلى الدولة أن تهتدي بمبادئ القانون الطبيعي لكي تكون شرعية
وأكثر عدلاً.
ولقد قامت مدرسة القانون الطبيعي في القرن السابع عشر في أوروبا
على اعتبار الفرد أسبق وأسمى من المجتمع وإنما هذا الأخير إنما قام لخدمة الفرد،
وأن للفرد بحق آدميته حقوقاً يستمدها من طبيعته لا مم تصدره الدولة، لأن هذه الحقوق
سابقة على وجود الدولة، فلا يجوز للدولة إهدارها فإذا فعلت فقدت الثقة فيها وحق
للشعب استعادة السلطة.
القانون مصدر الحقوق: ولقد خرج القانون الطبيعي إلى حد ما
من حالة الغموض والميتافيزيقيا التي كان عليها يوم أن كان قوياً فضفاضاً في تلك
المرحلة عندما أصبح ينظر إليه على أنه مصدر الحقوق الديمقراطية الأساسية التي تقيد
حرية الحكام والتي تجسدت خاصة في المواثيق العالمية لحقوق الإنسان وتضمنتها معظم
الدساتير الأمر الذي بوأها مقام الحكم على كل ما تصدره الدولة من قوانين، وخول
للمحاكم الإمتناع عن العمل بمقتضى أي تشريع يتناقض مع تلك الحقوق الطبيعية، مثل
حرية المعتقد والتملك، وسائر الحريات الشخصية والعامة.