قد يتساءل البعض عن السبب الذي جعلني اكتب عن هذا الموضوع، والسبب هو إقدام جارنا على ضرب زوجته ضرباً مبرحاً ولسبب اقل ما أقول عنه إنه تافه...
رغم الجهد الواضح الذي تُقرّه الأديان والمذاهب الإنسانية في تأكيد الرحمة والرأفة والرفق بين بني الإنسان، ورغم حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف كأداة للتخاطب والتمحور، ورغم أنَّ أي إنجاز بشري يتوقف على دعائم الاستقرار والسلام والألفة.. رغم هذا وذاك ما زالت البشرية تدفع ضرائب باهضة من أمنها واستقرارها جرّاء اعتماد العنف كوسيلة للحياة.
إنَّ رواسب المنهج الهمجي العدواني ما زالت عالقة في أذهان وسلوكيات البعض منّا في التعاطي والحياة وذلك على أرضية منهج العنف المضاد للآخر والفاقد للسماحة والرحمة، وإنها مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في ساحتنا الإنسانية كل حين لتصادر أمننا الإنساني وتقدمنا البشري، فرغم التطورات الهائلة في الذهن والفعل الإنساني بما يلائم المدنية والتحضّر.. إلاّ أنه ما زلنا نشهد سيادة منهج العنف في تعاطي بني البشر وبالذات تجاه الكائنات الوديعة كالمرأة، وإنه توظيف مقيت ذلك الذي يوظّف مقاليد القوة لديه ليُحيلها إلى تجبّر وسيطرة من خلال العنف القسري المُمارس ضد الأضعف.
العنف ضد المرأة
سلوك أو فعل موجّه إلى المرأة يقوم على القوة والشّدة والإكراه، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية، ناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، والذي يتخذ أشكالاً نفسية وجسدية متنوعة في الأضرار.
ويتنوع العنف ضد المرأة بين ما هو فردي (العنف الأنوي) ويتجسد بالإيذاء المباشر وغير المباشر للمرأة باليد أو اللسان أو الفعل أياً كان، وبين ما هو جماعي (العنف الجمعي) الذي تقوم به مجموعة بشرية بسبب عرقي أو طائفي أو ثقافي والذي يأخذ صفة التحقير أو الإقصاء أو التصفيات، وبين ما هو رسمي (عنف السلطة) والذي يتجسد بالعنف السياسي ضد المعارضة وعموم فئات المجتمع.
وحينما تقع المرأة ضحية الاضرار المعتمد جرّاء منهج العنف فإنها تفقد إنسانيتها التي هي هبة الله، وبفقدانها لإنسانيتها ينتفي أي دور بنّاءٍ لها في حركة الحياة. إنَّ من حق كل إنسان ألا يتعرض للعنف وأن يُعامل على قدم المواساة مع غيره من بني البشر باعتبار ذلك من حقوق الإنسان الأساسية التي تمثل حقيقة الوجود الإنساني وجوهره الذي به ومن خلاله يتكامل ويرقى، وعندما تُهدر هذه الحقوق فإنَّ الدور الإنساني سيؤول إلى السقوط والاضمحلال، والمرأة صنو الرجل في بناء الحياة وإتحافها بالإعمار والتقدم، ولن تستقيم الحياة وتُؤتي أُكلها فيما لو تم التضحية بحقوق المرأة الأساسية وفي الطليعة حقها بالحياة والأمن والكرامة، والعنف أو التهديد به يقتل الإبداع من خلال خلقه لمناخات الخوف والرعب الذي يُلاحق المرأة في كل مكان.
إنَّ العنف على تنوع أشكاله كالعنف الشخصي والمنزلي وعنف العادات والتقاليد الخاطئة وعنف السلطة وعنف الحروب.. يتطلب تشريعات قانونية وثقافة مجتمعية تحول دون استمراريته لضمان تطور المجتمع بما في ذلك الحق في اللجوء لسبل الإنصاف والتعويض القانوني، والحصول على التعليم والرعاية الصحية، والحماية من الدولة ومؤسسات المجتمع المدني.