عوض عاطف
صغيرةً ولا كبيرةً على علاقة بحياتنا اليومية والعملية إلاّ وأشار إليها وقام
بإيضاحها في القرآن الكريم أو في الأحاديث النبوية الشريفة لكي نتمكّن عند الإقتداء
والأخذ بها من إتباع السنة النبوية الشريفة من خلالها وتدبّر أمور ديننا ودنيانا
بما يرضي الله ورسوله الكريم ويحفظ حياتنا وصحتنا ويصوّب مسارهما.
ولأن طبيعتنا البشرية وتعاملاتنا اليومية لا تخلوا
بالتأكيد من نوبات الغضب المتكررة والانفعالات العصبية المختلفة فإن الإسلام تناول
هذهِ الظاهرة بعمق شديد واهتمام كبير من منظور علمي وصحي بحت، وذلك لما للغضب من
آثار نفسية وعصبية وسلوكية سيئة تنعكس سلباً على نفسية وعقلية الإنسان المسلم، حيث
جاء مثلاً في الحديث النبوي الشريف والشهير الذي رواه البخاري أن إعرابياً جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلّم وقال لهُ أوصني يا رسول الله فقال له(ص). . .
لا تغضب،
وكلما أعاد الأعرابي السؤل كان(ص) يرد عليه لا تغضب لا تغضب، حتى أن الكثير من
الأحاديث أجمعت أنهُ(ص) كرّرها ثلاثاً.
ولمعرفة البعد العلمي والأخلاقي لهذا
الحديث وغيره من الأحاديث والآيات القرآنية التي تناولت الغضب وأخطاره ومضاعفاته
على الإنسان، لابد لنا عزيزي القارئ من هذه المقدمة عن الغضب وتداعياته ومراحل
تطوره وآثاره على جسم الإنسان حتى يتسنى لنا بسهوله ويسر معرفة هذا البعد الذي أراه
شخصياً السبب الرئيسي وراء نصحنا المتكرر بتجنّبه وعدم الوقوع في شباكه، حيث تشير
الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة مثلاً أن الغضب يؤدي إلى إثارة الغدد الكضريه
للإنسان التي تقع فوق الكليتين وإلى زيادة إنتاجها وإفرازها لهرمون الأدريناِلين
تبعاً لذلك، هذا الهرمون الذي يعتبر من أهم الهرمونات التي يفرزها جسم الإنسان،
لأنهُ وكما تشير الدراسات والأبحاث العلمية ذاتها يؤدي إلى زيادة نشاط وتقلّص
العضلات السطحية والحركية تحديداً في مختلف أجزاء جسم الإنسان، كالعضلات التي
تتكوّن منها جدران الأوعية الدموية والعضلات الحركية للقدمين واليدين وعضلة القلب
وغيرها، حيث يؤدي مثلاً زيادة إفراز وتركيز الأدرينالين في الدم إلى زيادة نشاط
وتقلّص العضلات التي تدخل في تكوين الأوعية الدموية، الأمر الذي يؤدي إلى تضيّقها
وإلى نقص كمية الدم المتدفّقة عبرها تبعاً لذلك، وصولاً إلى ضعف ونقص التروية
الدموية باتجاه الأعضاء الداخلية في جسم الإنسان، والتي يهمنا منها بالتأكيد هنا
الأعضاء الحساسة جداً تجاه نقص الدم والأكسجين والجلوكوز كالدماغ والقلب
والبنكرياس، لأن أنسجتها ووظائفها تتأثر سريعاً عند نقص الدم والأكسجين والجلوكوز
تحديداً، حيث تشير الدراسات والأبحاث الطبية الحديثة إلى أن الدماغ مثلاً لا يستطيع
العيش سوى لدقائق تتراوح من (5 6 دقائق تقريباً) بدون دم وما يحويه من مواد
ضرورية للحياة، ولهذا فإن أي نقص في التروية الدماغية ينعكس سلباً وسريعاً على
المواد الرخوية والهلامية التي يتكوّن منها الدماغ وعلى وظائفهِ تبعاً لذلك، وهو
بالمناسبة عزيزي القارئ ما يفسّر لنا علمياً حصول الوفاة سريعاً عند الانتحار أو
الإعدام شنقاً، والتي تحدث بسبب النقص الحاد أو الكلي للدورة الدموية الدماغية وليس
بسبب الاختناق وانقطاع النفّس كما يعتقد الكثيرون خطأً.
