;

الجهل في تبرير طاعة الحكومة المستبدة.. الحلقة الخامسة عشرة 1080

2010-03-16 03:50:36

صفحه من
كتاب


أشرنا في الحلقة السابقة من هذا
الكتاب إلى أن المصدر الأول والأساسي لشرعية كل حاكم في النظرية السياسية الإسلامية
إنما يستمد من قبوله الكامل الاحتكام إلى شرع الله دون أدنى منازع ولا رغبة في
مشاركة.
إن النص
الإسلامي كتاباً وسنة هو الحاكم الأعلى والسلطة التي لا تعلوها سلطة وهو القاعدة
الكبرى التي قام عليها المجتمع الإسلامي، بل هو السلطة المؤسسة والمنظمة للجماعة
والدولة والحضارة. .

إن النص هو الشريعة الثابتة التي لا تتبدل وهي غير
الفقه والاجتهاد حيث التفاصيل فإن الكمال وهو وصف الشريعة ليس في الجزئيات
وإنما في العموميات. لقد كان النص الإلهي إذن الحقيقة الأساسية في الجماعة بل أن
الجماعة لم تكن تستمر بغير النص، أنه المسوغ الوحيد لاستمرارها وهو الذي يمنح
وجودها شرعيته المتعالية فكان الجذر الذي قامت عليه الجماعة الإسلامية وتأسست في
رحابه الأمة وعلى قاعدة هذا الجذر كانت الاختلافات والثورات تجري بيد أن الانقسامات
هذه مهما بلغ عددها لم تكن تستطيع تجاوز النص صراحة وإلا تجاوزت الإسلام نفسه
فانتهت إلى الهلاك وحسمت فيها الأمة.
إن هذه المسألة بالذات هي سبب بقاء
الاجتماع الإسلامي رغم الصراعات التي بدأت في وقت مبكر جداً حول قضايا لم يحسمها
النص بصراحة. لقد شكل النص منذ بدايته الأساس لكل شيء في الجماعة المتكونة في رحابه
فهو الفصل وهو الحكم وهو المأدبة والغذاء اليومي لهؤلاء الذين التقوا حول النبي
البشر ولقد كانت علوية سلطة نص الوحي كتاباً وسنة على كل سلطة أخرى تشريعية أو
تنفيذية وإنها سند كل سلطة ومبرر كل طاعة يطلبها حاكم. .
وكانت واضحة تمام الوضوح
لدى صحابة رسول الله حيث كانوا يميزون بين شخصيته كمبلغ عن الله وبين شخصيته كبشر
حاكم يعتريه ما يعتري البشر من صواب وخطأ فإذا استشكل عليهم الأمر من أمره عليه
الصلاة والسلام سألوه "أهو الوحي يا رسول الله أم هو الرأي" أي اجتهادك الشخصي فإن
كان الأول قالوا: سمعنا وأطعنا وإذا كان الثاني اجتهدوا في تمحيص ذلك الرأي وقد
ينتهون إلى تعديله أو الإعراض عنه جملة. .
والوقائع في ذلك كثيرة. وكان هذا التميز
واضحاً بين الوحي كسلطة مطلقة الحق والشرعية والطاعة وبين ما عداه من مصادر
أخرى. .
كان واضحاً لدى الفقهاء ورجال الفكر الإسلامي الذين على اختلافهم قد
اجمعوا على أنه لا اجتهاد في مورد النص واستحثوا تلاميذهم كما فعل الشافعي على أن
ينظروا في أقوالهم على ضوء الكتاب والسنة فما وافق منهما أخذوا به وما خالف رموا به
عرض الحائط وكان واضحاً للحكام والمحكومين أن الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب
والسنة هي المبادئ العليا الثابتة أو هي بلغة العصر القانون الأساسي أو الدستور
فكان الحكام يعلنون في خطاب التولية أمام الأمة تعهداً صريحاً بالخضوع للنص في كل
أوجه تصرفاتهم بل كانوا يحرضون الأمة على التمرد عليهم إن خالفوا الشرع فبعد أن
تلقى أبو بكر البيعة العامة في المسجد خطب في المسلمين "يا أيها الناس إني قد وليت
عليكم ولست بخيركم فإن ضعفت فقوموني وأن أحسنت فأعينوني، الصدق أمانة والكذب خيانة،
الضعيف فيكم قوي عندي حتى أرجع إليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم الضعيف عندي حتى
أخذ منه الحق إن شاء الله لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ابتلاهم الله بالفقر
ولا شاعت الفاحشة في قوم إلا عمهم البلاء أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت
الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم". * ليس لكل سلطانٍ طاعة:ومهما أنحرف الحكم في
التاريخ الإسلامي فقد ظلت الشريعة الإسلامية العليا التي يحتاج كل حاكم كما يحتاج
كل مجتهد ومفكر إلى أن يبرر أعماله ومواقفه أمامها. .
فلم تعرف التجربة الإسلامية
بسبب ذلك حاكماً ثيوقراطياً يعلن أنه إرادة الله المتجسدة. .
لأن المسلمين يعلمون
يقيناً أن إرادة الله إنما تتجسد في شريعته فما وافقها فهو الحق وما خالفها فهو
الباطل. .
وظلت توجيهات النبي "صلى الله عليه وسلم" للأمة في هذا الشأن واضحة
يلخصها الحديث المأثور "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" وعلى المرء المسلم السمع
والطاعة فيما أحب وكره فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة. وكل ذلك يدحض بشكل قطعي ما
روجه خصوم الإسلام والجهلة به من "أن واجب المسلم أن يطيع أي حاكم يستحوذ على أية
سلطة سواء كان ذلك عن طريق شرعي أو بحكم الواقع وأن أية سلطة تقام تجب لها الطاعة
وأن أية سلطة على الأرض تعد معينة من قبل الله وأن واجب المسلم أن يطيع سواء كان
الحاكم عادلاً أو ظالماً لأنه مسؤول فقط أمام الله وأن الترضية الوحيدة التي يمكن
أن ينالها الناس هي أن يشعروا أن الله سيعاقبهم على أعمالهم الشريرة في الدار
الآخرة". !* الربط السلبي بين التجربة الإسلامية وصور الانحطاط:ثم يقتبس أرنولد
الأحاديث التي تحث على الطاعة مستنبطاً أنها على الإطلاق لتبرير طاعة الحكومة
المستبدة التي لا تحد فيها إدارة الحاكم بأي قيد ولعل مصدر خطأ مثل هذه المواقف هو
خلطها بين النظرية الإسلامية للحكم في مصادرها الأساسية "الكتاب والسنة" وإجماع
علماء المسلمين المستوحي من النصوص الأصلية وتجربة التطبيق الإسلامي في صدر
الإسلام. .
الخلط بينهما وبين صور الانحراف والانحطاط التي تنكبت عن الأصول
واتخذت الإسلام مطية مع أن أية حضارة لا تخلو من الانحراف من أساسها الإيديولوجي
دينية كانت أو وضعية. إن نصوص الإسلام وتجربته التطبيقية النموذجية صريحان في
التأكيد على الحقائق التالية: إن الله سبحانه مالك الملك وصاحب السلطة العليا في
الكون والحياة والمجتمع وإن حكمه لا معقب له ولا يسأل عما يفعل. .
فهو الحاكم
الأصلي بذاته. إن حاكمية الله سبحانه وسيادته في حياة الإنسان قد نطق بها الوحي
كتاباً وسنة فمنه استمدت الشريعة. .
فشريعة الله حاكمة على ما سواها. إن إقامة
الشريعة وهي فرض على كل مسلم تقتضي ضرورة انتظام الأمة الإسلامية في شكل منتظم
سياسي هو الحكومة الإسلامية. .
الإسلام هو السلطة المؤسسة للأمة وللدولة. إذا
كان مبرر وجود الحكومة الإسلامية هو إنقاذ الشريعة ووضع المتعالي في سياق التاريخ
وصل الإلهي بالبشري وصبغ الحياة بصبغة الله فإنها لا تستحق طاعة مواطنيها لأوامرها
إلا بقدر ما تبدي من خضوع وإلتزام بالشريعة وتكون أوامرها ونواهيها موافقة للشارع
أو على الأقل غير مصادمة له

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد