لقد استغربت الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام المؤتمرية وأخواتها بعد مقال الأسبوع قبل الماضي واجتزأت منه مسألة (الكوتا) النسائية برغم أنه يتحدث عن السيادة التي لم يعد لها محلا من الإعراب في بلادنا.
وبرغم أني أشرت إلى أن "118" عالماً من جميع المدارس الإسلامية وليسوا من حزب واحد هم من أفتى بحرمة (الكوتا) النسائية، إلا أنهم ركزوا عليَّ ،كي يحجموا القضية ،ويدخلوها في المزايدات والمكايدات الحزبية والتي لم ينل الوطن منها خيرا، وأحب أن اذكِر الجميع أننا مسلمون يجب أن نلتزم بالإسلام كمرجعية لحل خلافاتنا لقوله تعالى (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) لا أن ندوس على قيمه ومبادئه ليغضب بعضنا بعضا ،وننتصر لهوانا.
وعليه كان لزاما علي أن القي بعض الملاحظات حول هذا النظام المراد تمريره من منظور تأريخي وأخر ديمقراطي لكي لا يستمر التوظيف السيئ،لما يطرحه أي شخص منا، ومن أي حزب كان، وكي لا تصور المسألة أنها ضد المرأة، فالمرأة المؤمنة هي تاج الرأس، والجوهرة الغالية، والدرة المصونة، والملكة المتربعة على قلب كل رجل مسلم.
والمسلمة إذا تعلمت دينها فستعمل على رفض مثل هذه التصورات المستوردة بقناعة وإيمان وتفتخر بدينها وتعاليم خالقها الذي يقول لها: (وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ) وتعلم أن مدار الصراع هو بين الأفكار الغربية التي امتهنت المرأة وأحدثت لها مشكلات لا دخل للإسلام بها ثم أسقطت هذه المشكلات على المرأة المسلمة، وذهبت تكيف حقوق المرأة من وجهت نظر غربية وتلبسها ظلماً أنها حقوق إسلامية كما حدث عندما أقامت السفارة البريطانية بصنعاء ندوة تحت عنوان "حقوق المرأة في الإسلام "في تأريخ 21/1/2009م، فالحلال والحرام وكل الأحكام لا يعلمها الجاهل من المسلمين، فما بالكم بالكافر بالإسلام قال تعالى (لَعلمَهُ الذين يستنبطونه منهم) أي العلماء – وقال صلى الله عليه وسلم" العلماء ورثة الأنبياء،"فالذي ورث الأنبياء بالعلم هم العلماء، وليس الجُّهال أو الكفار، فكيف نبحث عن ميراث عند من لا يملكه؟ وعليه فالإسلام الذي نستمد جميعنا تعاليمنا منه، لم يثبت من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ومن بعده الصحابة والتابعين ومن بعدهم قرون من تأريخ الأمة، أن المرأة لم تول أي ولاية عامة، برغم أنه كان فيهم أفضل النساء على الإطلاق، كفاطمة الزهراء سيدة نساء أهل الجنة، والفقيهة العالمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وغيرهنّ، ولم تعلن أي صحابية أن من حقوقها الإمامة في الصلاة، ناهيك عن ولاية عامة، أو ولاية القضاء،أو قيادة جيش، برغم أن فيهنّ صادعات بالحق إذا وجدنّ ضده، لكنهنّ يؤمنّ بأن الله هو أعلم بما يصلح شأنهنّ فاستجبنّ لأمره (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ويعلمنّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من سن الحقوق ،ولا يمكن وحاشاه أن يغمط النساء حقا علمه لهنّ، وهو الذي بين كل الحقوق ومنها حق المرأة وأوصى بها خيراً، حتى جاء في زماننا المتأخر، زمن الذلة، والهزيمة النفسية، من يتبع سبيل الغرب لا سبيل المؤمنين، ويتبع الهوى لا سيد المرسلين ، فاكتشف أن الغرب هو الأعلم بما يصلح المرأة، بل وما يصلحنا ويصلح حياتنا، فيدعو للاقتداء به، وصدق الله القائل ( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
والعجيب آن المخالفين لهذا القول يستدلون بقصة بلقيس ملكة سبأ ،مع أنها قبل الإسلام، وكانت وقومها يعبدون الشمس، وقد استنكر الهدهد أن امرأة تملكهم حين قال (أحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) فما كان من نبي الله سليمان إلا أن نقل عرشها إلى الشام وحينها أعلنت إسلامها وانتهى ملكها، ولو سلمنا جدلا بحكمها فشرعهم ليس شرعا لنا لقوله تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) وقد قعدّ الأصوليون قاعدة (أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حُكي مقرَّراً ولم ينسخ، كما هو المشهور) وهذا منسوخ بالسنة القولية والفعلية
ويحتج المخالفون بان خطاب التكليف جاء للذكر والأنثى، المؤمنون والمؤمنات، والمسلمون والمسلمات، كقوله تعالى (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ....)
فنقول: أليست إمامة الصلاة وخطبة الجمعة من المعروف الذي يجب القيام به؟
سيقولون: نعم، ومن أعظم المعروف.
فنقول :لهم لماذا لا تؤم المرأة الناس في الصلاة ولا تخطب الجمعة ولا تؤذن للعامة؟ سيقولون لا يجوز..
نقول لهم: كيف لا يجوز وأين أنتم من قولكم أن الخطاب في إقامة المعروف والنهي عن المنكر للذكر والأنثى..
