إن الإحساس بالرضا عن النفس هو المقدمة لطرد شبح الأرق والقلق والتوتر مهما تتعقد المشكلات ومهما تتعاظم التحديات، وهو أيضا جدار الوقاية من أي استفزاز متعمد ومن أي محاولة لإبعاد المرء عن مواصلة السير على الطريق الصحيح. ولكن تدخل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبما وفّرته للانتفاضة من مستشارين عسكريين وإمكانات لوجستية وفرضها منطقة حظر جوي أرسى التوازن بشكل حاسم وغيّر الواقع الميداني مباشرة لصالح الثوار, الأمر الذي أدى إلى إطاحة النظام الليبي .
حيث يمكن القول ببساطة إن مصادقة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على القرار الرقم 1973 في 17 مارس 2011, الناجم عن دعوة مجلس التعاون الخليجي في 7 مارس, بالإضافة إلى دعوة الجامعة العربية في 12 مارس الناجمة بدورها عن الائتلاف لحماية الشعب الليبي (مبادرة أطلقتها قطر, والإمارات العربية المتحدة, والأردن) فتح الباب أمام ذلك التدخل. إن القيام بغارات جوية وعمليات عسكرية مستمرة وواسعة النطاق من قبل قوات الناتو أدى إلى إلحاق خسائر بشرية كبيرة.
لذا فإن غياب العوامل الأربعة بالتزامن مع بعضها البعض التي أنجحت الثورة في تونس ومصر, لم تتوفر في ليبيا, رغم 'كسر حاجز الخوف', وهو أحد العوامل الأربعة التي تم تحليلها في هذه المقالة, وبالتالي انعكس غيابها على الحالة الفوضوية التي تشهدها ليبيا اليوم.
في أعقاب الاحتجاجات الحاشدة التي أضرت بالأعمال وأبعدت السياح يتوقع صندوق النقد الدولي أن تعاني دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا غير المصدرة للنفط والأكثر عرضة للاضطرابات هذا العام مع تباطؤ النمو الاقتصادي إلى اثنين في المائة. بحسب رويترز. ومن المتوقع أن يكون وضع الدول المصدرة للنفط أفضل ويتوقع أن يصل متوسط معدل النمو في 2011 إلى خمسة في المائة.
إن الصندوق يعتقد أن التغيير السياسي الذي يواجه زعماء المنطقة من الممكن أن يساعد في نهاية الأمر الزعماء "على إدراك إمكانياتهم الكامنة" في حالة علاج المشكلات المتعلقة بالحكم وعدم التكافؤ.
إن ذلك سيتطلب إصلاح بعض من المعوقات التاريخية الموجودة بالمنطقة مما سيجعل من السهل على الشركات الانتعاش وتحسين الأنظمة التعليمية غير المتوافقة مع سوق العمل وإصلاح المؤسسات الحكومية المتضخمة وربما خصخصة الشركات الحكومية التي تعاني من الجمود. بشأن الإصلاح السياسي والاقتصادي، يبقى أن نرى ماذا ستكون عليه طبيعة الأنظمة السياسية الديمقراطية التي ستبرز عقب الانتخابات في تونس، مصر، ليبيا، واليمن. في كل الأحوال، هناك تطوران مؤكدان تقريباً ينبغي أخذهما في الاعتبار:
الأول، أن الانتخابات ستفوض السلطة لأحزاب إسلامية، كما سبق وشاهدنا في تونس، مع انتصار حزب " النهضة" الإسلامي المعتدل.
