انحاء العالم في حفل كروي، أقل مايقال عنه أنه رائع.
فهناك الألون المتعددة
والأغاني والصحافة والسياسة والفن وكل شيء.
ففي المبارياة التي نشاهدها يوميا ً
نرى منتخبات تتبارى من أجل أن تحصل على الفوز بكل الوسائل المتاحة.
لكن في
الحقيقة إن هذا التباري هو تنافس ليس بين منتخبات تمثل دولها، بل بالأحرى هو تنافس
وإستعراض لثقافات متنوعة.
إن ذلك يبدو واضحا ً إبتدائا ًمن خلال اللاعبين،
وليس إنتهائا ً إلا بجمهور الفريق المشاركة.
فكل فريق يعكس في اسلوب لعبه
طريقة تفكير معينة، وذلك من خلال اللاعبين في اسلوب لعبهم الفردي، وطريقة معالجتهم
للأخطاء، وإستدراك الخسارة بفوز في آخرا للحظات إذا كانت هناك هزيمة
محتملة.
إضافة إلى ذلك طريقة اللعب الجماعي وما فيها من فن وإنسجام.
ودور
المدرب أيضا ً واضحا ً في لمساته والذي لابد أن ينسجم مع ثقافة بلد الفريق إن كان
اجنبيا ً.
تقف أيضا ً خلف هذه الفرق، في الغالب، عقلية معينة تجسد ثقافة معينة
من خلال الإدارة والإمكانات، وشركات ربحية تريد الإستثمار، وليس إنتهاء ً
بآيدلوجيات معينة تقف وراءها إتجاهات سياسية، لها أجندات واضحة ومحددة.
إن الشيء
المحزن جدا ً هو أن لا تجد حضورا ً ملموسا ً للمنتخبات العربية، في هذا العرس
الكروي الذي يحتفي به ويتابعه الجميع من كل انحاء العالم.
أن الحضور العربي خجول
وبسيط قياسا ً بعدد الدول العربية والأمكانات الهائلة التي تتمتع بها الكثير من هذه
الدول.
أضف إلى ذلك أن أكثر المشاركات العربية لاتذهب هناك إلا للمشاركة فقط،
وليس لتحقيق نتائج كبيرة.
إن واقع كرة القدم في بلادنا العربية لايختلف كثيرا ً
عن باقي المجالات.
فهو واقع متخلف يعاني من تراجع مخيف حاله حال باقي المجالات
الأخرى، كالثقافية والفنية مثلا ً، أستثني هنا المجال الأمني الذي يسجل إزدهارا ً
منقطع النظير.
بعد هذه المقدمة أريد أن أطرح سؤالا ً محددا ً وهو: ماهو السبب
الذي يجعل الكثير من الدول العربية لاتستطيع الوصول إلى بطولات كأس العالم، وإن
وصلت تكتفي فقط بالمشاركة.
هل يكمن السبب في إخفاق أغلب الدول العربية في الوصول
إلى نهائيات كأس العالم هو ذات جذور ثقافية؟ إي بالأخرى هل تلعب ثقافتنا، أي طريقة
تفكيرنا ونظرتنا للأمور وأسلوب معالجتنا للأمور، دورا ً في هذا الإخفاق؟ في الحقيقة
أن هناك عوامل متعددة و كثيرة تساعد على وصول المنتخبات لنهائيات كأس
العالم.
ولكن للإجابة عن هذه الإسئلة سأركز على عاملين رأيسيين، أعتقد أن لهما
دورا ً حاسما ً في تطوير الواقع الكروي في دولنا العربية.
العامل الأول هو داخلي
والعامل الثاني هو خارجي، لكنهما مرتبطين ببعضهما بشكل مباشر.
فالعامل الخارجي
يتعلق بواقع كرة القدم العالمي.
ففي السنوات الأخيرة، وآخر بطولات كأس العالم،
يلاحظ أن هناك تحول خطير في الواقع الكروي العالمي، وذلك بعد إختراق المؤسسات
الرياضية من قبل أصحاب رؤوس الأموال والشركات العالمية الكبرى في جميع
المجالات.
أي اصبح المجال الرياضي هدفا ً للإستثمار، بعد هيمنة العقلية
الرأسمالية على ذلك المجال وسيطرتها على المؤسسات فيه.
وعلى هذا الأساس، تحولت
كرة القدم من رياضة تمارس كهواية إلى إحتراف يكسب به الأموال من جيوب محبي كرة
القدم لتهب لجيوب الرأسماليين المستغليين.
