الحبيب الأسود
كان لا بد من زيارة يؤديها الرئيس المصري إلى الجزائر لطي صفحة الحرب الإعلامية المرة التي استهدفت علاقات القطرين الشقيقين، وكان لا بد من عناق حار بين محمد حسني مبارك وعبد العزيز بوتفليقة ليقتنع الشعبان بأن الدم لم يصبح ماء، وأن العروبة لا يمكن أن تنهزم بقذفة كروية ساحقة في القاهرة أو أم درمان.
إن أهم ما أثبتته الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر هو أن الأنظمة العربية نجحت إلى حد بعيد في ترسيخ التجزئة بين أقطارها وشعوبها، وأن الأخوة العربية لم تعد قائمة مثلما كانت أيام المقاومة والنضال وحركات التحرّر. وما زاد من عمق المأساة هو اندماج الإعلام والإعلاميين العرب في مشروع الفتنة عبر العمل اليومي الدؤوب على ترسيخ الشوفينية القطرية التي وصلت إلى حد الحقد الأعمى بين أدعياء التقدمية والمتهمين بالرجعية، وبين أثرياء الأمة وفقرائها، وبين مغربها ومشرقها، وبين نخبها وعوامّها، وبين حاكميها ومحكوميها، وبين متطرّفيها ومعتدليها وبين المستقوين فيها بالداخل والمستقوين بالخارج.
وإذا كان تليفزيون دبي قد طرح في أحد برامجه سؤالا جريئا عن كراهية العرب لبعضهم البعض، فإن الواقع يؤكد أن هذه الكراهية موجودة، وأن الحسد موجود وأن هناك استكبارا واستصغارا واحتقارا، وأن العقل العربي ما زال يعيش في ظلمات الجاهلية الأولى، وأن ما يقال عن الأشقاء والأجوار وعن العروبة والقومية والمصير الواحد والتاريخ المشترك مجرد شعارات غطاها غبار الأنانية القطرية وعصفت بها الديكتاتورات العاملة بكل قواها على تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج، وإلى إلقاء جرائر تخلفها وفشل مشاريعها التنموية على الآخر، خصوصا حين يكون هذا الآخر من أبناء الجلدة والعمومة ومن أشقاء الدم والانتماء.
وما حصل بين مصر والجزائر بسبب مقابلة في كرة القدم أثبت أن لكل نظام عربي مشاكل يريد تجاوزها بالبحث عن حروب وهمية مع هذا النظام أو ذاك، في حين أن لا أحد يهتم بالعدو الحقيقي ولا بالتحديات المفروضة على الأمة ولا على المواجهة المفتوحة مع الفقر والجهل والجوع والمرض والتخلف والقهر والتطرف والقمع والوصاية الخارجية والتدخل الأجنبي.
إننا أمام وضعية صعبة، يساهم الإعلام والثقافة الرسميان في ترسيخها وتكريسها، وهي وضعية الشقاق القومي الذي سيجعل الشعوب أول من يرفض الوحدة حتى لو سعى الحكام إلى إرسائها في يوم من الأيام...
سترفض الشعوب الوحدة لأن الحواجز النفسية بينها أضحت أخطر وأشرس وأبشع من الحدود الترابية والسياسية.. وهنا تكمن قمة المأساة.. وربما قمة الملهاة.<