ولأن الغضب كما أسلفنا
يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون الأدرينالين وإلى تضيّق الأوعية الدموية وضعف التروية
الدماغية تبعاً لذلك، فأنه بذلك يحد ويقلل من قدرات الإنسان التفكيرية والتحليلية
والتركيزية، وهو تحديداً عزيزي القارئ ما نقابلهُ كثيراً نظرياً وعملياً في حياتنا
اليومية وتعاملاتنا المعيشية عندما نغضب ونفقد السيطرة على أعصابنا، حيث أننا أثناء
الغضب كثيراً ما نقع في أخطاء فكرية وأخلاقية وسلوكية غريبة عنّا وعن طبائعنا
المعروفة عنّا، الأمر الذي يجعلنا كثيراً ما نشعر بالندم والأسف على بعض تصرفاتنا
وطرق تعاملنا مع أعز وأحب الناس لنا بعد هدوء أعصابنا وانتهاء نوبات الغضب التي
كانت تعترينا، حتى أني اعتقد أنه ما من أحد في هذه الدنيا بعد زوال غضبه وهدوء
أعصابه إلاّ وتساءل مع نفسهِ أو مع من يثق من الناس أسئلةٍ كثيرة، كالسؤال أو
التساؤل الذي كثيراً ما يرددهُ الإنسان بعد كل نوبة غضب والذي يقول فيه
. . .
لماذا أخطأت على فلان ؟؟!! أو لماذا أسأت التصرّف مع علاّن؟!؟ وغيرها من
الأسئلة التي أعتقد أنها صارت واضحة وسهلة الفهم على القارئ الكريم بعد كل ما أشير
إليه في المقدمة عن الغضب ومضاعفاته، خصوصاً إذا ما عرفنا أن إفراز ونسبة تركيز
الأدرينالين في الدم بعد هدوء الأعصاب وزوال الغضب يتراجع كثيراً ويقل، الأمر الذي
يؤدي بالضرورة إلى توسّع الأوعية الدموية مرةً أخرى وإلى زيادة التروية والقدرة
الدماغية تبعاً لذلك، وهو تحديداً ما يفسّر لنا علمياً ذلك الشعور بالندم وعدم
الرضي عن الذات وعن القرارات والتصرفات التي نتخذها أثناء الغضب، كما أنهُ ما يفسّر
لنا علمياً كذلك السبب الذي جعل المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام ينصحنا في أكثر
من حديثٍ شريف بعدم الإفتاء أو الحكم بين الناس أثناء الغضب، كالحديث الشريف الذي
يقول فيه المصطفى(ص). . .
لا يقضيّن أو لا يفتيّن أحدكم بين أثنين وهو غضبان. . . ،
وذلك لأن الغضب كما أصبح لنا معروفاً سيؤثر سلباً على قدرات الإنسان أو القاضي
الفكرية والتحليلية وبالتالي على ما يصدره من أحكام أو فتاوى، حيث تتضاعف احتمالات
خطأه وتقل احتمالات صوابه، وزيادةً في التأكيد والتوضيح لا بد من الإشارة هنا إلى
أن القاضي الشرعي الذي ينظر في قضايا الطلاق قبل أن يصدر حكمة حول صحة أو عدم صحة
أي طلاق ينظر فيه دائماً ما يسأل الرجل حول وضعه النفسي والعصبي عند رميه يمين
الطلاق، حيث لا يحتسب الطلاق نافذاً إذا كان الرجل حينها غاضباً أو في حالة نفسية
وعصبية سيئة.
ولم يكتفي الدين الإسلامي الحنيف بتحذيرنا من الغضب وتداعياته
الخطيرة والمدمّرة على نفسيتنا وسلوكياتنا، ولكنّهُ أوضح لنا كذلك عبر الكثير من
ألآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة كيفية تجنّبه وتفاديه قبل
الوقوع فيه، بالإضافة إلى كيفية الحد من مضاعفاته ومحاصرة تداعياته وآثاره بعد
الوقوع فيه، حيث بيّن لنا الخالق سبحانهُ وتعالى في محكم كتابه العزيز وفي الأحاديث
الشريفة التي أوحى بها إلى رسولهِ الكريم كيف يمكن للمسلم السوي أن يحصّن نفسه من
الغضب ويتجنّب النوبات العصبية، حتى أنهُ جلّ وعلا ربط بين الغضب وبين الإيمان
القوي بهِ وتشجيعاً على ذلك أمتدح هذا السلوك ووعد المتحلي بهِ بأفضل الجزاء
والمنزلة في الدنيا والآخرة، كما جاء في الآية الكريمة رقم( 134) من سورة آل عمران
والتي يقول فيها تعالى. . . والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين، أو
كما جاء في الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى (ص). . .