ودليل على ذلك هو إحتكار نقل مبارياة
كرة القدم من قبل بعض القنواة التلفزيونية، أو الوعود التي أعطيت لكل اللاعبين في
كأس العالم، من مختلف الدول، بمبالغ خيالة.
فالاعب الاسباني سيحصل عل 600 الف
يورو كمكافئة، إن حصلت اسبانيا على كأس العالم.
وهذا النصر سينقذ أسبانيا من
أزمتها المالية، وذلك من الأرباح التي سوف تجنيها، على حد قول الخبراء، وقس على
ذلك.
أما في بلادنا العربية فمازالت الكرة تراوح في طور الهواية، ولم تخرج بعد
لطور الإحتراف، إلا إستثنائات هنا وهناك.
صحيح أن هناك إستثمار في مجال كرة
القدم في بعض الدول العربية، إلا إنه لايقاس بما يحدث في الدول المتقدمة.
فتلك
الدول كإنكلترا واسبانيا أو ايطاليا تعتمد مؤسساتها الرياضية على مؤسسات تجارية ذات
ميزانيات وإمكانات تعادل دول بإكملها.
فتلك رؤوس الأموال تستثمر في دول لها
تاريخ في كرة القدم ويمكن أن تحقق نتائج لتجلب أرباح.
فلا أحد يراهن على دول
تأتي للمشاركة الرمزية، وتمر مرور الكرام في المونداليات الكروية، كالكثير من الدول
العربية.
أما العمل الثاني، فهو عامل داخلي له جذور ذات طابع ثقافي.
فنجاح
الكثير من الدول الغربية في التحديد، والكثير من الدول في مختلف أنحاء العالم في
تطوير واقعها الكروي لأنها تدار من قبل مؤسسات، وليس من قبل أفراد.
فالمؤسسة هي
عبارة عن كيان قائم بذاته له هدف واضح وله قواعد وقوانين وتاريخ أيضا ً.
تلك
المؤسسات ترتبط بباقي مؤسسات الدولة فتصوغ إستراتيجتها ضمن هذا الإطار.
وترتبط
تلك المؤسسات الرياضية بعلاقات واسعة لها أبعاد عالمية تتسم بطابع تجاري ربحي
بحت.
أما الأفراد فهم عبارة عن موظفين يقومون بخدمة هذه المؤسسة ويرحلون ليئتي
غيرهم ولاتتوقف المؤسسة بغيابهم.
أما واقعنا الرياضي فيدار من قبل أفراد يمتلكون
السلطة والأموال، ويرتبطون بالسياسة بشكل مباشر.
فمنتخباتنا وأنديتنا وراءها
أمراء وأبناء رؤساء وشيوخ قبائل يبحثون عن أنتصارات رياضية ترضي غرورهم وتملأ وقت
فراغهم.
وإن وجدت مؤسسات رياضية في الكثير من الدول العربية فهي غير مستقلة
وهزيلة، فتخضع لضغوطات من قبل أفراد ذوي نفوذ لخدمة آيدلوجيات معينة.
فما يحدث
في العراق من صراع على إتحاد كرة القدم ليس إلى صراع على النفوذ وكسب المال لخدمة
أفراد على حساب سمعة بلد بإكمله.
إذا ً، قد يحدث أن كثير من الدول حققت نتائج في
كأس العالم وهي لاتمتلك مؤسسات رصينة تطور واقعها الرياضي.
لكن في المقابل
لاننسى أن رؤوس الإمول بدأت بالإتساع أفقيا ً لتستثمر في بعض الدول ومنها الأفريقية
أو من أمريكا اللاتينية، بعيدا ً عن السياسة، وذلك لتحقيق مكاسب تجارية.
أعتقد
أن النجاح في الوصول للمسابقات الرياضية العالمية متعلق، في جزء كبير منه، بواقعنا
الثقافي الذي يمجد الأفراد وإنجازاتهم.
نحن بحاجة لقفزة نوعية تحركنا من طور
الفرد لطور المؤسسة التي يجب أن تقود في سياق إستراتيجية تتكامل مع باقي المؤسسات
في الدولة.
ومنها طبعا ً المؤسسات الرياضية لنرى وجوه عربية أكثر في المونداليات
الكروية، فنجد من يمثلنا فنشجعة بحرارة أكبر.