بدأ شعور الأمريكان بخطر التيارات الإسلامية" على وجه الخصوص المتطرفة منها" بعد11/ سبتمبر/عام2011، حيث مثل حادث11/ سبتمبر/عام2001 مفاجأة للشعب والرئاسة الأمريكية فاندفعت الإدارة الأمريكية إلى حلول آنية (ظهرت في شكلها العام انتقامية أكثر من كونها حرباً) قائمة على ذلك الغموض الذي كان يغطي رؤية الأمريكان للأحزاب والحركات المؤثرة في الواقع السياسي العربي ويرجع ذلك لاستناد هذه الرؤية على أسس وأسانيد مغلوطة وغير حقيقية في أغلبها لأسباب كثيرة يعود بعضها إلى الآتي :
1. التخوفات الأمريكية والأوروبية للفكر المسيطر على هذه الأحزاب والحركات السياسية.
2. صياغة هذه الرؤية على أسس واهية مثل اعتبار هذه المكونات السياسية بدائية ومتخلفة.
3. التخبط الواضح في المواجهة الأمريكية للحدث المفاجئ لاحتوائه على عنصر المفاجأة والخطر المحدق غير المتوقع بالأمن القومي الأمريكي، مما ترتب على ذلك الخروج في صياغة هذه الحلول والأساليب للخروج من الأزمة عن الإطار القانوني الأمريكي والدولي، حيث ذهبت السياسات الأمريكية للترتيب لحربين بما تضمنت كلا هاتين الحربين من إهدار للأنفس وسلب للحقوق وانتهاك للحريات طالت مجتمعات وشعوب عريقة ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل وصل إلى تحقيق تأثير واضح على بناء الحضارات الإنسانية منذ قديم الزمان.
4. استناد القرار في شن إحدى هاتين الحربين على أسباب ومبررات غير صحيحة وخاطئة قد يكون السبب في ذلك الخطأ التعجل والتسرع في التعامل مع الموقف الذي يناسب خطورة الحادث المفاجئ ويبتعد عن التأني اللازم للوصول إلى القرار السليم الذي به ستتجنب السياسات الأمريكية مخالفة المبادئ والقواعد القانونية سواء كانت الدولية أو المحلية.
5. اهتزاز صورتها الدولية التي كانت ترسم لها على أنها حامية للحقوق والحريات الأساسية للإنسان والمدافعة عن النظام الديمقراطي في دول العالم حتى وإن كان ذلك بهدف تحقيق مصالحها وأهدافها المتعلقة بها وتحولها إلى دولة مارقة لا تحترم حقوق الإنسان وتسجلها المنظمات الدولية المعنية بحقوق وحريات الإنسان على رأس قائمتها، باعتبارها الدولة الذاهبة في أعلى درجات الانتهاك لإنسانية الإنسان.
وللوقوف على الموقف الأمريكي من ثورات الربيع العربي لابد من توضيح في بداية الأمر أن هذه الأحداث التي أضفت بظلالها على العام الماضي هي نتاج سياسات أمريكية تتعلق بالقضاء على (الإرهاب) الذي صار الشاغل الأكبر لصانع القرار السياسي الأمريكي، حيث يمكن توضيح وجهة نظرنا حول الأمر كالآتي:
أولاً: سياسات حققت مصالح الأنظمة السياسية العربية.
ثانياً: سياسات حققت مصالح الشعوب العربية.
وفي تقديري أن هذين الأمرين مع تعارضهما من حيث التفاصيل إلا إنهما يتكاملان ليحققا في نهاية الأمر صورة كاملة للسياسات الأمريكية في الوطن العربي لمواجهة الإرهاب ولتوضيح هذين الأمرين بشكل مفصل نبين ذلك كالآتي:
أولاً: سياسات حققت مصالح الأنظمة السياسية العربية:
وهي السياسات الآنية التي اتبعها مصدر القرار السياسي الأمريكي بعد حادث سبتمبر20011 مباشره وتميزت بالاتي:
1. سياسات آنية.
2. تحقق دفاع سريع وفاعل لمواجهة خطر داهم على درجة عالية من الخطورة على الأمن القومي الأمريكي.
3. لا تعتمد في صياغتها وتنفيذ القرارات المنفذة لها على الدراسات العلمية والأمنية المتأنية.
ولذلك جاءت هذه السياسات معتمدة على عنصر المواجهة والحسم في مواجهة (الإرهاب) وقد حققت هذه السياسات خلال وبعد تنفيذها مصالح العديد من الأنظمة السياسية الحاكمة للدول العربية والنامية وأهم هذه المصالح:
1. تحسين العلاقات الأمريكية مع هذه الأنظمة السياسية .
2. دعمت استقرار الأنظمة السياسية وسيطرتها على مقاليد الحكم.
3. قوت شوكة هذه الأنظمة في مواجهة الأحزاب والحركات المعارضة وعلى رأسها الإسلامية.
4. طورت من الآلة العسكرية لهذه الدولة ورفدتها بالخبرات العسكرية وساهمت في تطوير قدراتها العسكرية والمخابراتية.
