صفا
لحركة فتح الشهيد أبو عمار، طغت التجاذبات الداخلية على الحركة والتي لم تتوقف
بانعقاد مؤتمرها الحركي السادس، وإنما استمرت الخلافات واشتدت حدتها ووصلت إلى حد
الاتهامات المتبادلة بين أقطابها، مما أعادها إلى الوراء بأدائها وعلاقاتها
الجماهيرية.
وكانت الانتخابات
المحلية وانتخابات المجلس التشريعي عامي 2005 و2006 وخسارتها فيهما قد تركت
انعكاسات سلبية على أدائها وتماسكها ووحدتها؛ وتخبطها لاحقا بالتعامل والتعاطي مع
الحالة السياسية الجديدة التي أفرزتها صناديق الانتخابات، ورغم اعترافها الشكلي
بنتائجها، إلا أنها على أرض الواقع لم تعترف بهذه النتيجة، حيث أقدمت على خطوات
كانت نتيجتها الإساءة إلى العملية الانتخابية ونتائجها وتعطيلها وتحميل الآخرين
مسؤولية عجزها، وكان للكيان الصهيوني أيضا دور أساسي في الاستفادة من هذه الظاهرة
بما يخدم توجهاته لرفع حدة التناقضات الداخلية الفلسطينية عندما أقدم على اعتقال
العديد من نواب المجلس التشريعي والمحسوبين، أغلبيتهم، على حركة حماس.
دعوة
الرئيس محمود عباس إلى انتخابات رئاسية وتشريعية في ظل استمرار حالة الانقسام التي
تمر بها الساحة الفلسطينية وتكليف لجنة الانتخابات بالقيام بهذه المهمة، وانسداد
الأفق أمام إجراء الانتخابات، جاءت نتيجة رفض حماس التعاطي مع هذا القرار والتعامل
معه، فكانت التصريحات المتتالية لقيادات فتحاوية بتوجيه اتهامات بأن حركة حماس تخاف
من الخسارة لتراجع شعبيتها، ولكن جاءت الأحداث اللاحقة لتثبت عكس هذه التوقعات،
فاتخاذ سلطة رام الله قرارها بتأجيل الانتخابات المحلية للمجالس البلدية والقروية
إلى أجل غير مسمى لحين تجاوز حالة الانقسام- كأن الانقسام الفلسطيني حصل بين اتخاذ
قرار الانتخابات وتأجيله- يدل على إفلاس أصحابه وتخبطهم، فكل الدلائل تؤكد على أن
الأزمة التي تعصف بحركة فتح لم يتم تجاوزها بعد، رغم انعقاد مؤتمرها السادس وانتخاب
قيادة لها على مستوى هيئاتها القيادية.
وتشير الدلائل أيضا إلى أن الحركة لم
تتمكن من تقديم قوائمها لخوض الانتخابات المحلية، فالذرائع التي تتمسك بها الحركة
هي غير مقنعة إطلاقا، وأن محاولات الاحتواء التي حاولت من خلالها القيام بتقديم
قائمة منظمة التحرير الفلسطينية فشلت، وأن مواقف بعض فصائل اليسار جاءت لتدافع عن
العملية الديمقراطية، لتضمن للجماهير حقها في المشاركة باختيار ممثليها من خلال
التنافس الحر بين القوى الفلسطينية، فحركة فتح فشلت باحتواء القوى الفلسطينية
الأساسية التي رفضت الأخيرة أيضا أن تكون جزءا لتجاذبات داخلية بالحركة.
فتبرير
قرار التأجيل بأن سببه الانقسام غير مقنع، وتوجيه الاتهامات للقوى الأخرى بالتطاول
على الحركة يأتي خدمة لأجندة خارجية، فهذه سياسة قديمة تحاول قيادة الحركة تمريرها
من جديد فلسطينيا، وهذا ما لم ولن يتحقق لها، فاستمرار تمسكها بمفهوم "من يعارضني
أو ينافسني فهو موال لدول أخرى ويخدم أجندة إقليمية، وإيهام الشارع الفلسطيني بأن
الحريص الوحيد على المصلحة الوطنية هي فتح"، فهذه السياسة مضى عليها الدهر، ففتح
كانت قد خاضت انتخابات المجلس التشريعي عام 1996 لوحدها، ولم تبالي بمقاطعة ورفض
فصائل منظمة التحرير الفلسطينية للمشاركة بتلك الانتخابات، كذلك خاضت انتخابات
المجالس المحلية بقوائمها المستقلة عام 2005، فلماذا لا تريد اليوم أن تخوض
الانتخابات منفردة وبقوائمها المستقلة؟ حركة فتح تدرك جيدا أنها بدأت تفقد مكانتها
القيادية على كل المستويات، وتقف عاجزة أمام حكومة فياض، وتقف عاجزة أمام مسؤول
هيئة الإعلام والتلفزيون الفلسطيني عبد ربه، فتتخبط ولا تعرف بأي اتجاه تسير، وغير
قادرة على إجراء أي تعديل ولو بسيط على حكومة فياض يضمن لها الحفاظ على ماء وجهها،
وعاجزة عن أن يكون لها أي إشراف على فضائية فلسطين، وها هو الرئيس يقف عاجزا فعليا
عن الإشراف على الأجهزة الأمنية دون موافقة دايتون ومسؤوليه. .
الحركة وقيادتها
التي تواجه اليوم أزمة ومسؤوليات وتحديات، عاجزة عن النهوض وإعادة الدور الوطني
الذي عرفته وتشهد له الجماهير، فهي تتخبط بسياستها وبعلاقاتها الداخلية مع القوى
التي رافقت مسيرتها على طول هذه المسيرة النضالية التحررية.
الحركة مطالبة بوقفه
جادة لمراجعة مسيرتها وخطها السياسي، للحفاظ على وحدتها وتماسكها الداخلي، ولتكون
بمستوى التحديات للدفاع عن الحقوق الوطنية والشرعية والتاريخية للشعب الفلسطيني،
وإن استمرارها بالصفوف الأمامية مرهون بأدائها النضالي وبرنامجها السياسي وتمسكها
بالثوابت وليس بالمساومة.
فإنجاز المشروع الوطني الفلسطيني ومواجهة الممارسات
والإجراءات الصهيونية تأتي نتيجة تراكمات نضالية وتضحيات جسام وليس من خلال بطاقات
الVIP والتسول للكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية، وأن تتخلص من كل السلبيات التي
رافقت مسيرتها النضالية وخاصة بالعلاقات الداخلية الفلسطينية، وأن تعيد النظر بهذه
العلاقات التي طغت فيها أساليب الهيمنة والتفرد والمصالح الذاتية
والشخصية.
فالمصلحة الوطنية الفلسطينية ليست بالرؤية الفتحاوية، وإنما بالرؤية
الجماعية الفلسطينية، فليست فتح هي الوحيدة الحريصة على الثوابت الفلسطينية، وإنما
هناك قوى أشد حرصا ودفاعا عن فلسطين وشعبها والوحدة الفلسطينية، وإن الحد من أداء
هذه القوى وعطائها يضر بمسيرة التحرير الوطني.