المعلوم عبر التاريخ -قديماً وحديثاً- أن العقل العربي يتسم بالذكاء والحكمة والفطنة والتبصر في الأمور والتدبر بالوقائع والحس الملهم والاستفادة من الواقع والاتعاظ بدروس الحياة وإذا كان كذلك فإنه لا شك سيكون بعيداً عن الصفات الذميمة ومنها الغباء والبله والكبر والغطرسة والاستهانة بالغير وغير ذلك.
وعندما كان العرب والمسلمون متحلين بالأخلاق الكريمة والصفات الحميدة والأذواق الرفيعة والمروءة المستمرة والضمير الحي استطاعوا أن يحكموا الدنيا ويسودوا العالم.
وبالنظر إلى حال الأمة العربية اليوم بصفة عامة والأنظمة القائمة بصفة خاصة وثورات الشعوب ضدها، فإنك لا تكاد تصدق أن الحاكم العربي قد وصل إلى الحالة التي هو عليها الآن من فقدان للضمير وانعدام للمروءة وتخلٍ القيم والأخلاق وتشبثٍ مقيت بكرسي الحكم، فستكون بين أمرين: إما أن تصفه بالغبي أو المتغابي.. وإذا وصفته بالأولى فيكون العيب على الشعوب التي أوصلت هذا الحاكم أو ذاك إلى سدة الحكم وصبرت عليه عقوداً من الزمن، لكنك ستسمع الشعوب تدافع عن نفسها وتقول إن الحكام العرب المخلوعين أو الذين ما زالوا في الطريق إلى الرحيل لم يصل أحدهم إلى الحكم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة وإنما استولوا على الكراسي بالقوة، أو عن طريق انقلابات عسكرية أو انتخابات مزورة أو ورث الحكم عن أبيه وستكون بهذا الدفاع محقة.
وإذا وصفته بالثانية وهي التغابي، فالتغابي لا يقوم به إلا الرجل الذكي وفي حالات استثنائية وهو الذي يتحمل لشعبه كل النقد والشتائم التي تقع عليه ويتوجه إلى بناء الدولة بناءً حقيقياً ويقوم بتقييم نفسه وإدارة حكمه وإذا وصل إليه الخبر بأن شعبه يكرهه بادر على الفور إلى الرحيل وترك السلطة وسلمها إلى الشعب الذي هو مصدر كل السلطات دون إراقة للدماء وذلك ما لم نلمسه من الحكام العرب، الأمر الذي يجعل الشعوب والعالم اجمع يصفهم بالأغبياء ولذلك قال الشاعر:
ليس الغبي بسيد في قومه × لكن سيد قومه المتغابي
فأين هؤلاء من الخليفة الأول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- عندما صعد على المنبر بعد توليه الخلافة، عقب وفاة الرسول صلى الله وعليه وسلم، حيث خطب قائلاً: (أيها الناس، إني قد وُلِّيت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى آخذ الحق له إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللّه إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيتُ الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم).
والمتأمل لتاريخ الزعماء العرب الذين ثارت عليهم شعوبهم سيجد أن تاريخهم اسود مليء بالمآسي والويلات والاستبداد والمظالم والمخازي.
وبهذا فإن شعوبهم محقة بطلب رحيلهم ولا داعي لإراقة دماء الشعوب من أجل الكرسي ولسنا الآن بصدد الحديث عن الرؤساء المخلوعين "بن علي ومبارك والقذافي"، فقد رحلوا ومعهم الخزي والعار وتحررت شعوبهم منهم ومن أنظمتهم الفاسدة وهناك تساؤلات تطرح عن الرئيسين صالح والأسد: ألم يتعظا ممن سبقوهم؟ ألم يفهما الدرس ويعياه؟، ألم يقفا أمام الحدث العظيم الذي ضجت لهوله الدنيا -عربها وعجمها- وتناقلته وسائل إعلامها المختلفة المتمثل في إحضار مبارك - زعيم أكبر قطر عربي من حيث السكان- مخلوعاً، ذليلاً، حقيراً، مهاناً إلى قفص الاتهام في العاصمة المصرية القاهرة؟ وهو على سريره الطبي المتنقل والى جواره نجليه جمال وعلا وأركان نظامه ماذا حدث؟، لقد كان المشهد مفاجئاً ومثيراً للدهشة والاستغراب لا يكادوا المشاهدون للشاشات يصدقون ما تراه أعينهم داخل قفص الاتهام، فيمسحون على أعينهم ويرددون أهذا حلم أم حقيقة، يُحدث بعضهم بعضاً مدهوشين بصوت خافت: مبارك ونجليه وحبيب العادلي وأركان النظام في قفص الاتهام؟ فيقول آخرون نعم إن الشعوب لن تقهر.
إذن فهذا الحدث العظيم لا يعد انتصاراً للشعب العربي المصري فحسب، بل للأمة العربية جمعاء، فماذا ينتظر صالح والأسد بعد رؤيتهما لهذا المشهد؟ أينتظران البقاء على السلطة بعد سقوط ومحاكمة اكبر رئيس عربي؟ هو بمثابة فرعون ذي الأوتاد الذي طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد، فما هما بالنسبة له ولمصر العربية إلا بمثابة مدراء أقسام شرطة.
وما الدولتان اليمن وسوريا إلا أشبه ببعض المدن المصرية فما لهؤلاء لا يتعظون أو يزدجرون أو يفقهون حديثاً، فصالح متشبث بالسلطة إلى حد لا يتصوره عاقل وبقايا نظامه وحرسه العائلي يقتلون اليمنيين في تعز الثورة وأرحب ونهم والحصبة وساحة التغيير وأحياء عديدة من صنعاء وغيرها.
وأيضاً جيش الأسد حصد المئات في حماة وحمص وحلب واللاذقية والرستن وادلب ودرعا ودير الزور وإذا كان رئيس الدولة المصري قد أُسقِط وحُوكم مع أركان نظامه، فإنه من السهل كل السهل سقوط بقايا الأنظمة الفاسدة.
لقد ذهل العالم أجمع وهو يشاهد فرعون الأكبر في قفص الاتهام ومحامي الادعاء في جلسة المحاكمة يشير إليه بيده اليمنى ويتلو قول الله تعالى (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين).. صدق الله العظيم.. والملاحظ أن الشعب اليمني والسوري يوجهان اللوم ويحملان المسؤولية الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، وبالأخص موقف السعودية تجاه ما يحدث من بقايا نظام العائلة في اليمن المدعوم سعودياً.
هذا فضلاً عن الحرب الضروس التي تشن من قبل بقايا الأنظمة المستبدة الفاسدة التي نشاهدها كل يوم، فالمجتمع الدولي مسؤول عن إراقة هذه الدماء البريئة التي تسقط والمدن التي تدمر والقرى التي تباد، فأين حقوق الإنسان التي ينادي بها المجتمع الدولي مع أنه إن توانى عن اتخاذ موقف جاد ضد بقايا الأنظمة الفاسدة، فإن الثورات مستمرة حتى يتحقق لها النصر المؤزر القريب بإذن الله عزوجل وأن يمد الثورات العربية بالنصر المحقق المبين، لأنه القادر على ذلك وهو حسبنا ونعم الوكيل.
anomanlawyer1@gmail.com