عبدالعزيز المقالح
الحوار، والكتابات عن الحوار، وذهب كثير من المهتمين بهذا المبدأ إلى البحث عن
مفهوم أو بالأحرى مفاهيم الحوار حتى كاد يغيب المعنى الصحيح والبسيط لهذه الكلمة
التي تشير إلى معنى عملي وقريب من وجدان كل فرد في هذه الحياة يشعر بحاجته إلى أن
يفهم أخاه والى أن يفهمه أخوه وان لا يؤدي بينهما الاختلاف في وجهات النظر الى خلاف
سرعان ما يتحول إلى خصومة فظيعة وتفقد بذلك حياتهما المطمئنة المستقرة شرطاً
أساسياً من شروط العيش المشترك والطمأنينة والاستقرار.
وصدق ذلك النفر من المفكرين الذين يذهبون إلى
القول بأن العيب بات في اللغة بعد أن أصبحت حمالة أوجه ومتعددة المعاني والدلالات،
ومن حسن الحظ أن هذا الذي حدث للغة ومن حول اللغة ما يزال بين المثقفين أما في
الأوساط الشعبية فما تزال اللغة تحمل معانيها الأصلية ودلالاتها المباشرة.
ولا
اعتقد أن كلمة (حوار) من الكلمات النادرة والمختلف عليها على مستوى المثقفين وفي
المستوى الشعبي، فهي كلمة متواترة ودائمة الحضور في الكلام والكتابة على حد
سواء.
وربما كانت من الكلمات الأكثر وضوحاً في لغتنا العربية ودلالتها المباشرة
ابعد ما تكون عن الغموض والالتباس.
ومن تحصيل الحاصل القول بأن بلادنا تعاني منذ
فترة ليست بالقصيرة من أزمة سياسية زاد حدتها تأجيل الحوار أو رفضه من هذا الطرف
السياسي أو ذلك ولمدة من الزمن فاقت ما كان متوقعاً، ويقال - والقول من الأطراف
المعنية كلها وليس من طرف واحد - أن كل طرف من الأطراف المطلوب منها ان تجلس على
مائدة الحوار تضع العربة أمام الحصان، وحين يتم ذلك فان عربة الحياة لا تتحرك، ولا
الحصان يؤدي دوره ولا العربة.
وربما تكون الإشارة إلى كل من الحصان والعربة في
موضوع الحوار كناية عن وضع الشروط المسبقة المخالفة لقواعد الحوار، لأنه في حالة
الاستجابة للشروط المطلوب تحقيقها قبل الحوار تنتفي مهمته ولا يبقى من حضوره إلا
التقاط الصور، وتبادل تهاني الاتفاق على الشروط التي تم انجازها قبل الحوار
المرتقب! الخلاف سياسي، وسياسي بامتياز، فلا أحد مختلف على الوحدة، وحدة الوطن،
ووحدة البشر، فالوطن يجري في دمائنا جميعاً وينبض في قلوبنا.
فمن خيراته تكونت
أجسادنا، وعلى ترابه نمت طفولتنا وترعرع شبابنا، ونضجت كهولتنا.
لا خلاف على
الوحدة إذا، ولا على حب الوطن، لكن الخلاف بكل وضوح هو سياسي، وهو خلاف طبيعي
وضروري شرط ألا يرتفع إلى مستوى الصراع والخصومة، وان يظل في حدوده الطبيعية
اختلافاً في وجهات النظر والمشاركة في صنع القرار السياسي والاقتصادي، وينبغي أن
نفرق دائماً بين الحوار الوطني، الحوار بين أبناء الوطن الواحد، والحوار مع
الآخرين، فالحوار بين أبناء الوطن الواحد يقوم على التسامح والتنازل المتبادل، إذ
لا منتصر هنا ولا مهزوم، والمنتصر الوحيد في الحوارات الوطنية هو الشعب والوطن،
وعلى العكس من ذلك الحوار مع الأطراف الخارجية، حيث تختلف قواعد الحوار لوجود حالة
منتصر ومهزوم.
ليس المطلوب من الحوار الوطني المزمع البدء به قريباً أن تنصهر
القوى السياسية القائمة في الساحة كتلة واحدة وان تشارك في الحوار بصوت واحد وبلسان
يتكلم لغة واحدة، فما أظن ذلك يخطر في عقل احد من الأطراف المتحاورة، وإلا فما قيمة
التعددية واتساع دائرة الاختيارات.
إن الهدف من الحوار هو الوصول إلى درجة من
التعاون الصادق لإخراج البلاد من أزمتها السياسية والاقتصادية، وإعادة الحال بين
السلطة والمعارضة إلى مستوى الاختلاف في وجهات النظر بعيداً عن افتعال الخصومات
وإقلاع الطرفين عن استخدام كلمات الهجاء والتحريض.
ولا أبالغ إذا ما قلت أن عيون
العالم شاخصة إلى حيث ينطلق الحوار، وما الذي سيخرج به من حلول عملية تضع حداً
نهائياً للأزمات التي عكست نفسها على الشارع وعلى الحالتين الاقتصادية
والاجتماعية.
تأملات شعرية: الآن، لا الكلام يجدينا ولا الصمت الذي يشابه
الكلامْ.
لا الاجتماعات..
ولا الخطابات..
ولا حديث الحرب والسلام.
ليس
لنا سوى حوار صادق يعيد للبلاد شيئاً من بقايا الأمن والوئام.