في المسيرة النضالية للشعوب هنالك ملاحم وطنية في الكفاح المسلح ضد الطغيان والاستبداد والاستعمار، لكن الملاحم النضالية السلمية نادرة الحدوث وتمثل محطات مهمة ومشرقة في تاريخ الإنسانية النضالي.
في واحدة من تجليات العصر جسد من خلالها الشعب اليمني العظيم عمقه الحضاري الضارب جذوره في أعماق التاريخ متسلحاً بوعي وطني وقيمي متجذر أسقط كل الرهانات الزائفة وأكد من خلالها اليمنيون أنهم عاقدون العزم بإرادة وطنية صلبة نحو المستقبل المشرق تاركين خلف ظهورهم الماضي بكل مآسيه وآلامه الآمن، دروس يسترشدون بها وهم يصنعون فجرهم الندي، هب اليمانيون في وحدة من أعظم الملاحم الوطنية في التاريخ الحديث نحو مراكز الاقتراع في 21 من فبراير ليقرروا بأنفسهم مصيرهم الوطني ويرسمون ملامح مستقبلهم الواعد، اصطفت تلك الجموع المناضلة في طوابير طويلة من العزة والكرامة وبأعداد هائلة فاقت كل التوقعات وأذهلت كل المراقبين.
سطرت الثورة اليمنية المباركة مكرمة فريدة وإبداعاً متميزاً لساحات الحرية وميادين النضال وشباب اليمن الحر يجدد مسيرة الثورة الظافرة بزخم جماهيري منقطع النظير نحو صناديق الاقتراع جسر الثورة الآمن إلى الدولة المدنية الحديثة دولة العدالة والحرية دولة الشعب، بصمت تلك الأصابع الزرقاء النقية على وثيقة حرية اليمن كفعل ثوري بامتياز، تمازج رائع بين الفعل الثوري الراشد والمسار السياسي التغييري الممنهج الذي يصب في المصلحة الوطنية العليا لشعب اليمن المجيد.
وهو ما يحتم علينا أن نقف وقفة إجلال وتقدير لهذا الموقف الرائع للشعب اليمني العظيم ونثمن على وجه الخصوص بأعلى درجات الإعجاب لتلك الروح الوطنية العالية التي يتمتع بها شباب وشابات الثور ولجموع الثائرين الأحرار أصحاب الفضل كل الفضل في إنجاح مشروع التغيير المنشود في اليمن الحبيب، إنها منة جديدة على أصحاب المسار السياسي الحامل الوطني والسياسي لمشروع الثورة الراشد.
إن يوم 21 من فبراير الذي طوينا فيه جميعاً صفحة من صفحات تاريخ اليمن المثقل بالأزمات والمآسي والمليء بالمعاناة يحتم على كل القوى الوطنية أن تعمل جاهدة وبروح من التسامح والتسامي فوق الجراحات وبأعلى قيم التصالح لصناعة المستقبل الجميل بشراكة وطنية جامعة وفق مشروع وطني راشد يحقق العدالة والحرية ويتمتع فيه كل اليمنيون بالمواطنة المتساوية وتتوحد الجهود نحو التنمية والبناء وحشد كل الطاقات والجهود والإبداعات من أجل اليمن الجديد، وأن توضع كل القضايا الوطنية دون استثناء على مائدة الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً، ليحل اليمنيون قضاياهم بروح وطنية مسئولة تحافظ على القيم الوطنية التي ناضل من أجلها الشعب اليمني خلال تاريخه النضالي المجيد وتحفظ الحقوق وتصون الحريات لكل أبناء الوطن دون استثناء .
وهنا لا يسعنا إلا أن نجدد الدعوة التي ما فتئت ترددها هيئة أنصار الثورة والجيش الوطني الحر وكل القوى الوطنية الشريفة، بأن تتائزر وتتكاتف مع الرئيس التوافقي في انجاز مهام المرحلة الانتقالية وفقاً لخارطة الطريق المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها المكملة وقرار مجلس الأمن الدولي 2014 والتي تصب جميعها في حفظ وحدة اليمن وأمنه واستقراره, ومحاربة الفساد بكل أشكاله ووسائله وتوجيه عجلة الاقتصاد الوطني نحو النمو والتقدم.. إنها مهام صعبة لكنها لن تعجز هذا الشعب الصامد الصابر المرابط وقواه الوطنية المخلصة، يجب أن تكون الرؤية واضحة المسار محددة المعالم بدأ بإعادة هيكلة المؤسسة الدفاعية والأمنية على أسس وطنية ومهنية، مروراً بمد جسور الحوار عبر مؤتمر الحوار الوطني وأن تكون من أهم أولويات العمل الوطني في المرحلة القادمة تحسين الوضع المعيشي الاقتصادي لكل أبناء الشعب اليمني والقضاء على آفة الإرهاب الحقيقي والمفتعل الذي يدير معاركه مع الولايات المتحدة الأمريكية على أرض اليمن واستهدف أمنها وأبنائها وجيشها والخاسر الوحيد هو الوطن.
إن التلاحم الأسطوري بين شباب الثورة وكل فئات الشعب لإنجاح المرشح التوافقي يضع الأخير تحت طائلة الفعل الوطني الثوري والمسئولية التاريخية والأخلاقية، تحتم عليه أن يبذل أقصى درجات الوسع لتحقيق تطلعات وطموحات الشعب اليمني وتحقيق كامل أهداف الثورة مع إدراكنا لما يواجه المشروع الوطني من العديد من التحديات والكثير من العراقيل والصعوبات، ليس أقلها ثقافة الفساد والاستحواذ التي كرستها سلطة ما قبل 21 فبراير.
علي محمود يامن
الرئيس هادي.. التلاحم الوطني والمسئولية التاريخية 2377