وحيث أن هذه السياسات قامت على اعتماد عنصر المواجهة والحسم وتميزت بالغموض في تحديد أفكار العدو يدعم ذلك الخوف من الإسلام والمسلمين بصفة عامة واعتبارهم بعيدين عن التحضر والتطور ووصفهم بالتخلف والبدائية، إلا أن حادثة 11/سبتمبر/2001 رغم ما ترتب عليها من أخطار وانتهاكات لمكونات الأحزاب والتيارات الإسلامية فإن لها فؤائد لا يمكن إنكارها أهمها:
1. تعريف المجتمعات الغربية والأمريكية بتعاليم الدين الإسلامي وسماحة الإسلام ورغبة الغرب والأمريكان في التقرب من تعاليم الإسلام وثقافة المسلمين للتعرف على مفردات هذا الدين.
2. لعلى من ضمن تلك الفوائد الترحيب بما يقوله الإسلاميون ودراسة أطروحاتهم حول معالجة الواقع الإسلامي في سبيل محاولة التقليص من خطورته على الأمن القومي الأمريكي.
3. توحد الخطاب الإسلامي دولاً وشعوباً نخباً وسياسيين حول أحداث 11/سبتمبر/2001، حيث كان يصنع هذا الخطاب مبررات أمام الأمريكان تتعلق بالواقع العربي الذي يتميز بانعدام المناخ الديمقراطي وانتهاك الحريات وسلب الحقوق والبطالة والأسباب الأخرى المتعلقة بالتخلف العربي.
ولم يكن هذا الخطاب قاصراً على ممثلي الأحزاب والحركات الإسلامية بل حتى المسئولين عن النظم السياسية العربية الذين كانوا يعددون هذه الأسباب في إطار حديثهم لتبرير العنف الصادر من الشباب العربي في مواجهة الأمريكان والأجانب كنتيجة للشعور بالظلم ومسئوليتهم عن المشاركة بجزء كبير ومؤثر في صياغة الأنظمة السياسية الحاكمة للدول العربية والنامية ودفعها لتغيير سياساتها المتعلقة بهذه الأنظمة في اتجاه تحسين المناخ الديمقراطي والسياسي وتحسين المستوى الاقتصادي والاجتماعي الذي ينشاء في ظل هذه الأنظمة.
وكنتيجة منطقيه للاستماع لهذه الأطروحات التي كانت تطرح من أطراف عدة بما في ذلك ممثلي الأنظمة السياسية ذاتها وبحسن نية( حيث كانت تعتقد أن هذه الأطروحات في صالحها) دون إدراك الآثار السياسية لذلك .
ولأن الأمريكان يأخذون هذا الطرح على جانب كبير من الجدية ويقومون بدراسته المتأنية والعلمية ويصيغون من خلاله السياسات الأمريكية تجاه الأنظمة السياسية الحاكمة لهذه الدول فقد تغيرت السياسات الأمريكية من وجهة نظرنا الخاصة بالشكل الآتي:
أولاً: تغيرت السياسات الأمريكية في تحقيق مصلحة الشعوب العربية بعد أن كانت تحقق مصلحة الأنظمة السياسية القائمة على إدارتها من قبل.
ثانياً: قامت هذه السياسات على احترام الإنسان وتوفير حرياته وحفظ حقوقه الأساسية وصياغة مناخ ديمقراطي يحفظ له حياة كريمة.
ثالثاً: تضمن هذه السياسات المشاركة الفاعلة لكافة أفراد فئات المجتمع في هذه الدول في إدارة وحكم شؤون دولتهم واقتسام الثروة الوطنية وفق مبادئ دستورية عليا.
رابعاً: قامت هذه السياسات على قاعدة دستورية هامة كانت مفقودة في هذه الدول هي قاعدة " التبادل السلمي للسلطة" وقد كان فقدان هذه القاعدة في السابق وعدم تطبيقها يرجع إلى طبيعة السياسات الأمريكية التي ترسم الإطار العام للأنظمة السياسية في هذه الدول وتحدد العلاقات بين الحاكم والشعوب من ناحية والحاكم والدول المسؤولة عن تحديد السياسات الدولية والإقليمية من ناحية ثانية.
خامساً: وفق نظرة أمريكية معينة فإن هذه السياسات الجديدة للتوجهات الأمريكية الحديثة ستحقق المصالح الأمريكية والأوربية في المنطقة وسنحافظ عليها.
سادساً: ليس ذلك فحسب بل إن من آثار تطبيق هذه السياسات أن تشغل المواطن العربي عن مقاومة العدو الإسرائيلي لينشغل في بناء وطنه والمشاركة في أدارته وحكمه واستغلال ثرواته.
سابعاً: إن هذه السياسات من شأنها أن توظف قدرات الشباب بما في ذلك مكونات الحركات والأحزاب الإسلامية في بناء أوطانها على أسس دستورية وقانونية عادلة وفي إطر حديثة ومتطورة سيترتب عليها آثار إنتاجية واقتصادية وتطور اجتماعي وسياسي لمكونات المجتمعات العربية وبالتالي القضاء على الفقر والبطالة والفساد وهذا يحقق مصالح الدول المؤثرة على السياسات الإقليمية.
ثامناً: من شأن تطبيق هذه السياسات التي تضمن قدراً كافياً من الحماية لحقوق وحريات المواطن العربي الأساسية وتضمن له الحياة في إطار مناخ ديمقراطي والمشاركة العادلة في حكم وإدارة شؤون الوطن وتقاسم الثروة الوطنية، من شأن ذلك أن يحقق الاستقرار في المنطقة ويحمي المصالح الأمريكية والأوروبية والاقليمية في المنطقة.
أستاذ القانون العام المساعد بكلية الحقوق - جامعة تعز
د. ضياء العبسي
السياسة الدولية وثورات الربيع العربي 2553