;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

بدر: حين يتغلب الطيش على العقل يكون الهلاك 2528

2011-08-17 03:56:54


إن الله تبارك وتعالى جعل من غزوة بدر الكبرى معركة فاصلة في تاريخ الإسلام، وسماه الله تعالى يوم الفرقان، قال تعالى: {يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (41) سورة الأنفال.
لقد أدب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجاهلية واقتص منها، وكنست معركة بدر قيادات قريش إلى مزبلة القليب -أكبر مزبلة في التاريخ، حيث ووريت جثامين قادة قريش من رؤوس الكفر عدا أمية بن خلف، فقد تعفن جسده الخبيث، فترك في العراء.
إن معركة بدر تقدم لنا دروساً كبيرة في نصرة الله للمؤمنين وأسباب النصر والتثبيت والتأييد من الله سبحانه لأوليائه، ولكنها أيضاً تكشف لنا النقاب عن جانب مهم في الطرف المقابل للحق، والمعادي لله ولرسوله وللمؤمنين، لقد كان في وسع قريش تفادي الاصطدام الدامي ولاح لهم في الأفق خيار السلام مقابل الحياة، ولكن عنجهية أبي جهل وغروره وكبره وبطره قد كلف قريش قيادات الصف الأمامي كله، حيث تم تطهير الأرض من رجسهم، ولم ينج من القيادات الكبيرة سوى أبو سفيان بن حرب فقط، لأنه كان غائباً عن المعركة.
دعونا نتتبع صوت العقل الذي ظهر أمام أعين قريش مراراً وتكراراً، فلم تستمع إليه، ودعونا نتأمل فرص النجاة التي أضاعها أبو جهل على نفسه وعلى قومه، لا لشيء إلا إرضاء لغروره المريض وعناده الرخيص، واستكباره في الأرض بغير الحق.
إن أكبر فرصة للنجاة كانت حين أرسل أبو سفيان إلى قادة قريش وهم بالجحفة أن القافلة قد نجت ولا داعي للحرب، وقال في رسالته لهم: إنكم إنما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم وقد نجاها الله تعالى فارجعوا، ولكن طاغية قريش أبو جهل رفض ذلك في كبرياء وغطرسة قائلاً: والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًاً، فننحر الجَزُور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا .
وجاءت الفرصة الثانية للنجاة حين رفع قائد الاستطلاع العسكري بجيش قريش الخبير العسكري المحنك: عمير بن وهب تقييم الموقف الحربي للمعركة قبل وقوعه، فقد استلطع معسكر المسلمين، وقدره بثلاثمائة فارس يزيدون قليلاً أو ينقصون، وأنهم لا مدد لهم، وأنهم يحتمون بسيوفهم، وأنهم سيستبسلون في القتال فيقتلوا عددهم على الأقل، حيث دار عمير بفرسه حول معسكر المسلمين، ثم رجع إليهم فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلوني حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد؟ فضرب في الوادي حتى أبعد، فلم ير شيئًاً، فرجع إليهم فقال : ما وجدت شيئًاً، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح (الإبل) يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك؟ فروا رأيكم .
وهو ما حدا بقائد كبير في قريش هو عتبة بن ربيعة أن يسعى جهده في منع الصدام الدامي، فقام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال: يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًاً، والله لئن أصبتموه لا يزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألْفَاكُمْ ولم تَعَرَّضُوا منه ما تريدون .
إنها فرصة حقيقية لتجنب الاصطدام الدامي رفضتها سياسة العنجهية التي اتخذها أبو جهل، وإصراره على سياسة غنوا وارقصوا، وتسمع بنا العرب، لقد حاول عتبة بن ربيعة أن يكون صوت العقل في وجه الطيش الذي يمثله أبو جهل، ولكن قريشاً غرتها قوتها، فقادهم أبو جهل إلى انتحار جماعي، كان يمكن تفاديه لو استمع لصوت العقل ولو مرة واحدة في حياته.
إن ما حدث في بدر كان حصاد جهد طويل من التربية والإعداد من جهة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمكاسب يوم بدر - وهي أكبر ثورة تغيير في حياة المسلمين- لم تكن وليدة اللحظة، ولكنها ثمرة خمسة عشر عاماً من التربية والدعوة والجهاد السلمي الطويل المدى، وجهود نضال البلاغ المبين والصبر على الأذى والاستفزازات المستمرة، حتى قضى الله أمره بمشيئته وإرادته، قال الله تعالى: {وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (42) سورة الأنفال.
وكان من تقدير الله في يوم بدر أن الجاهلية حين لا تستمع لصوت العقل، ولا تلتفت لداعي السلام، تكون قد فقدت شرعية بقائها، وأصبحت لا تستحق سوى المزبلة المتجسدة في بئر القليب بأرض بدر، وتلك سنة الله بمن يستكبر ويمكر ويحارب الحق، قال الله تعالى: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } (43) سورة فاطر.
////

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد