إن تلك الرؤية الهلامية التي كان يُنظر بها للفكر العربي بدت لحظات غروبها واضحة المعالم مع تلك الاشراقات الثورية التي سطرها جيل التغيير بكل إباءٍ وشموخ، معلناً للعالم أجمع أن زمن الاستخفاف والتسلط على الفكر قد آن رحيله وإلى غير رجعة ولن يعود إلى الأبد..
فهاهم رواد التغيير والحرية يسطرون في أنصع صفحات التاريخ تلك المواقف الخالدة، ليثبتوا للعالم أن الشعوب ما زالت تتمخض بحاملي الفكر المستنير الذي أبى إلا أن يواكب عصر التجديد والحرية.. الشباب اليوم وهم يدفعون تلك الدماء الطاهرة ثمناً للحرية، أثبتوا للشعوب الأخرى مدى توقهم لتغيير حقيقي يضمن لهم عيش الحرية ويكفل لهم حقوقهم التي كبلها قادتهم بقيود التسلط والتنفذ.
ومن بين ذلك الجيل المشرق في العالم العربي –الذي يعد مضمار التغيير- هم شبابنا اليمني.. جيل الغد المشرق الذي عانى طيلة السنين من استبدادية الحكم الفردي الذي احتكر الوطن ومقوماته في شخصه وأسرته، تاركاً حبل الضيم على أعناق الآخرين من أبناء الشعب، مستخدماً كل آليات التسلط فكرياً وتعليمياً وسياسياً واقتصادياً، متناسياً بذلك "الحاكم" أن من بين ذلك الشعب سيندفع البركان الثوري الذي يقوده شباب التغيير والحرية بكل بسالة واقتدار..
وهانحن اليوم نشاهدهم في ميادين الحرية والتغيير مشرأبة أعناقهم نحو بصيص أمل يحقق حلمهم، نراهم بصدورهم العارية يكسرون قيد الاستبداد والظلم، غير آبهين بلعلعة الرصاص ومسيلات الدموع التي تمطرهم بها قوة الجور والتسلط من أرادوا حتى تكميم الأفواه، لأنهم يدركون جيداً أن تلك الأصوات التي تصدر من أفواه الأحرار هي بمثابة ويلٍ وهلاك ولعنة تلاحقهم في سباتهم وتنغص أحلامهم التي شيدوها على حساب أنات وطن.. نعم يعلمون علم اليقين بأن الأنات التي يرددها الوطن ستكون سهام لعن تصوب نحو نحورهم.
لكم التحية أيها الأحرار.. لكم نرفع قبعاتنا إجلالاً وإكباراً.. لكم تحنى الهامات إعظاماً وتقديساً، بقدر تلك الدماء التي تقدمونها ثمناً لوفائكم وإخلاصكم للوطن..
ولتلك الأقدام الشريفة الواقفة بكل ثبات.. نُقبل التراب من تحتها بقدر صمودها في وجه المعدات العسكرية القمعية..
وللشهداء ألف تحية وتحية.. وللشهداء: طبتم وطاب سعيكم وتبوأتم من الجنة إن شاء الله منزلاً.. فهنئياً لكم جزاءً بما صبرتم وقدمتموه.. فبدمائكم سنكتب عنوان الحرية على صفحات التاريخ وبوطنيتكم سنرفع شعار المجد على سماء الوطن، لتبقى ورداً مقروءاً للأجيال بعدكم.
Alsadeq79@gmail.com