ياسر
الزعاترة
الزعاترة
الذين يكرهون حماس ويكرهون
المقاومة، ويفضلون أن تبقى فلسطين تحت الاحتلال ألف عام على أن يحررها الإسلاميون
هم وحدهم من يتعامون عن حقيقة ما يفعله أسر شاليط والاحتفاظ به لأربع سنوات متتالية
في مجتمع الاحتلال ومؤسسته السياسية والأمنية.
الأكيد أن حماس لم تقرر الاحتفاظ به لتحقيق
هذا الهدف، وهي تمنت ولا زالت النجاح في إنجاز صفقة مشرفة تعيد الأمل لأسرى
المؤبدات، والكبار منهم على وجه الخصوص، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أن الهدف الآخر
الذي لم يخطط له ولم يكن مقصودا لذاته، والذي تحقق خلال السنوات الأربع
الماضية كان كبيرا وبالغ الأهمية إلى حد لا يدركه سوى العارفين بموازين القوى في
الصراع الدائر بيننا وبين العدو الصهيوني.
للتذكير، فشاليط ليس في لبنان كما هو
حال أسرى حزب الله، ولا هو في سوريا كما هو حال أسيري الجبهة الشعبية (القيادة
العامة)، بل هو في قطاع غزة الواقع تحت الاحتلال إلى الآن، والذي يتحكم الاحتلال به
من السماء والأرض، وهو المنطقة التي عاش فيها الاحتلال عقودا طويلة زرع خلالها
عملاء بلا عدد، وخبر كل شبر فيها.
كل هذه الفعاليات التي تابعناها في الدولة
العبرية خلال الأسبوعين الماضيين من أجل شاليط لم تكن تعبيرا عن الروح الإنسانية
فقط، أو تعاطفا مجانيا مع عائلته.
صحيح أنها جاءت بمناسبة مرور أربع سنوات على
أسره، لكنها كانت أيضا جزءا من شعور هذا المجتمع المحتل والمتغطرس بالمهانة جراء
نجاح حماس في الاحتفاظ به كل هذا الوقت رغم الملاحقة اليومية الحثيثة، ورغم ضغوط
على حماس تنوء بحملها الجبال.
إنهم يدافعون عن صورة دولتهم وعن جنودهم وعن
وجودهم في آن، فهذا الذي يجري يُذكرهم بأنهم لم يعودوا قادرين على حماية أبنائهم،
هم الذين طاردوا أعداءهم في طول الأرض وعرضها، وقد سمعنا قبل أسابيع كيف ضغطوا على
مصر من أجل الكشف عن وجود خمسة ضباط نازيين قيل إنهم يعيشون على أرضها، ولنتخيل كم
ستكون أعمار أولئك الضباط بفرض أنهم لا يزالون أحياء.
لقد بنت هذه الدولة وجودها
على منظومة الردع ضد أعدائها من جهة، في نفس الوقت الذي بنته على امتداداتها في
الخارج، داخل المنظومة الغربية، وهي ذات الامتدادات التي جعلت من شاليط أشهر رجل في
العالم لكثرة ما تحدث عنه الزعماء وطالبت به الدول والمنظمات.
كل ذلك لم يكن
كافيا لردع قوى المقاومة، ولا لفرض الهزيمة عليها، وقد رأينا كيف خرج جيش الاحتلال
ذليلا مهانا من جنوب لبنان عام 2000، فيما كان السيد حسن نصر الله يقول ويفعل ويعد
وينفذ، بما في ذلك تعهده بالإفراج عن سمير القنطار الذي كان قادة العدو يقسمون بأنه
سيموت في السجون الإسرائيلية.
في الحرب على قطاع غزة شاهدنا فشلا آخر، حتى لو
رآه المهزومون أقل من انتصار، بينما هو انتصار حقيقي حين يتذكرون ما يفعله رموز
السلطة مع مؤسسة الاحتلال، وطريقة استجدائهم لها بين حين وآخر.
في ضوء ذلك، ولأن
الموقف على هذا النحو لم يكن أمام نتنياهو غير الاستجابة لموجة المطالبة الشعبية
بإنجاز صفقة شاليط، وإن بطريقة سخيفة وكاذبة تتحدث عن تنازلاته التي لا تقابلها
حماس بغير التعنت، ووصل به الحال حد تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الأمر.
وكل
ذلك في سياق من تنفيس الضغوط الشعبية التي تصاعدت بشكل لافت للنظر، مع ضرورة
الإشارة إلى أن المجتمع الإسرائيلي لم يُجمع تماما على فكرة الصفقة، وإن أشارت
استطلاعات الرأي إلى موافقة ما يقرب من ثلاثة أرباعه عليها، والسبب بالطبع هو أن
القائلين بضرورة رفضها ليسوا هامشيين، فيما تسعفهم الحجة الأمنية القائلة بأن أكثر
الذين يخرجون من خلال صفقات التبادل لا يلبثون أن يعودوا إلى "أعمال الإرهاب" من
جديد، مذكرين بانخراط عدد ممن شملتهم صفقة الجبهة الشعبية القيادة العامة في برنامج
المقاومة خلال انتفاضة الأقصى، وخلال الانتفاضة التي سبقتها (نهاية العام
1987).
والحق أن رفض نتنياهو للصفقة لا يعود إلى البعد الأمني، بل إلى رفضه دفع
الثمن السياسي المترتب عليها، والذي يراه ضخما إلى حد كبير.
نقول ذلك لأن حماس
لا تمانع في إخراج الأسرى الكبار خارج الضفة الغربية (إلى قطاع غزة)، بل خارج
فلسطين إذا لزم الأمر، هي التي تدرك أن العمل الجهادي غالبا ما يعتمد على صغار السن
أكثر من اعتماده على الكبار، وإن لزمت خبرتهم بهذا القدر أو ذاك.
في هذا السياق
تردد الكثير من الكلام حول تنازلات نتنياهو، ووصل الحال ببعض المواقع والصحف إلى
الحديث عن رفض حماس عرض نتنياهو الإفراج عن ألف أسير مقابل شاليط، من دون أن تفصل
في الأمر، مع العلم أن الحركة قد وافقت على عرض الإفراج عن 450 أسيرا تختارهم هي
مقابل 550 يختارهم الاحتلال ضمن معايير معينة، مع إدراكها بأن الرقم الثاني لن يعني
الكثير، ولن يلتزم المحتلون بمعاييره، وأن أسراه لن يعدوا أن يكونوا من الذين شارفت
محكومياتهم على الانتهاء، ولن يكون من بينهم على الأرجح أي من أسراها، ولا حتى أسرى
الجهاد الإسلامي.
في المقابل تفرغ شروط نتنياهو الصفقة من مضمونها، حيث تستبعد
العشرات من أسرى المؤبدات الكبار، كما تستبعد النساء جميعا، بينما تضع شروطا على
الإفراج عمن وافقت عليهم من أسرى المؤبدات (أقل من عشرة مؤبدات) مثل تحديد مواعيد
بعيدة لتنفيذ الإفراج، يتراوح بعضها بين عشر سنوات وعشرين سنة، فضلا عن قضية
الإبعاد التي تشمل معظم المفرج عنهم من هذه الفئة.
نتنياهو يدرك حجم الإنجاز
السياسي الذي تمثله الصفقة بالنسبة لحماس في هذه المرحلة التي يراد خلالها العمل
الحثيث على إضعافها، في مقابل منح الزخم كل الزخم لمشروع "السلام الاقتصادي"
بتوقيعه شخصيا وتنفيذ سلام فياض وقيادة السلطة، وهو مشروع يجري الترويج له بكل
الوسائل الممكنة، وقد رأينا كيف تغنى الرئيس الفلسطيني أمام الصحفيين الإسرائيليين
الستة الذين التقاهم مؤخرا بإنجازاته الأمنية وبالهدوء والتحسن الكبير في الوضع
الاقتصادي.
من هنا يصعب الحديث عن نقلة في ملف الصفقة خلال هذه المرحلة، وإن كان
من الصعب استبعادها بالكامل في حال اقتنع نتنياهو بأن إنجازها سيمنحه الكثير الكثير
من المصداقية والشعبية في المجتمع، لكن ذلك لا ينفي أن الأمل الإسرائيلي بالإفراج
عن شاليط بالقوة لازال قائما في عقل المؤسسة الأمنية والعسكرية، لكن أي احتمال مهما
كان لن يغير في حقيقة أن ما جرى كان انتصارا معتبرا، وهو جزء لا يتجزأ من زمن
المقاومة الذي أذلّ العدو وسيواصل إذلاله حتى الانتصار النهائي القادم لا محالة،
شاء المهزومون ومعهم قادة العدو أم أبوا
المقاومة، ويفضلون أن تبقى فلسطين تحت الاحتلال ألف عام على أن يحررها الإسلاميون
هم وحدهم من يتعامون عن حقيقة ما يفعله أسر شاليط والاحتفاظ به لأربع سنوات متتالية
في مجتمع الاحتلال ومؤسسته السياسية والأمنية.
الأكيد أن حماس لم تقرر الاحتفاظ به لتحقيق
هذا الهدف، وهي تمنت ولا زالت النجاح في إنجاز صفقة مشرفة تعيد الأمل لأسرى
المؤبدات، والكبار منهم على وجه الخصوص، لكن ذلك لا يغير في حقيقة أن الهدف الآخر
الذي لم يخطط له ولم يكن مقصودا لذاته، والذي تحقق خلال السنوات الأربع
الماضية كان كبيرا وبالغ الأهمية إلى حد لا يدركه سوى العارفين بموازين القوى في
الصراع الدائر بيننا وبين العدو الصهيوني.
للتذكير، فشاليط ليس في لبنان كما هو
حال أسرى حزب الله، ولا هو في سوريا كما هو حال أسيري الجبهة الشعبية (القيادة
العامة)، بل هو في قطاع غزة الواقع تحت الاحتلال إلى الآن، والذي يتحكم الاحتلال به
من السماء والأرض، وهو المنطقة التي عاش فيها الاحتلال عقودا طويلة زرع خلالها
عملاء بلا عدد، وخبر كل شبر فيها.
كل هذه الفعاليات التي تابعناها في الدولة
العبرية خلال الأسبوعين الماضيين من أجل شاليط لم تكن تعبيرا عن الروح الإنسانية
فقط، أو تعاطفا مجانيا مع عائلته.
صحيح أنها جاءت بمناسبة مرور أربع سنوات على
أسره، لكنها كانت أيضا جزءا من شعور هذا المجتمع المحتل والمتغطرس بالمهانة جراء
نجاح حماس في الاحتفاظ به كل هذا الوقت رغم الملاحقة اليومية الحثيثة، ورغم ضغوط
على حماس تنوء بحملها الجبال.
إنهم يدافعون عن صورة دولتهم وعن جنودهم وعن
وجودهم في آن، فهذا الذي يجري يُذكرهم بأنهم لم يعودوا قادرين على حماية أبنائهم،
هم الذين طاردوا أعداءهم في طول الأرض وعرضها، وقد سمعنا قبل أسابيع كيف ضغطوا على
مصر من أجل الكشف عن وجود خمسة ضباط نازيين قيل إنهم يعيشون على أرضها، ولنتخيل كم
ستكون أعمار أولئك الضباط بفرض أنهم لا يزالون أحياء.
لقد بنت هذه الدولة وجودها
على منظومة الردع ضد أعدائها من جهة، في نفس الوقت الذي بنته على امتداداتها في
الخارج، داخل المنظومة الغربية، وهي ذات الامتدادات التي جعلت من شاليط أشهر رجل في
العالم لكثرة ما تحدث عنه الزعماء وطالبت به الدول والمنظمات.
كل ذلك لم يكن
كافيا لردع قوى المقاومة، ولا لفرض الهزيمة عليها، وقد رأينا كيف خرج جيش الاحتلال
ذليلا مهانا من جنوب لبنان عام 2000، فيما كان السيد حسن نصر الله يقول ويفعل ويعد
وينفذ، بما في ذلك تعهده بالإفراج عن سمير القنطار الذي كان قادة العدو يقسمون بأنه
سيموت في السجون الإسرائيلية.
في الحرب على قطاع غزة شاهدنا فشلا آخر، حتى لو
رآه المهزومون أقل من انتصار، بينما هو انتصار حقيقي حين يتذكرون ما يفعله رموز
السلطة مع مؤسسة الاحتلال، وطريقة استجدائهم لها بين حين وآخر.
في ضوء ذلك، ولأن
الموقف على هذا النحو لم يكن أمام نتنياهو غير الاستجابة لموجة المطالبة الشعبية
بإنجاز صفقة شاليط، وإن بطريقة سخيفة وكاذبة تتحدث عن تنازلاته التي لا تقابلها
حماس بغير التعنت، ووصل به الحال حد تحميل المجتمع الدولي مسؤولية الأمر.
