المضرحي
فقال: ماذا يستفيد البخيل من بخله على نفسه؟ وأي غرض يرمي إليه من ذلك؟ فأجبته بهذا
الجواب: البخل إحدى الملكات النفسية، والملكة صفة راسخة في النفس تصدر عنها آثارها
عفوياً بدون رؤية ولا أختيار، فكما لا يسأل المسرف عن سبب إسرافه ولا الكريم عن سبب
كرمه، ولا الغاضب عن غايته من غضبه، والحاسد عن غرضه في حسده كذلك لا يسأل البخيل
عما يستفيد من بخله وحرصه، فكثيراً ما تعرض لأرباب هذه الملكات عوارض تنزع بهم إلى
الغربة عن التخلي عنها حينها.
فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً، ولا مكان لتلك
الملكات في نفوسهم، ونزلوها منها منزلة لا تزعجها الرغبات، ولا تزعزعها الإردات
وربما عرض للبخيل ما يدفعه إلى بذلك شيء من ماله فإذا وضع يده في جيبه وحاول القبض
على شيء مما فيه، أحس كأن تياراً كهربائياً قد سرى من نفسه إلى يده فتشنجت أعصابه
وتصلبت أنامله واعيت على الالتواء والانثناء فأخرجها صفراً كما أدخلها ويحكى أن
شحيحاً تحركت في قلبه يوماً الشفقة على ابنته الجائعة العارية فأراد أن يبذل لها
شيئاً من ماله فلم يستطع، فأذن لوكيله أن يختلتس لها من ماله ما يسد خلتها بحيث لا
يعلمه بذلك ولا يدعه ينتبه لشيء منه، علماً بأنه لا يستطيع أن يكون كما
يريد.
فعجباً لنفوس البخلاء، الذين يتسترون بوشاح الحرص فالبخل صفة مذمومة بلا
شك عند الشعوب على اختلافها، وديننا الحنيف الكريم ينهي عن البخل والشح فقد جاء عن
أكرم وأجود خلق الله، عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "
اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان
قبلكم..." رواه مسلم.
لذلك للبخل اضرار وخيمة على البخيل نفسه أولاً وعلى أولاده
أو أسرته وعلى مجتمعه الذين من حوله وأخيراً والأهم على دينه، فقد لا يدفع الزكاة
وإذا دفع وهو مجبر دفع بعضها فقط ومرض عليها سنة كاملة أيضاً قد لا يتصدق وهذا شيء
أكيد لأن " فاقد الشيء لا يعطيه، ويلاحظ في التاريخ الأدبي أن البخل والبخلاء مادة
غنية بالفكاهات، فالبخيل مكروه ومذموم أينما ذهب وحل، فليحمدالله تعالى كل إنسان
على نعمة أنه لم يخلق بخيلاً شحيحاً، فالإنسان البخيل هو كالشجرة المثمرة الخضراء
التي لا يستفاد من ثمارها ولا ورقها وسيقانها ووجودها كعدمها ولكني أود وأتمنى أن
يعي البخلاء المثل الذي يقول" رزق الحارمين للظالمين".