الحميد
للقبائل اليمنية ضد حكومة صنعاء، جاء هجوم مسلح جديد هذه المرة على مكتب سجن
الاستخبارات اليمنية في عدن، أول من أمس، ناهيك عن أعداد كبيرة من المتطرفين باتت
تتجمع في اليمن من كل مكان، حتى من أميركا وأوروبا وأفريقيا، وبالطبع من السعودية
ومصر، وغيرهم.
كل ذلك يجعل اليمن
ساحة فعلية للقتال ضد «القاعدة»، بل وقد تسحب البساط من أفغانستان، كما يعتقد
الأميركيون الآن، وإن كنت قد سمعت ومنذ فترة طويلة من مسؤولين أمنيين سعوديين
تحذيرا من أن «القاعدة» تتجمع في اليمن، وأن اليمن الخطر القادم، ولم يكن أحد يومها
يكترث بذلك.
اليوم بات الخطر حقيقيا وماثلا للعيان في اليمن، وحتى لمن لا يكترث
بأخبار «القاعدة»، وخطرها.
وإشكالية اليمن تكمن في تعقيد قضاياه، وتشابكها،
داخليا بالطبع، وهذا ما تريده «القاعدة»، بكل بساطة، لتنشط من جديد في المنطقة،
خصوصا بعد أن تلقت ضربات عنيفة وجراحية موجعة، في السعودية، سواء أمنيا، أو
ماليا.
وها هي تتلقى ضربات قوية أيضا في العراق، خصوصا بعد أن تصدت لها مجاميع
الصحوة العراقية، في المناطق السنية الكبيرة، وبالطبع الضربات العنيفة في
أفغانستان، وبالتالي فإن الملاذ الآمن ل«القاعدة» الآن هو اليمن.
«القاعدة»
تستفيد من عدة أزمات في اليمن؛ من أزمة الحوثيين، ومن مشاكل الجنوب اليمني، كما
تستفيد من الصراعات السياسية، والدينية، مثلما تستفيد من الواقع القبلي في اليمن،
ناهيك عن المناطق الجغرافية الواقعة خارج نطاق سيطرة الحكومة.
وبالتالي، فإن أي
تدخل خارجي من أجل مواجهة «القاعدة» من شأنه تعقيد المشهد، وتأجيجه أكثر، وقد يكون
التدخل مبررا بحكم أن السلطات اليمنية في حاجة ماسة للتدريب والتجهيز، خصوصا منظومة
اختراق المعلومات، وهي السلاح الأبرز في مواجهة العمليات الإرهابية، إلا أن
«القاعدة» ستستفيد من ذلك من خلال تأجيج القبائل ورجال الدين.
إن تجاهل اليمن
أيضا سيكون بمثابة الكارثة على الجميع، ويكفي أن نتذكر أن الشاب الذي أوشك على
تفجير طائرة أميركية العام الماضي هو أفريقي درس في لندن، وتدرب في اليمن، وكاد أن
يقوم بعمل إرهابي بحق طائرة أميركية، أي أن شر «القاعدة» يهدد الجميع، وإن كان
المستهدف الأول هو السعودية، ف«القاعدة» تريد منطقة استقطاب، وتدريب، وانطلاق،
قريبة من السعودية.
وهنا يجب ألا ننسى أن الذي قام بمحاولة اغتيال مساعد وزير
الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف قد جاء من اليمن.
ولذا فإن أنجع الحلول
لمواجهة «القاعدة» في اليمن يجب أن تأتي من تحرك يمني داخلي، لا يقوم على تصرفات
شكلية بقدر ما يقوم على حلول حقيقية وعملية، وإلا فإن الخطر كبير ليس على المنشآت،
ومراكز الشرطة، وغيرها، بل على اليمن ككل، وعلى المنطقة.
عليه، فإن المعركة
الكبرى في مواجهة «القاعدة» في اليمن تقوم باقتناع صنعاء بضرورة القيام بحلول
حقيقية لقطع الطريق على «القاعدة»، فالخطورة ليست بما تقوم به، بل في مدى تغلغلها،
وحجم انتشارها أيضا.