وأخيراً وبعد عناء طويل، ومكابدة شاقة تحملتها قوى المعارضة والمجلس الوطني، وكل القوى الخيرة في الوطن اليمني، وقعت المبادرة الخليجية التي يعتبرها الشباب في ساحة الحرية وميادين التغيير مؤامرة على ثورتهم، وتصب في مصلحة النظام الذي أذاق الناس ويلات العذاب، وقعت بعد ولادة عسيرة بعملية قيصرية استمرت 9 أشهر وبضعة أيام من الشهر العاشر، وأصبح بموجب هذا التوقيع السيد عبد ربه منصور هادي أصبح رئيساً مؤقتاً، أو بالأصح رئيساً بالإنابة حتى إجراء انتخابات رئاسية توافقية يكون هو الرئيس الفعلي للجمهورية اليمنية بالتوافق بموجب تطبيق بنود المبادرة الخليجية رغم الشكوك والتخوفات حول تطبيق هذه المبادرة.
فإذا كان أمر التوقيع، والإمضاء استغرق 6 أشهر بالكمال والتمام بل وتزيد قليلاً، فيا ترى كم وقتاً سيستغرق تطبيق بنود هذه المبادرة ؟ وهل سيسلم أبناء وأقارب الرئيس السابق بهذه المبادرة أم أن الأمر مجرد تكتيك؟ وهروب من ضغط المجتمع الدولي وما كان سيترتب عنه في حال لم يتم التوقيع، وهل سيمتلك الرئيس بالإنابة الفريق الركن عبد ربه منصور هادي قوة الإرادة، والشجاعة الكافية لاتخاذ القرارات القوية، والحاسمة، والمصيرية في التغلب على التحديات التي ستعترضه، أو تلك التي ستقف في وجهه.
ومن أبرز تلك التحديات تحديد موقف واضح من الثورة العظيمة، هل هو معها، ومع مطالبها العادلة ؟ أم مع بقايا العائلة ؟ أم سيظل في المنطقة الرمادية الضبابية؟، هذه الألغام السياسية لا بد من التعامل معها بحنكة ودراية، ولا بد من خبراء السياسة في التعامل معها، فالكثيرون من أبناء الشعب اليمني يتطلعون إلى أن يسير الرئيس بالإنابة في ركب الثورة، وليس في ركب بقايا النظام، ويشكل حكومة ثورية من أوساط المكونات الثورية، وتحظى بدعم شباب الثورة في ساحات الحرية وميادين التغيير، إذ لم يعد اليوم القبول بالمراوحة في المنطقة الضبابية والغير واضحة، وواهم من يقول إن هناك شراكة، فالثورات لا تعرف الشراكة مع من انطلقت ضدهم، وتلطخت أياديهم بدماء شبابها، إذ لا يمكن القبول بعد اليوم بأنصاف الحلول، أو ما يسمى حكومة وحدة وطنية، أو حكومة وفاق وطني، لأن زمن هذه المصطلحات قد ولى ولا رجعة فيها، إذ كان بالإمكان التحدث عن مثل هذه الحكومات في ظل النظام السابق وقبل أن تسفك الدماء البرية، أما اليوم فنحن في عهد الثورة، عهد التغيير الجذري، لأنه ليس بالإمكان أن يتم الجلوس مع من قتل الشباب، أو وافق على قتلهم، أو سكت عن قتلهم لأن الساكت كالفاعل، أو حتى برر عملية قتل الثوار في الساحات، أو تهجم عليهم وعلى أعراضهم، فهؤلاء ليس مكانهم في الحكومات القادمة بل مكانهم في السجون المركزية حتى يقول القضاء الوطني المستقل النزيه الذي سيشكله الثوار وليس الحالي قوله فيهم.
كذلك من أبرز التحديات سحب وحدات الحرس العائلي، ودباباتهم، وآلياتهم العسكرية من المدن ومداخل المدن، وإعادتها إلى ثكناتها العسكرية حتى يتم دمجها في جيش وطني ترأسه مؤسسة عسكرية وطنية بامتياز، لا تخضع لحزب، أو طائفة، أو فرد مهما كان، وإحالة من وجه تلك القوات بقتل المتظاهرين وقصف المدن والقرى إلى المحاكم الوطنية بعد الانتصار الكامل للثورة، وبعد أن يعاد هيكلتها بمعايير وطنية مهنية بحته، كما أن من أبرز التحديات العمل بوتيرة عالية على استقرار الوضع الاقتصادي، وإعادة الأسعار إلى سابق عهدها عند بداية الثورة المباركة، ولجم الانتهازيين، والاستغلاليين الذين استغلوا الحالة الثورية، ورفعوا الأسعار بشكل جنوني يفوق الخيال، وخاصة بعد أزمة المشتقات النفطية التي افتعلها أتباع الرئيس السابق بشكل لا يرضي الله ولا رسوله، والتي صعبت الأوضاع المعيشية للمواطن الذي عقد الآمال الكبيرة في هذه الثورة وحق له اليوم أن يجني ثمار آماله تلك لا أن تزداد أموره تعقيداً في ظل حكومة الشراكة كما يتوقع الكثيرون.
أما التحدي الأخير فهو إيقاف المهزلة الإعلامية في القنوات الفضائية، ووسائل الإعلام الرسمية التي تمول من أموال هذا الشعب، والتي أصبحت تكذب عليه، وتسخر منه، وتستغفله، وتقلب الحقائق رأساً على عقب، وتروج خطاباً إعلامياً فيه من مفردات الحقد، والكراهية، والتحريض على شريحة كبيرة من أبناء هذا الشعب تحريضا غير لائقاً، ولا يتناسب والرسالة الإعلامية لأي وسيلة إعلامية خاصة، وأهلية ناهيك عن أن تكون حكومية تعبر عن إرادة الملاين من أبناء الشعب، وينفق عليها من أموالهم، وكأنه ليس فيهم نخب، أو مثقفين، أو محايدين ومنصفين يحللون الأحداث ويقرأونها قراءة وطنية صحيحة، وهذه لا تقل جرماً عن جرم من مارس القتل، وسفك الدماء.
يا سيادة الفريق عبد ربه منصور هادي أنت اليوم الرئيس بالإنابة بموجب المبادرة الخليجية التي اكتسبت الصبغة القانونية بمباركة إقليمية ودولية، وعليه من غير المنطقي أن تظل وسائل الإعلام الرسمية تطلق عليك صفة نائب الرئيس لأننا لسنا في نادي رياضي يرأسه رئيس فخري ولدية نائب فخري، نحن في دولة لها كيانها وشخصيتها الاعتبارية، وقوانينها الخاصة بها، وهذه المهزلة لا تليق بنا كيمنيين، هذه أبرز التحديات من وجهة نظر شخصية، فهل بإمكان الرئيس بالإنابة تجاوز هذه التحديات والتغلب عليها؟ ولوقوف أمامها بقوة وبحزم لكسب الشارع الثوري الذي أصبح يمثل أغلبية اليمنيين بنسبة 90 %، هذا ما سيتضح في قادم الأيام.