الربيعي
الخير..هذا ما استفتحت به يومي عندما رأيت جاري ذات صباح أصبحنا وأصبح الملك لله صباح
الخير..هذا ما استفتحت به يومي عندما رأيت جاري ذات صباح وهو يسب ويشتم ويكيل
اللعنات تلو اللعنات إلى الشيطان والزوجة والمرور وسوق ضمران والوضع كله بشكل عام
حاولت أن أهدئ من ثورته متسائلاً عن السبب الذي أثار كل هذا الغضب لدى شخص دائماً
أراه هادئاً متسامحاً، وديعاً، ولطيفاً أخذته جانباً طالباً منه مرافقتي لتناول كأس
من الشاي في أقرب مقهى حتى يهدأ، ونستطيع تبادل الحديث ومعرفة القصة طلبنا
كأسين من الشاي، وبدأ يسرد قصته على طريقة شعراء العصر الجاهلي عندما كانوا يبدأون
القصيدة بالبكاء على الأطلال، ووصف الناقة أو الفرس، والشوق للمحبوبة، ووصفها قبل
الولوج في الموضوع الذي تدور حوله أو تتحدث عنه القصيدة..
سرد لي قصة من الموروث
الشعبي يستدل بها على قلة عقل المرأة، وعقل الرجل، وأحياناً عقول الجميع كما يقول
عندما طلبت امرأة من زوجها عسلاً في وقت متأخر من الليل خرج للبحث عن العسل وفي
طريقة وجد جثة لشخص قتيل بها عدة طعنات فأخرج خنجره ليقيس عمق الطعنات في الجثة،
وصادف أن رأته الشرطة التي ألقت القبض عليه وسلمته للقاضي الذي حكم بدوره بسجن
الشخص دون نقاش أو سؤال، حاول الرجل أن يوضح حماقته، وغباءه بقياسه الطعنات، وأنه
ليس القاتل ولكنهم كانوا أحمق منه، وعندما طال غيابه عن الزوجة، وافتقدت العسل خرجت
تسأل عنه حتى وصلت إلى السجن، ولما رأته خلف القضبان أشارت إليه بلعق الأصابع ومصها
إشارة إلى سؤاله عن العسل وعندما رآها أحس برغبة قوية في جماع الزوجة فانفجر ضاحكاً
لما سئل عن سبب ضحكه كان رده ساخراً فقال: عقلي وعقل الزوجة وعقل الشرطة وعقل
القاضي وإحساس الرغبة سواء.
فالزوجة تبحث عن عسل في الليل وأنا أقيس الطعنات في
القتيل والشرطة تأخذني كقاتل والقاضي يحكم بلا أدلة، والزوجة لم تقلق لوجودة في
السجن وإنما تسألني عن العسل، والرغبة تحركت عند رؤية لزوجتي، وأنا على هذا الحال
في السجن فضحكت وشر البلية ما يضحك ثم استدرك قائلاً الكثير من مثل هذه القصص موجود
هذه الأيام في واقعنا وحياتنا في أقسام الشرطة في المحاكم تجد العدالة غائبة والظلم
موجود ومنتشر ومتفشي: القضاة مشغولون بمآرب أخرى على الرغم من أنهم يستلمون أعلى
الرواتب في البلاد، والامتيازات والسيارات، ولكنهم لا يكتفون بكل هذا حيث تجدهم
مشغولين بملاحقة متطلبات والتزامات فارغة مثل القات، والأثاث، والسفريات يشجعهم على
ذلك غياب الرقابة، والمحاسبة، والمتابعة، تصور القاضيات كنا نظن أنهن بعيدات عن هذا
بحكم التركيبة الأنثوية ولكن غزاهن ما غزى الرجل ما أكثرها تسمع من قصص لو دخلت
المحكمة ويشتكو أصحاب القضايا معانتهم، ابتزازهم في قضايا بسيطة يمتلك فيها الشخص
كل أوراقه، وإثباتاته وتحتاج لجلسة واحدة لبديهيتها وبساطتها تعقد لها لجلسات ترفع
جلسة وتؤجل جلسة وتستمر أحياناً أشهر وسنوات وفوقها المعاناة والابتزاز، والأوامر
إشتري القات صلح السيارة إدفع فواتير التيلفون، إقطع تذاكر السفر هذا في القضايا
البسيطة.
أما القضايا الكبرى فتصور يا صاحبي ما الذي يمكن أن يحدث، وما هي
الطلبات التي يمكن أن تطلب تستمع لهذه القصص وتحمد الله أنه لم يبتليك بقضية تدخلك
المحكمة فتسهر ليلك، تطير نومك، وتخرب بيتك، وتفرغ جيبك، ثم ينصحني صاحبي حاول
دائماً تجنب المشاكل بكل الوسائل ولو أدى ذلك إلى أن تتنازل عن بعض حقوقك أفضل
تفقدها كلها في أروقة المحاكم ومع أناس غابت عن ضمائرهم أمانة المسؤولية، واستهانوا
بحجم تلك المسؤولية الملقاة على عواتقهم أمام الله ناسين أو متجاهلين قول الرسول
عليه الصلاة والسلام عن القضاة" قاض في الجنة، وقاضيان في النار، قاض عرف الحق فحكم
به وهو في الجنة، وقاض عرف الحق فحاد عنه وهو في النار، وقاضٍ حكم بجهل أو جهالة
وهو في النار" أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
طال الحديث واكتشفت أن جاري
راوية من الدرجة الأولى الحديث معه ممتع وفي نفس الوقت موجع فقد أفسد صباحي وعكر
مزاجي وعطل كيف الشاي الذي شربته عندما بدأ يسرد قصص الواقع الموجع ولكنه لم يشبع
فضولي ورغبتي في معرفة سبب صراخه لأن الوقت داهمنا فافترقنا على أن نلتقي في وقت
آخر ليحكي حكايته..
وإلى الملتقى..