دياب
التي وزعها الأميركيون إبان دخول العراق، ولكنه بقي حتى اللحظة الورقة الوحيدة التي
استعصت على «القش»، هو رجل بسبع أرواح، ففي كل مرة ينتشر فيها خبر عن وفاته يظهر
بعد أيام ليعلن عن وجوده من جديد.
قيل عنه إنه مصاب بسرطان الدم، وببعض أمراض الجهاز الهضمي،
والقولون، والقلب، وكان ينتظر إعلان موته في أكثر من مناسبة.
مظهره
الخارجي يصعّب قراءة أعماقه، فوجهه لا ترتسم عليه أي ملامح.
لو جردته من الألقاب
والمناصب والأضواء لما تنبه لوجوده أحد، توقف في تعليمه عند نهاية المرحلة
المتوسطة، واحترف العمل الحزبي والسياسي، فجرب السجن مبكرا، وخبر الفقر والتشرد،
وعمل كبائع لقوالب الثلج على قارعة الطريق، حتى لقب ب«أبو الثلج».
حينما سقط
نظام صدام حسين، وتهاوت أحجار «الدومينو»، توقع الكثيرون أن يكون أول الأسرى، وأن
حاجته إلى العلاج ستدفعه إلى الاستسلام، لكنه خالف كل التوقعات وتحول إلى
لغز.
لم تستطع العشرة ملايين دولار التي خصصتها أميركا مكافأة لمن يرشد عنه أن
تحل طلاسم وجوده، قال البعض إنه يعيش في سورية، وقال آخرون إنه لجأ إلى اليمن، وقال
فريق ثالث إنه في أماكن أخرى، لكن أنصاره يصرون على أنه في العراق يقود المعارضة
المسلحة ضد الوجود الأميركي، ويتحالف مع «القاعدة». .
خلع عليه محبوه جبة التقي
الزاهد الصوفي، وقالوا إنه من أكثر رجال ذلك العهد تدينا ونظافة كف، فجادلهم خصومه
حول دوره اللاديني في قضية الأنفال، وصمته عن كل المظالم، لكن الشيء المؤكد عنه أنه
عشق النساء فأكثر من الزوجات، وأحب الأطفال فغدا أبا ل24 منهم.
يرى البعض أن
الحكايات التي تنسج اليوم عن مقاومة الرجل للوجود الأميركي ضرب من مبالغات الخيال،
وأن اسمه يستحضر كمجرد رمز، فرجل عجوز يعاني من السبع العلل في حاجة إلى تطبيب
وتمريض ورعاية، لكن إقرار خصومه بدوره يحقق مقولة «الحق ما شهد به
الأعداء».
وباختصار: يوشك عزة إبراهيم الدوري أن يتحول إلى لغز من أكثر ألغاز
الاختفاء غموضا، وتعقيدا، وتصنيفا، فإذا نظرت إليه وفق حسابات المنطق، فكل الحسابات
يمكن أن تقودك إلى استنتاج أن الرجل ربما ودع دنيانا منذ سنوات، وما تبقى منه مجرد
«فزاعة» تستغلها بعض الجماعات المسلحة لإرهاب الأعداء، أو لكسب متعاطفين مع النظام
السابق، ولا يخلو الأمر - في ظل تضخم الطائفية والمذهبية والولاءات الخارجية في
التجربة العراقية الحديثة - من وجود متعاطفين يمكن كسبهم، ليس حبا في الأمس، ولكن
كراهية لبعض أوضاع الحاضر.