وكل
ذلك في سياق من تنفيس الضغوط الشعبية التي تصاعدت بشكل لافت للنظر، مع ضرورة
الإشارة إلى أن المجتمع الإسرائيلي لم يُجمع تماما على فكرة الصفقة، وإن أشارت
استطلاعات الرأي إلى موافقة ما يقرب من ثلاثة أرباعه عليها، والسبب بالطبع هو أن
القائلين بضرورة رفضها ليسوا هامشيين، فيما تسعفهم الحجة الأمنية القائلة بأن أكثر
الذين يخرجون من خلال صفقات التبادل لا يلبثون أن يعودوا إلى "أعمال الإرهاب" من
جديد، مذكرين بانخراط عدد ممن شملتهم صفقة الجبهة الشعبية القيادة العامة في برنامج
المقاومة خلال انتفاضة الأقصى، وخلال الانتفاضة التي سبقتها (نهاية العام
1987).
والحق أن رفض نتنياهو للصفقة لا يعود إلى البعد الأمني، بل إلى رفضه دفع
الثمن السياسي المترتب عليها، والذي يراه ضخما إلى حد كبير.
نقول ذلك لأن حماس
لا تمانع في إخراج الأسرى الكبار خارج الضفة الغربية (إلى قطاع غزة)، بل خارج
فلسطين إذا لزم الأمر، هي التي تدرك أن العمل الجهادي غالبا ما يعتمد على صغار السن
أكثر من اعتماده على الكبار، وإن لزمت خبرتهم بهذا القدر أو ذاك.
في هذا السياق
تردد الكثير من الكلام حول تنازلات نتنياهو، ووصل الحال ببعض المواقع والصحف إلى
الحديث عن رفض حماس عرض نتنياهو الإفراج عن ألف أسير مقابل شاليط، من دون أن تفصل
في الأمر، مع العلم أن الحركة قد وافقت على عرض الإفراج عن 450 أسيرا تختارهم هي
مقابل 550 يختارهم الاحتلال ضمن معايير معينة، مع إدراكها بأن الرقم الثاني لن يعني
الكثير، ولن يلتزم المحتلون بمعاييره، وأن أسراه لن يعدوا أن يكونوا من الذين شارفت
محكومياتهم على الانتهاء، ولن يكون من بينهم على الأرجح أي من أسراها، ولا حتى أسرى
الجهاد الإسلامي.
في المقابل تفرغ شروط نتنياهو الصفقة من مضمونها، حيث تستبعد
العشرات من أسرى المؤبدات الكبار، كما تستبعد النساء جميعا، بينما تضع شروطا على
الإفراج عمن وافقت عليهم من أسرى المؤبدات (أقل من عشرة مؤبدات) مثل تحديد مواعيد
بعيدة لتنفيذ الإفراج، يتراوح بعضها بين عشر سنوات وعشرين سنة، فضلا عن قضية
الإبعاد التي تشمل معظم المفرج عنهم من هذه الفئة.
نتنياهو يدرك حجم الإنجاز
السياسي الذي تمثله الصفقة بالنسبة لحماس في هذه المرحلة التي يراد خلالها العمل
الحثيث على إضعافها، في مقابل منح الزخم كل الزخم لمشروع "السلام الاقتصادي"
بتوقيعه شخصيا وتنفيذ سلام فياض وقيادة السلطة، وهو مشروع يجري الترويج له بكل
الوسائل الممكنة، وقد رأينا كيف تغنى الرئيس الفلسطيني أمام الصحفيين الإسرائيليين
الستة الذين التقاهم مؤخرا بإنجازاته الأمنية وبالهدوء والتحسن الكبير في الوضع
الاقتصادي.
من هنا يصعب الحديث عن نقلة في ملف الصفقة خلال هذه المرحلة، وإن كان
من الصعب استبعادها بالكامل في حال اقتنع نتنياهو بأن إنجازها سيمنحه الكثير الكثير
من المصداقية والشعبية في المجتمع، لكن ذلك لا ينفي أن الأمل الإسرائيلي بالإفراج
عن شاليط بالقوة لازال قائما في عقل المؤسسة الأمنية والعسكرية، لكن أي احتمال مهما
كان لن يغير في حقيقة أن ما جرى كان انتصارا معتبرا، وهو جزء لا يتجزأ من زمن
المقاومة الذي أذلّ العدو وسيواصل إذلاله حتى الانتصار النهائي القادم لا محالة،
شاء المهزومون ومعهم قادة العدو أم أبوا