مصطفى الدفعي
أنه يوجد في مجتمعنا بعض من حملة الشهادات العلمية ممن لا أرجو ألا يستغرب أحد إذا ما
قلنا أنه يوجد في مجتمعنا بعض من حملة الشهادات العلمية ممن لا يجيدون القراءة،
ورغم ذلك بعضهم يصر على مزاولة مهنته بهذه الوضعية ويرفض بذل جهود للتعلم ليجيد
القراءة والتغلب على هذه المشكلة، بل ويكابر البعض على ذلك، كما أن هناك من يركبه
الغرور لأنه امتلك شهادة علمية وهي كفيلة بحمايته من أي عيب أو نقد، هذا وضع
بعض حملة الشهادات العلمية في مجتمعنا بل وفي أغلب المجتمعات العربية!، ولكن ما
رأيكم في أستاذ جامعي ذي سمعة دولية مرموقة، وقف ذات مرة وأعلن دون تردد أو حرج أنه
مازال يحاول تعلم القراءة، وأنه يتعلم كلمات وصيغ كلمات جديدة كل يوم؟ ربما
تستغربون ذلك، ولكنكم قد تستهجنون المسألة برمتها إذا علمتم أن هذا الأستاذ الجامعي
"جون داوننغ" الذي يعتبر مرجعاً دولياً في القراءة قد أقر بذلك ضمن شهادة أدلى بها
أمام لجنة أجرت تحقيقاً عالمياً في القراءة ومستوياتها وأساليب تعليمها، ولكن ما
قاله ذلك الأستاذ الشهير لا يعني طبعاً أنه ليس قادراً على قراءة كتاب أو مجلة ،
إنما قصد به التدليل على أن القراءة أداة مهمة في التعليم وأن التمكن من فن
استخدامه يتطلب مواظبة وجهداً مستمرين، وقد أشار البروفيسور "دوانغ" إلى ناحيتي
قصور أساسيتين في تعليم القراءة في المدارس أولاهما إهمال القراءة في تدريب
المعلمين وثانيهما عدم الاستمرار في تدريس القراءة في المدارس الابتدائية
والثانوية.
والواقع أن استنتاجات البروفيسور "دوانغ" هذه تدعمها نتائج عملية مسح
دراسية استغرقت ثلاث سنوات وشملت أربعة عشر دولة للإطلاع على مستويات القراءة
ومعرفة أساليب تدريسها فيها.
لقد تبين من هذه الدراسة أن أعداداً ضخمة من الطلبة
في شتى أنحاء العالم يتركون المدارس وهم أشباه أميين أو قل أنصاف متعلمين لا يحسنون
القراءة، ولذلك يوصي البروفيسور "داوينغ" بإيجاد دوائر في الجامعات خاصة بالقراءة،
كي تعمل على تخريج كادر من الأخصائيين ليقوموا بدورهم بتدريس معلمي المدارس طرق
وأساليب تدريس القراءة ومن ثم تمتد الفائدة إلى التلاميذ أنفسهم.
ويذكر
البروفيسور "دوانغ" بين أسباب ضعف تعليم القراءة كثرة عدد التلاميذ في الفصل
الدراسي الواحد، رغم كل ما يعبر عنه البروفيسور من قلق تجاه كثرة عدد التلاميذ
الذين لا يجيدون القراءة فإنه يحذر من مغبة الإهمال في تعليمها والإصرار على أن
يحسن التلميذ القراءة قبل سن معين، إذ أن ذلك قد ولد النفور في نفس التلميذ، وهكذا
يثبت مرة أخرى أن الاعتدال والمواظبة هما أفضل نهج أو كما قيل "خير الأمور أوسطها"،
هذا ما قاله بالنسبة للتلاميذ في المدارس، أما بالنسبة لكبار السن من حملة الشهادات
العلمية فلا عيب من بذل مزيد من الجهود خاصة أولئك الذين لا يجيدون القراءة فكما
قال إن القراءة أداة مهمة في التعليم وإن التمكن من فن استخدامها يتطلب مواظبة
وجهداً مستمرين..
والله من وراء القصد.