فايز صلاح أبو شمالة
على زميل لي في سجن عسقلان، نصحني بألا أتعلم قبل خمسة وعشرين عاماً ضحكت من قلبي على زميل لي في
سجن عسقلان، نصحني بألا أتعلم اللغة العبرية، وألا أضيع الوقت في تعلم لغة ستزول
بزوال الدولة، ضحكت بسخرية من السجين، ففي ذلك الوقت كانت الدولة العبرية تموج
بذيلها العسكري كالطاووس، وكانت المؤشرات السياسية والاقتصادية تنبئ بأن
الدولة العبرية باقية بقاء الأنفاس، وقد طفقت تخصف على وحشيتها بما لها من قوة
تحالف دولي غاشم، حتى صار الهمس بزوالها في عداد الخرافة، وحارت عقول الحالمين في
نهاية دولة لما تزل تفرض سياستها على العالم، وتوجه سياسة القطب الواحد التي بدأت
بالظهور.
تعلمت اللغة العبرية وأنا غير مصدق أنني سأقرأ، وأسمع باللغة العبرية
من اليهود أنفسهم ما سيؤكد بأن هذه الدولة زائلة لا محالة! وأن أيامها معدودة في
الشرق مهما صعد نجمها، وأن بريقها سيخبو في لحظة مثلما ائتلق، وسيرتد مثلما
انطلق.
ومن يتابع أخبار إسرائيل يضبط كماً لا يحصى من تصريحات القيادات الفكرية،
والسياسية والدينية التي تحذر من تنامي العداء العالمي لدولة القراصنة، وتحذر من
مصير الدولة العبرية المحتوم بالزوال، وأنها تعيش على التغذية الاصطناعية في غفلة
من شعوب المحيط العربي والإسلامي، فإن تململ هذا المحيط، وحركت رياح التغيير
أمواجه، فإن مصير إسرائيل هو الغرق.
لقد بدأ الحراك مع الهزيمة الإسرائيلية
الأولى في الجنوب اللبناني، وبدء الحراك في صمود غزة في وجه آلة الحرب الصهيونية،
وفي وجه الحصار، واشتد الحراك مع الصمود السوري، ومع انتصار المقاومة في العراق
وأفغانستان، وتصاعد الحراك مع تنامي القوة الإيرانية، وصار للحراك دوي الرعد، ووقع
الصاعقة مع انتفاضة تركيا في وجه الحصار الإسرائيلي على غزة، ليستغيث "خوزيه ماريا
أزنار" رئيس الوزراء الأسباني الأسبق بالغرب، ويستحثهم على إنقاذ إسرائيل، ودعمها،
ويشير إلى أن انهيار إسرائيل يعني انهيار الغرب، ويضيف لصحيفة "التايمز"
البريطانية: "إن إسرائيل تم إنشاؤها بموجب قرار من الأمم المتحدة، لذا لا يجب الخوض
في مسألة شرعيتها"!.
فما هو الجديد الذي استدعى خوف "أزنار" على شرعية دولة
إسرائيل، ويحذر من انهيارها؟ هل بات يدرك صنيعة اليهود أن الدولة التي تمتلك مئات
القنابل النووية تموت، ولذا يطالب بإنقاذها؟ هل صار زوال إسرائيل يؤرق حلفاءها إلى
هذا الحد الذي جعل "أزنار" يضيف: من السهل إلقاء اللوم على إسرائيل في جميع الشرور
التي ترتكب في الشرق الأوسط، ولكن هذا لا يبرر استعداد بعض الدول الأوروبية للتضحية
بإسرائيل مقابل التوصل إلى تفاهم جديد مع العالم الإسلامي!.
في تحالف المصالح،
تقول الرواية التاريخية: إن جاء الطوفان، فدس على رأس ابنك واصعد!، هذا المثل
استوحاه البعض من قصة المرأة التي ظلت ترفع ابنها عالياً عن مستوى الطوفان، فلما
اقترب منسوب الماء من أنفاسها، وبدأت تختنق، وضعت ابنها تحت قدميها، وصعدت عليه،
لتلتقط بعض الأنفاس.
ويبدو أن المجتمع الغربي، وبعض اليهود قد أحسوا بطوفان
التغيير، وارتفاع منسوب الغضب الإسلامي إلى حد الرغبة في التقاط الأنفاس.