ليس الشديد بالصرعة
ولكنّ الشديد من يملك نفسه عند الغضب، إلى جانب طبعاً الحديث الذي يقول فيه(ص)
مشجعاً. . .
من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم
القيامة حتى يخيّره من الحور العين ليزوجه منها ما شاء، ولكن عزيزي القارئ من وجهة
نظري المتواضعة يعتبر الحديث التالي حول الغضب وكيفية تجنّبه والحد من مضاعفاته من
أدق وأعمق الأحاديث التي تتحدّث عن الغضب، وذلك لما يحمل لنا في مضمونهِ من بعد
علمي وعملي عميق لم يتمكّن الطب الحديث رغم إمكانياته الكبيرة من توضيحهِ وتفسيرهِ
إلاّ بعد مرور أكثر من ألف وأربعمائة عام، وهو الحديث الذي يقول فيه المصطفى (ص)
ناصحاً. . .
إذا جاء أحدكم الشر ( الغضب) وهو قائم فليجلس، وإذا جاءه وهو جالس
فليضطجع، وإذا جاءه وهو مضطجع فليتوضأ، أو كما جاء في الحديث الشريف الآخر الذي
رواه أبو داود والترمذي فلينهض ويتوكّل على الله. . .
ولتوضيح البعد العلمي
والعملي العميق لهذا الحديث لا بد من الإشارة في البداية عزيزي القارئ إلى أن مجرد
الجلوس أو الاضطجاع والتمدد على الأرض أثناء الغضب يساعد الإنسان من الناحية
العملية على كبح جماحه والسيطرة على أعصابه، كما أنه من الناحية العلمية يحد من
تأثير الأدرينالين ومن آثار الغضب وتداعياته تبعاً لذلك، لأن الجلوس أو الاستلقاء
على الأرض يساعد من الناحية العملية على تدفّق الدورة الدموية باتجاه الدماغ ويقلل
من آثار الأدرينالين والغضب على القدرات التفكيرية والتحليلية للإنسان تبعاً لذلك،
وبالمناسبة هنا فإن أحدث الدراسات والأبحاث العلمية التي توصّلت إليها جامعة واشنطن
مؤخراً تشير إلى أن أفضل وأنسب وضعية للتفكير والتأمل هي الوضعية التي يكون فيها
الإنسان جالساً أو مضطجعاً و مستلقياً على الأرض، لأن مستوى الجسم والدماغ تحديداً
في هذه الوضعية يكون تقريباً في نفس مستوى القلب ( مركز ضخ الدم) وليس في مستوى
أعلى أو ابعد عن القلب كما هو الحال عندما يكون الإنسان واقفاً.
وبالعودة إلى
موضوعنا أعلاه وتحديداً إلى الوضوء والصلاة وعلاقتهما بالغضب كما جاء في بعض
الأحاديث فإن تأثيرهما من وجهة نظري المتواضعة لهُ بعد روحي ونفسي خالص، ذلك لأن
الإنسان عبرهما يدخل في اتصال وعلاقة مباشرة مع الخالق جلّ وعلاّ، الأمر الذي يهدئ
النفس ويطمئنها ويؤدي إلى الحدّ من تأثير الغضب على إنتاج وإفراز الأدرينالين وعلى
التروية الدماغية تبعاً لذلك، لأن مجرد ذكر الله والوقوف في خشوع بين يديه يطمأن
النفس ويريح الأعصاب ويُنسينا أسباب الغضب، الأمر الذي يؤدي إلى توسّع الأوعية
الدموية وتحسّن الدورة الدموية إجمالاً والتروية الدماغية تحديداً، وهذهِ في
اعتقادي هي الطريقة العلمية والعملية الصحيحة التي تفسّر لنا التأثير العلاجي
العجيب والمدهش للقرآن الكريم على الأمراض المختلفة التي تصيب الإنسان وليست
بالتأكيد الطُرق الشائعة الأخرى كما يعتقد الكثيرون خطأً أو احتيالاً في كثيرٍ من
الأحيان، كالطريقة التي يخلط فيها القرآن بالماء حتى يُنقع ليُشرب بعد ذلك أو
الطريقة التي تقضي بجمع وضم بعض الآيات القرآنية في هيئة عقدة( حرز) وربطها حول
الحوض أو المعصم أو غيرهما من الطرق المتخلّفة الأخرى، وبالمناسبة هنا فإني شخصياً
أرى أن ذروة وخلاصة التأثير العلاجي للقرآن الكريم تكمن تحديداً في الآية القرآنية
الكريمة التي تقول. . .
ألا بذكر الله تطمئن القلوب. . .
صدق الله العظيم، كل
هذهِ العوامل بالإضافة إلى أني أعتقد أن الفترة الزمنية التي يقضيها الإنسان من
لحظة الجلوس وحتى الاضطجاع والوضوء - كما جاء في الحديث - كافية في نظري لأن تنسيه
الغضب وأسبابه.
ختاماُ عزيزي القارئ حول التأثير العلاجي للقرآن الكريم أود
الإشارة كذلك إلى أني أطلعت مؤخراً في أكثر من بحث ودراسة علمية عن محاولات تكللت
معظمها بالنجاح أُستخدم فيها القرآن الكريم كأحد الطرق النفسية والعضوية العلاجية
الناجحة، وذلك لأن قراءة القرآن أو حتى الاستماع إليه تؤديان - كما هو معروف - إلى
إراحة الأعصاب والقلب وإلى تحسّن الدورة الدموية وزيادة نشاط ووظائف الأعضاء
الداخلية تبعاً لذلك كما أسلفنا، الأمر الذي يؤدي بالتأكيد إلى تفعيل وزيادة تأثير
الأدوية والعقاقير الطبية وإلى تقدم العلاج وشفاء الإنسان تبعاً لذلك، وبالمناسبة
هنا فإن أحدى الصحف المحلية المشهورة(الأيام) نشرت في أحد أعدادها أن أستاذاً
مساعداً من جامعة ذمار قد حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة عين شمس في مصر على
رسالته العلمية الموسومة تحت عنوان الأثر الإيجابي للقرآن الكريم على سير
العلاج. . . . . . . . . . . . .
وللتأكيد على عظمة ديننا الإسلامي الحنيف و صدقيه رسولنا
الأمي الكريم(ص)الذي لا ينطق عن الهوى فإن الطب النفسي الحديث رغم إمكانياته
الكبيرة لم يتوصّل إلاّ مؤخراً وبعد مرور أكثر من ألف وأربع مئة عام إلى الطريقة
العلاجية الفعّالة التي يمكنها أن تجنّب الإنسان نوبات الغضب المتكررة وتساعده على
السيطرة في انفعالاتهِ وتصرفاته، وهو ما يمكن تحقيقهُ نظرياً عبر التقليل من
حساسيات الإنسان الانفعالية وزيادة قدراتهِ على التحكّم في ضبط أعصابهِ وردات
فعلهِ، وما يمكن تطبيقهُ عملياً عبر التدريب والترويض المتواصل وصولاً إلى التعّود
التلقائي على اللجوء إلى الاسترخاء النفسي والعضلي وإلى الجلوس والاضطجاع عند الغضب
المتصاعد، حيث يطلب من الإنسان الهدوء والتروي عند تذكّره أو تذكيره بالمواقف
الصعبة والمحرجة التي مرّ ت عليه في حياتهِ، كما يطلب منه اللجوء والتعوّد على
الجلوس والاضطجاع عند مواجهته وتعريضه لنفس المواقف والظروف التي تغضبه، وهو ما كان
قد علمناه وأوضحهُ لنا المعلم الأول للبشرية عليه أفضل الصلاة والسلام في حديثهِ
الشريف الذي أشرنا إليه فيما سبق.