سيقولون: لأنه لم يثبت فعل ذلك في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، ولا عهد الخلفاء الراشدين والتابعين،وجميع القرون التي تلت، ونحن على سبيلهم سائرون، نقول لهم: إذن هكذا هي مسألة تولية المرأة إن كنتم تعدلون، فهي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر حسب استطاعتها وبما يناسب فطرتها، ثم سؤال يطرح نفسه وهو متى كانت الولاية شرطا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟، فالمرأة في بيتها مثلاّ تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر برغم أن الولاية في الأسرة للرجل لقوله تعالى (الرِجالُ قَوّامونَ عَلى النِساءِ) فولاية الرجل لم تمنعها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويحتجون بأن الرسول صلى الله عليه وسلم شاور زوجته أم سلمة، وهذا ليس محل الخلاف، فلا مانع أن يستشير الرجل زوجته أياّ كان منصبه، فلو أن الملك أو الرئيس شاور زوجته في أي أمر يخص الأمة فلا حرج في ذلك، ولكن نحن بصدد التحدث عن معارك انتخابية ومتطلباتها، وعن تفرغ المرأة للمجلس النيابي، وتركها بيتها وأطفالها ، نتحدث عن اختلاط، وسفر إلى المؤتمرات الدولية، نتحدث عن جلوس في اللجان المسائية لوضع التشريعات، وتنقل في المحافظات في الزيارات الميدانية، نتحدث عن سن قوانين ومحاسبة وإقالة الحكومة، نتحدث عن الصراع السياسي وما ينتج عنه، فهل تعقلون؟.
والنظرة الديمقراطية لنظام (الكوتا) النسائية يستدعي التوقف عندها لنتعرف على التناقض الغريب والعجيب الذي يعيشه دعاة هذا النظام ، فنظام (الكوتا) النسائية ليس معمولاّ به في أي من دول الغرب الديمقراطي، ولكنه يفرض على دول العالم الإسلامي فقط، وهي تمثل ضربة للديمقراطية التي يقدسونها، و المساواة التي تطالب بها بعض النسوة المرتبطات بالمنظمات الغربية ليل نهار، فهنّ أزعجنّ الأمة بالمساواة، ومن ثم نجدهنّ فجأة يميزنّ تمييزاً مقيتاً ضد الرجل.
ففي (الكوتا) النسائية لا يحق لأحد من المواطنين أن ينافس المرأة في هذه الدوائر، مع أن المرأة لها أن تنافس في كل الدوائر الأخرى (301)، فأين المساواة يا دعاتها؟ وفي الوقت ذاته تُسلب حرية الآخرين حين يجبر الناس على اختيار من لا يريدون ،وبهذا سُلب المواطن حقه في حرية اختيار ممثليه في مجلس النواب ،فأين الحرية يا دعاتها، بل سُلب حق المجتمع بأسره، لحساب شريحة منه، وما مثل ذلك إلا كمثل (الكوتا) الأسرية الغير معلنة، الخاصة بالرئاسة والمراكز العسكرية والأمنية الحساسة، التي جعلت (كوتا) خاصة بأسرة وحيدة، فسلب حق المجتمع بأكمله لصالح أسرة منه، أليس هذا الذي نشكو منه؟ ولو أردنا تحقيق المساواة المطلوبة كما يزعمون وفق المعايير الديمقراطية، فنحن بحاجة كشعب إلى (كوتا) شعبية، نصل من خلالها إلى تلك المناصب، حتى لا تكون حكرا لأسرة واحدة، والمهمشين من المواطنين (الأخدام) بحاجة إلى (كوتا) ليصلوا إلى مجلس النواب فهم جزء من المجتمع، ومثلهم الإخوة/ الجزارين ،و(الدواشين)، (وحاشا لله أن يفهم من كلامي الانتقاص من هذه الشرائح فهم إخوة لنا )، بل وفقراء الشعب الغير متحزبين (المستقلين) بحاجة إلى (كوتا) لينالوا حق المشاركة السياسية ، أم أن هؤلاء لا يوجد لهم اهتمام ، ولا يذكروا عند الغرب والدول المانحة (تأخذ أكثر مما تمنح)؟
واليوم أثبتت لنا السلطة أنها تمارس حق احترام المرأة ، بكل المقاييس عندما اختطفت الأخت/ توكل كرمان من بيتها، لتثبت أن المزايدين والمتاجرين بالمرأة ابعد ما يكون عن تكريم المرأة واحترامها.
وما هذا الاختطاف إلا دليل واضح على أن السلطة لا تفرق في قمعها، بين الرجال والنساء وأظن أن هذا جزء من (الكوتا) التي سيخصصها الحاكم للنساء، أن يجعل لهن حصة في السجن المركزي وأقسام الشرطة والأمن السياسي وهذا من باب المساواة، أليست توكل امرأة؟ فهل يجوز شرعا ودستورا وعرفا أن تأتي ثلاثة أطقم في الليل لاختطافها انه أمر مشين ومستهجن من جميع العقلاء، وكنت أتوقع أن يتحرك ما يسمى باتحاد نساء اليمن والمنظمة الوطنية للمرأة وغيرها من المنظمات النسوية لاستنكار ذلك ،ولكن يبدو أن هناك فرق بين امرأة وامرأة.
محمد الحزمي
اختطاف توكل كرمان... و (الكوتا ) النسائية 3276