صالح باسيد
الروايات في تاريخ الأدب الانجليزي ومن أكثر الروايات التي تعد رواية "جزيرة الكنز" من
أشهر الروايات في تاريخ الأدب الانجليزي ومن أكثر الروايات التي يكثر عرضها على
المسرح ومن أشهر ما كتب في أدب الأطفال على الإطلاق، وهي من تأليف الكاتب
الاسكنلندي "روبرت لويس ستيفنسون" وتعد أولى أعماله الناجحة في مجال التأليف
الروائي، حيث بدأ بكتابتها وهو لم يزل في الثلاثين من عمره، ونشرت لأول مرة
في كتاب في العام 1883م، وجميعنا نتذكر من هذه الرواية شخصية القرصان ذا الساق
الخشبية الواحدة "جون سيلفر" والتي تعد شخصيته في الرواية تعليقاً ساخراً على غموض
المبادئ الأخلاقية، فهو وبرغم وحشيته وقسوته إلا أنه إنسان جذاب وطيب وحنون نحو
الطفل "جيم هويكنز" والذي يعد الشخصية المحورية في الرواية.
القصة تدور حول
مغامرات عديدة تمر من خلالها شخصية هذا الصغير بتحولات عديدة للانتقال من مرحلة
الطفولة إلى النضج والقدرة على الاعتماد على النفس، ومن خلال هذه القصة تغير
المفهوم العام لكلمة "قراصنة" وكذا المفاهيم المتعلقة بها كخريطة الكنز المرسوم
عليها علامة وكذا السفن الشراعية التي لها صخربين أو أكثر والوصمة السوداء، وهي
عبارة عن ورقة تتوسطها علامة سوداء يتم تسليمها للقرصان إيذاناً بكونه مذنباً وبقرب
نهايته وكذلك القراصنة أصحاب السيقان الواحدة الذين يحملون الببغاوات على أكتافهم،
ففي ذلك العالم الممزوج بخيال الكاتب وأساطير الأدب كانت جزيرة الكنز وكان أيضاً
"خمسة عشر رجلاً ماتوا من أجل صندوق"..
أما على أرض الواقع وفي بلادنا اليمن
يموت الكثيرون بسبب الجوع، الفقر، الحرب، القهر، الكبت، الألم والمعاناة، يموت
الناس في اليمن لأن القراصنة يفسدون في الأرض، فيقتلون ويسفكون وينهبون الكنوز
ويعيثون فساداً في الأرض ويحرقون الحرث والنسل دون رقيب ولا حسيب، يموت الناس لأنهم
يخافون القراصنة ويخشون الفوضى التي يحدثونها إن أتوا في منتصف الليل، القراصنة هم
منا وفينا أو ربما نحن أنفسنا نتحول في أحيان كثيرة لقراصنة جشعين، لكن القليل منا
من يستيقظ في الأخير من سباته الأخلاقي العميق، لكن ماذا لو كسرنا حاجز الخوف
والصمت داخلنا بالقوة والشجاعة لنشير بالبنان وفي وضح النهار لكل قرصان حولنا؟ ماذا
لو أعطينا كل القراصنة "الوصمة السوداء" كإنذار لهم ليعرفوا أن نهايتهم قد باتت
قريبة فإن لم تستطع قوانين الأرض أن تحاكم هؤلاء الأشرار فنحن مؤمنون بقانون السماء
وبالعدالة الإلهية التي حتى لو تأخرت لكنها قادمة لهم لا محالة؟.
وأعزائي إياكم
أن تتقرصنوا لأنكم ستتجردون حينها من مشاعر الإنسانية التي ولدتم بها، إياكم أن
تنضموا لسفينة القراصنة وتعلنوا الولاء الأعمى للشر والجريمة وتبحروا بحثاً عن
جزيرة الكنز الضائعة لتقتسموا ثرواتها وكنوزها معاً، لأنه في آخر المطاف يغزو الجشع
والحقد النفوس وتتصارع المصالح الشخصية الزائفة، فيقتل القراصنة بعضهم بعضاً ويلقون
بالتهم على الأبرياء الشرفاء ليزجوا بهم في غياهب السجون، بينما المجرمون الأشرار
يسرحون ويمرحون خارجها، دعوكم من كل هذا العناء ودعونا نبحث عن جزيرة الكنز
الحقيقية عن الكنز الذي يكمن داخلنا لكننا أغفلناه دهراً، إنه الكنز الذي إن
استثمرناه من جديد لوجدنا الجميع داخل البلاد ينعمون بالخيرات ويتمتعون برغد العيش،
أنه الكنز الثمين والمعدن النفيس الذي دفنه الكثيرون في حفرة عميقة جداً على جزيرة
مهجورة وأضاعوا حتى الخريطة التي ستقودهم إليه من جديد، ذلك الكنز هو كنزي وكنزكم،
هو كنز كل الشعب، لا بل كل الشعوب، إنه "الضمير الإنساني والأخلاق
والقيم"..
فإياكم أن تعيشوا من أجل ذلك الصندوق حتى لا تصبحوا قراصنة، بل عيشوا
من أجل الخير الذي يكمن داخل نفوسكم، والله من وراء القصد.