أخيراً عزيزي القارئ حول الغضب وعلاقتهُ
بحياتنا اليومية وتعاملاتنا المعيشية فقد ارتأيت أن أنهي مقالي هذا بالملاحظات
والظواهر التالية التي كثيراً ما تصاحب الغضب والانفعال العصبي علّها تشبع فضول
البعض وتجيب على تساؤلات واستفسارات البعض الآخر، خصوصاً وأن هدفي الدائم الذي
دائماً ما أنشدهُ في كل ما أكتبه أو أناقشه هو زيادة الثقافة الصحية و الوقائية
للقارئ الكريم وإيصال المعلومة بكل سهوله ويسر إلى المهتمين والعامة من الناس على
حدٍ سواء، هذهِ الملاحظات والظواهر التي ارتأيت أيضاً استعراضها وترتيبها بالشكل
التالي :- - لم يمنعنا الإسلام عن الغضب كلياً أو بالمطلق، ولكنّه منعنا من تكراره
أو التمادي فيه، حتى أنه على العكس من ذلك أمرنا أن نغضب ونثور إذا انتهكت حرمات
الإسلام أو أُسيئ إلى الخالق جلّ وعلا ورسولهِ الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام،
ولعلّ الحملة الصليبية الدنمركية الأخيرة التي تعرّض لها الرسول الكريم(ص) وردود
الفعل الرسمية والشعبية الإسلامية الغاضبة أصدق وأقرب وأوضح دليل على ذلك.
-
جميع الآثار والتداعيات النفسية والعضوية التي يحدثها الغضب والتي تنعكس على قرارات
الإنسان وتصرفاته وسلوكياته تحدث تقريباً ولكن بشكل متفاوت عند شعور الإنسان بالخوف
أو عند تعرّضه لمواقف محرجه أو مفاجئه، حيث يؤدي الخوف والمواقف المحرجة إلى زيادة
إنتاج وإفراز هرمون الأدرينالين أيضاً وإلى الأعراض ذاتها التي أشرنا إليها فيما
سبق، حيث نلاحظ مثلاً أن الإنسان عند شعورهِ بالخوف يستطيع أن يبذل جهد أكبر كما
يستطيع أن يركض بشكل أسرع ولمسافات أطول عن المعتاد، وذلك لأن تأثير الأدرينالين
يتركّز في هذهِ الحالة على العضلات الحركية للأطراف وتحديداُ القدمين التي تنقبض
بشكل أقوى وأسرع محققةً سرعة أكبر عند الركض، كما يُلاحظ أيضاً أثناء الخوف أو عند
التعرّض للمواقف المحرجة تسارع وزيادة شدّة دقات عضلة القلب و التعرّق الزائد.
-
لا تقتصر آثار الغضب وتداعياته على الدماغ ووظائفه فقط، ولكنّها تشمل كذلك القلب
والبنكرياس وأعضاء أخرى وأن بشكل متفاوت، فمثلاً القلب كما أسلفنا مراراً من
الأعضاء الحساسة جداً تجاه نقص الدم والأكسجين، حيث تؤدي زيادة نسبة وتركيز هرمون
الأدرينالين في الدم عند الغضب أو الخوف إلى زيادة تقلّص ونشاط عضلة القلب، الأمر
الذي يفسّر لنا علمياً تسارع دقات القلب وزيادة شدتها عند الغضب أو عند الشعور
بالخوف والتعرّض للمواقف المحرجة والمفاجئة، ولأن العضلات المسطحة والحركية تدخل
كذلك في تركيب الأوعية الدموية فإنها هي الأخرى تتقلّص وتضيق أثناء الغضب والخوف
كما أوضحنا مراراً، الأمر الذي يجعل الدم يلقى صعوبة ومقاومة أثناء تدفّقه عبرها
وصولاً إلى ارتفاع ضغط الدم، خصوصاً إذا ما عرفنا أن التعريف العلمي البسيط
والمختصر لارتفاع ضغط الدم هو. . .
صعوبة مرور وتدفّق الدم في الأوعية الدموية،
بغض النظر بالطبع هنا عن السبب الذي يقف وراء ذلك، أكان بسبب تضّيق الأوعية الدموية
أو زيادة كمية الدم المتدفّقة عبرها عن المعدل الطبيعي أو بسبب زيادة كميات الدم
التي يضخها القلب أثناء الغضب والخوف - ولهذا عزيزي القارئ فإننا كثيراً ما نسمع من
يردد بشكل عفوي أثناء الشجار والغضب عبارات عامية دارجة مثل عبارة لا ترفع لي الضغط
أو شفك رفعت لي الضغط، دون أن يعرف أن لهذه العبارات بعداً علمياً وإن كانت عامية
ودارجة.
