صباح الفل.. تحدثنا بالأمس عن وزارة التعليم الشعيبي، حيث رأينا لأول مرّة أستاذ الكيمياء التحليلية وهو يعمل كأتوبيس نقل عام لأفراد العيلة الكريمة، أما الدرس المستفاد من هذه القصة العائلية المسيلة للدموع فهو: أمثولة معاصرة في صلة الأرحام، الجانب المظلم فيها: حصل الشعيبي على وظيفة "وزير للتعليم العالي" غير العائلي.. وهذه الوظيفة ليست ضمن النشاط الاجتماعي المنصوص عليه في سنن أبي داوود، ولم يتطرق إليها صاحب كتاب الأذكار، كما أن باسندوه لا يحب أن يذكر غلمَانه الفاشلين بالحقائق البسيطة، بدلاً عن ذلك يتركهم لضمائرهم في بلد كل ما فيه خردة، حتى الضمير.
يحتج، راهناً، موظفو الوزارة ضداً لفلسفة الوزير في إدارة "عمارة الرويني"، يقولون إنه لم يحضر إلى الوزارة سوى لأسبوعين فقط في عمر منصبه الذي تجاوز المائتي يوم، ربما كانت مثل هذه المرافعات غير دقيقة، فالوزير معهم بقلبه ووجدانه، حتى وهو في ماليزيا طيلة الوقت، إذ يبدو أنه من أصحاب الخطوة، وأنه ربما التقى الشيخ شميلة عندما فرش شملته على البحر في عدن وعبر بها المحيط، كما تقول الأسطورة الصوفية، وهو عندما يختفي لفترات طويلة في ماليزيا، لا ينتهك شرف القسم الذي أداه معصوب العينين، بل يمارس عمله الرسالي المقدس: زيارة الأرحام في ماليزيا، وخياركم خياركم لأهله.. هذا الرجل يحمل درجة الدكتوراه في الكيمياء التحليلية، وفيما يبدو فقد حلّلتْ له شهادته أن يحدث كل هذه الإهانة للوظيفة العامة، كما حللت له الوقوف إلى جوار فريق المسخ عندما كان يقتل طلبة قسم الكيمياء أمام المبنى الرئيسي للجامعة.
لننس حكاية الأتوبيس العائلي هذه المرّة، ولنحاول أن نتذكر معاً فصلاً تاريخياً مثيراً على صلة بالتعليم العالي والبحث العلمي، الكتاب الشهير "العبقري المجنون" أو the genius Mad نشر في أميركا لأول مرّة سنة 1955م، كان الكتاب يبيع سخرية نمطية ساذجة من العلماء والباحثين لجمهور مسكون بعقيدة التفوق، على وجه الخصوص بعد دخول العالم في حقبة "الباكسا أميركانا" عقب الحرب العالمية الثانية، بعد عامين فقط كان الروس قد نجحوا في اختراق الفضاء.. أميركا المحصنة بالمحيطات أصبحت الآن تحت العدسة الروسية، شعر القادة لأول مرّة أن بلادهم قد ترهّلت لدرجة الخطورة، تشكلت لجنة اختصاصية لدراسة مشهد التعليم والبحث العلمي في الدولة، أفضت تقصيات اللجنة إلى استنتاج مفزع حمل عنوان: أمة في خطر.. بعد خمسة أعوام، تقريباً، كانت أندية الأذكياء قد تجاوزت الـ1300 نادٍ، ولم يعد كتاب "العبقري المجنون" يبيع نسخاً كثيرة، مع نهاية الألفية الأولى كانت أميركا قد حصلت على 41% من إجمالي جوائز نوبل في مختلف فروع العلم، السيد الشعيبي لا يكترث لكل هذا، ولا يبدو أن هذه المواضيع الكبيرة تنتمي إلى حقل خياله.. حلوة ماليزيا يا شعيبي؟.
موعدنا بكرة، نهاركم سعيد.
مروان الغفوري
أتوبيس العائلة 2907