الدين عبدالله المحمدي
قرصنة بل حرباً، لم يكن اعتداءً بل عدواناً، لم يكن ترويعاً بل قتلاً متعمداً مع
سبق الإصرار والترصد، كان قفزاً على الحاضر باتجاه المستقبل وتأسيساً جديداً لعالم
مفترض ومتخيل قادم، كان صراعاً مع العالم ولم يكن صراعاً على
العالم!!.
ما حدث كان مروعاً
لدرجة أننا لن نستطيع أن ندرك كل نتائجه المستقبلية إلا بعد أمد ليس بالقصير ولن
نستطيع أن ندرك أن يقع حجره الذي قذف به حتى نمتلك بصراً ثاقباً يرى مكان التاريخ
في زمن يتحدد بالمكان!! نستطيع القول بما ندعية غير زاعمين وأن نتكئ على ما نقوله
غير وجلين بل واثقين من أن ما حدث لأسطول وقافلة الحرية كان صراعاً دولياً خطط له
أطراف كبار ونفذه أقزام صغار بأسلحة ضخمة!! إننا نزعم إن أنكر علينا أحد إدعائنا
حتى أنزله إلى رتبة الزعم أن التحقيقات التي سيكشفها المستقبل إن كانت شفافة ونزيهة
حقاً أن أحداث أسطول وقافلة الحرية كانت أمراً دبر بليل، بل ومبرم بظلام، تآمر
الجميع على تنفيذه وتواطأوا على إخفائه، وما بين التنفيذ والإخفاء قصة عجيبة يشيب
لها الولدان ويدفع ثمنها الأتراك.
هل نستطيع القول عند هذه النقطة دون أن نشعر
بخوف من إنكار النكير أو بخشية من بهت المستريب المشكك.
إن ثمة أطرافاً كباراً
في العالم شعروا خائفين أن الأتراك ينوون عبر كسر حصار غزة استعادة هيبتهم وهيمنتهم
في العالم الإسلامي وانتزاع شيئ من مجد التاريخ الآفل، فأشفقوا على أنفسهم مما قد
يقع وفزعوا إلى مكرهم يسألونه الحيلة ويطلبون إليه الوسيلة خاصة وأن ثمة رجلاً داخل
تركيا وزعيماً لها لا يشك أحد في حنكة شخصيته وبعد نظره وحزم تدبيره وقوة فعله
وتنفيذه! الرجل بلا شك لا ينقصه كاريزما الزعامة حتى وإن أحاط به حاسدون أو
منافسون، حاسدون لأنهم لا يملكون ما يملكه، أو منافسون يريدون ما له دون أن يدفعوا
ما عليه.
الرجل لا شك "رجب طيب أردوغان" يستطيع أن يجمع حاسديه ومنافسيه وتركيا
بأسرها في لحظة تاريخية مهيبة، إن لم تكن حسماً فسوف تكون تردداً وإن لم ترق إلى
رتبة الفصل فسوف تنزل إلى درك التذبذب.
تركيا بلا شك الآن تعيش في لحظة تاريخ
حاسمة لن يرحمها التاريخ إن فرطت فيها لعلمنا بقسوته، ولن يعيطها فرصة أخرى
لمعرفتنا بصرامته، ولن يلين معها لإدراكنا لشدته، لذا فإن الأتراك يعيشون لحظة
الفعل التاريخي شاؤوا أم أبوا، هي فحولة حضارية عليهم ألا يفقدوها بالفياجرا
السياسية وهي لحظة رجولة روحية عليهم ألا يفقدوها أو أن يتركوها هبة ضائعة في يد
مومس لن تحفظه.
سيكون على الأتراك أن يقاتلوا وألا يطالبوا أجرهم إلا من الله،
وألا يطلبوا مكافأة التاريخ إلا في جنة الفردوس الأعلى.
لا مكان لأكثر من خيار،
هو الموت شهادة أو السقوط موتاً، هو القتال فضيلة أو الرذيلة قتلاً، هي الثورة
فعلاً وفكراً أو هو الاستكانة مواتاً وبلادة.
لن يرحم أعداء تركيا قادة تركيا
وشعب تركيا وتاريخ تركيا وعلى تركيا إما أن تذهب إلى عزة فاتحة، وإما أن تصبح غزة
نفسها في حصار سياسي قاتل لكن دون أن تملك عزة غزة وإبائها.
إننا ننحاز إلى
تركيا إلى درجة سوف ينكر الانحياز ذاته علينا انحيازنا ولن نقبل أقدام الحياد في
قضية هي أم القضايا وروح الإسلام ومجد الإنسانية إن كان بقي للإنسانية مجد لم ينهبه
بعد لصوص التاريخ أو يقتله سفاحو الضمائر ومصاصو الدماء!!.