- لأن البنكرياس من الأعضاء الحساسة جداً تجاه نقص الدم والأكسجين - كما
أشرنا مراراً- فإن الغضب أو الشعور بالخوف يؤدي إلى زيادة نسبة السكر في الدمِ،
وذلك لأن النقص في التروية الدموية باتجاه غدة البنكرياس يؤدي بالضرورة إلى نقص في
قدرتها الإنتاجية والإفرازية لهرمون الأنسولين وإلى زيادة تركيز ونسبة السكر في
الدم تبعاً لذلك، الأمر الذي يفسّر لنا علمياً الإحساس بجفاف الشفتين والشعور
بالظمأ والرغبة في شرب الماء عند الغضب أو التعرّض للمواقف المحرجة والمخيفة، حيث
تعتبر هذه الأعراض من أسرع وأبرز أعراض مرض السكري كما هو معروف طبياً، كما أنهُ ما
يفسّر لنا علمياً أيضاً السبب الذي يجعلنا دائماً ما نسعف الإنسان الذي يتعرّض
لموقف مخيف أو حادث سير بكأس من الماء استجابة للارتفاع المفاجئ لنسبة السكر في
الدم كما أوضحنا فيما سبق.
- من الظواهر التي كثيراً ما تصاحب الغضب والمشاجرات
ولها مدلول علمي وإن بدت عفويه أو صدرت دون مبالاة، أن الناس عندما يفضّون نزاعاً
أو اشتباكاً بين أثنين دائماً ما يعملوا على إبعاد وإخفاء أحد الطرفين عن أعين
الآخر وعن مسرح النزاع تحديداً، حيث أننا كثيراً ما نسمع أحدهم يدعوا إلى إبعاد أحد
طرفي النزاع بعيداً ويقول ما نصه ( أبعده أو خذه بعيداً )، وهذا التصرف كما قلنا
علمياً، لأن الدراسات والأبحاث العلمية تشير إلى أن نظر الإنسان عندما يقع على من
يثيره ويغضبه يؤدي إلى زيادة إفراز الأدرينالين وإلى زيادة غضبه واستفزازه تبعاً
لذلك، وهو ما كان قد أوضحه لنا قبل قرون عديدة النبي الأمي الذي لا ينطق عن الهوى
في حديثه الشريف الذي يقول فيه(ص). . .
ليس المعاين كالمُخبر. . . ، وكذلك في
الحديث الذي يقول فيه(ص). . . رحم اللهُ أخي موسى عندما أخبره الله أن قومهِ قد فتنوا
من بعدهِ لم يغضب، وعندما رآهم على طغيانهم غضب وألقى الألواح. . . أي أن سيدنا موسى
عليه السلام لم يغضب عندما أخبره المولى عزّ وجلّ بالكلام أن قومه قد فتنوا من
بعده، ولكنّه عندما عاينهم ورآهم على المعصية غضب وألقى الألواح، كما جاء في الآية
(150 ) من سورة الأعراف التي يقول فيها تعالى. . ولمّا رجع موسى إلى قومهِ غضبان
أسِفاً قال بِئسما خلفتموني من بعدي أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح. . . صدق الله
العظيم.
- من الظواهر المشتركة التي نلاحظها معاً عند الخوف وأثناء الغضب أن
القدرات العضلية والجسمانية للإنسان تتضاعف وتزيد، حيث نلاحظ أن سرعة وقوة حركة
الإنسان تزيد كثيراً عند شعوره بالخوف، وكثيراً ما يجد الإنسان نفسه عند الخوف
والفزع يقطع مسافات طويلة وفي زمن قياسي أقل، كما يلاحظ أنه أثناء التعارك
والاشتباك (المضاربة) يقدم على مجهود ومقاومه لا يقدر عليها في الظروف الطبيعية
الأخرى، وهذا كله عزيزي القارئ يحصل تحت تأثير الأدرينالين الذي يؤدي كما أسلفنا
مراراً إلى زيادة تقلّص ونشاط عضلات القدمين واليدين ليجري أسرع ويعارك أقوى عند
الشعور بالخوف، وهو نفسهُ ما يفسّر لنا أيضاً تحمّل الألم وعدم الإحساس به عند
الإصابة بالجروح والكدمات، حتى أني في حياتي العملية كثيراً ما سمعت من يقول بأنه
لم يحس أو يشعر بالألم عند الإصابة بالطلقات النارية أو عند تعرّضه لحادث بالسيارة،
وذلك لأن نسبة تركيز الأدرينالين في الدم لا تزال عاليه أثناء الحادث وبعده لعدة
ساعات، حيث لا يبدأ الإنسان بالإحساس بألم الإصابة والكدمات وشدّتها إلاّ في الأيام
التالية عندما تقل أو تختفي نسبة الأدرينالين في الدم.
- هناك الكثير من الظواهر
التي قد نلاحظها عند البعض و لا نلاحظها عند البعض الآخر أثناء الغضب والخوف و
المواقف المحرجة مثل ارتعاش الأيدي وتصبب العرّق وحتى رؤية شرر أو أطياف أمام العين
كما يفيد البعض، وهذا مردّه في اعتقادي المتواضع الذي قد أصيب أو أخطئ فيه يعود
إلى طبيعة الإنسان الانفعالية ونوعية جهازه العصبي تحديداً، فكما هو معروف صنّف
الرسول الكريم(ص) و من بعدهِ أبو الطبِ أبوقراط جميع البشر وفقاً لطبائعهم العصبية
وسرعة بديهتهم وردّات أفعالهم واستجابتهم للعوامل والمؤثرات المحيطة إلى ثلاثة
أنواع من البشر هي النوع الدموي ولبلغمي والرملي، حيث ربطا هنا بين سرعة الاستجابة
وردّت فعل الإنسان وبين سرعة حركة الدم والبلغم والرمل، وصنّفا كل إنسان عصبي وسريع
الانفعال والتفاعل مع المؤثرات الخارجية والوسط المحيط بهِ بالنوع الدموي تشبهاً
بسرعة حركة الدم في الأوعية الدموية، لأن الدم كما هو معروف في نفس ألحظه التي يُضخ
فيها من القلب يصل تقريباً إلى كل أجزاء الجسم، وهو ما يساوي تقريباً سرعة حركة
البلغم والرمل عند متوسطي وبطيئين ردّات الفعل والانفعال، و في اعتقادي هنا عزيزي
القارئ أن الظواهر التي أشرنا إليها مثل ارتعاش الأيدي والتعّرق الزائد وغيرهما من
الظواهر تُلاحظ عند النوع الدموي من البشر أصحاب النفسيات الحارة والأعصاب
المشدودة، وتقل شدتها تدريجياً عند النوع اللمفاوي و الرملي.
أخيراً عزيزي
القارئ حول الغضب وآثاره وتداعياته، لابد من الإشارة إلى أن أحدث الدراسات
الأمريكية توصّلت مؤخراً إلى حقيقة علمية تقول أن الغضب الصريح والمتكرر قد يؤدي
إلى أزمات قلبية قاتله وإلى الإصابة بالسرطان في كثير من الأحيان، ذلك لأن الغضب
المتكرر كما أعتقد يؤدي إلى زيادة اشتعال وتوتر الإنسان وإلى زيادة وتواصل آثاره
السيئة، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى ضعف ونقص مستمر في الدورة الدموية وفي
التروية الدموية إلى كل الأعضاء الداخلية للإنسان تبعاً لذلك، وهو ما ينعكس سلباً
كذلك على وظيفة وكفاءة جهاز المناعة وعلى إنتاجه من الأجسام المضادة تحديداً، حيث
يقل إنتاج جهاز المناعة من الأجسام المضادة التي تحمي الجسم وتزيد المناعة من جهة،
كما تعاق وتتعثّر حركتها من جهاز المناعة باتجاه أماكن الإصابة في الجسم من جهةٍ
أخرى، وصولاً إلى نقص مناعة ومقاومة الإنسان وإلى الإصابة بالسرطان تبعاً لذلك،
خصوصاً إذا ما عرفنا أن هناك من العلماء من يرى أن الأجسام الغريبة والمواد الضارة
التي تفلت وتنجو من جهاز المناعة تشكّل نواه محتملة لمرض السرطان.
هذا عزيزي
القارئ كل ما جادة به الذاكرة وسمحت به المصادر الشحيحة والنادرة حول الغضب وآثاره
ومضاعفاته، آملاً من القارئ الكريم وأنا أختم مقالي هذا أن من يتفاعل مع هذا
الموضوع عبر التصويب أو التوضيح أو الإضافة وصولاً إلى إثراءه ورفع الثقافة الصحية
والوعي الوقائي للناس عموماً.