ثانياً، من المرجح أن تؤدي الديمقراطية بالحكومات العربية إلى النهوض لتكون أكثر استقلالية عن النفوذ الأميركي، إنما بإمكانها، على المدى الطويل أيضاً، أن تؤدي إلى مجالات جديدة من المصالح والقيم المشتركة. بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، تبدو الفرص الحالية أسوأ مما كانت عليه من قبل.أشعل الربيع العربي شرارة المخاوف الإسرائيلية من أن تكون المنطقة المستقرة نسبياً على مدى العقود الماضية العديدة قد تحولت ضدهم. وتجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أكثر عزلة من أي وقت مضى. لقد وجد الفلسطينيون طاقة جديدة، لكن من غير الواضح كيف يمكن لذلك أن يعمل في التقدم بإتجاه تسوية تفاوضية مع إسرائيل. بشأن الطاقة، كان السعوديون ومنتجون رئيسيون آخرون قادرين على التعويض عن الفوضى التي تسببت بها الأحداث الليبية. في كل الأحوال، وعلى المدى الطويل، يستلزم الطلب العالمي على الطاقة تطوير احتياطات الطاقة العراقية والإيرانية, ثاني وثالث أكبر احتياطي على الأرض. بالنسبة للولايات المتحدة، وفي حين تقدم الطاقة المتجددة فرصة للتقليل من الاعتماد على الصادرات النفطية، لا يزال الحديث يدور حول الوسيلة الأفضل لتوفير النفط.
إن التزاماً أميركياً قوياً بأمن الخليج سيبقى أمراً حيوياً لاستقرار سوق النفط في المستقبل المنظور. في أمن الخليج، يظل الدور الأميركي ذا شأن رئيس. برغم الاختلافات التي سببت توتراً في العلاقات مع السعوديين ودول خليجية أخرى حول الثورة في البحرين ومصر، فإن العوامل الموحِّدة – كالرغبة بالحفاظ على سوق نفط منتظم ومصالح مشتركة تتعلق بإيران، اليمن، ليبيا، وسوريا – هي التي ستسود وتهيمن برغم ذلك. بالإجمال، قد يستهل الربيع العربي حقبة إعادة تنظيم وتشكيل الخطوط العريضة التي تبرز الآن فحسب. فالفرص المباشرة الحالية تتعلق بـ : استمرار حالة عدم الاستقرار في الوقت الذي تعمل فيه دول إقليمية على فرز وتسوية أوضاع حكمها واقتصاداتها وعلى إعادة تقويم علاقاتها مع دول الجوار وبلدان أخرى؛ وزيادة نفوذ بلدان لديها موارد لدعم سياساتها؛ واستمرار دور راجح للولايات المتحدة إنما مخفف. تتضمن الفرصة على الأمد الطويل أيضاً احتمالية شرق أوسط أكثر حرية. أكثر من 100 مليون عربي ( ثلث العالم العربي) هم أكثر حرية اليوم لأنهم نفذوا من أنظمة ديكتاتورية متحصنة قديمة في الأشهر العشرة الماضية. المشكلة هي ما إذا كان بالإمكان تعزيز هذه الحرية الجديدة وإدامتها من خلال إنشاء مؤسسات ليبرالية وحل المشكلة الاقتصادية.
إن شرق أوسط أكثر ديمقراطيه وازدهار ومسئولية على المدى الطويل، يعد بمنطقة ذات حكم أفضل وأقل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وبالتالي نتيجة إيجابية صافية بالنسبة للمصالح الأميركية. لنتساءل الآن في أية أوضاع تظهر علاقات السلطة، إنها مرئية بشكل خاص عندما يكون ثمة مجال لتنسيق النشاطات المتعددة والمتشعبة بالقوة. فنموذج تقسيم العمل الذي نستعيره من هيوم يبرز هذا الوضع: لدينا مهمة مشتركة وهي مثلاً تنظيف طريق ضيق من أشجار اقتلعتها العاصفة وأدى سقوطها إلى منع الوصول إلى الحقول المحاذية والعائدة لفلاحين جارين. إن ضم الموارد الفردية إلى بعضها، إذا افترضنا أن ذلك أكثر فاعلية من المبدأ القائل (كل واحد لنفسه والله للجميع)، يفترض في آن معاً تخصصاً في المهام التي تدخل كل واحدة منها في سلسلة الوسائل المطلوبة لتحقيق الهدف الجماعي، وتنسيقاً للجهود. فمسألة السلطة تطرح بالنسبة لهذا التنسيق. هل يأخذ التنسيق صيغة التجمع التعاقدي؟ إذا كان الأمر كذلك فإن سلسلتين من النتائج تنجم عن ذلك.
الأولى تتعلق بعلاقات المشتركين فيما بينهم، وبخاصة الطريقة التي يتقاسمون بها الثمار المحتملة لتعاونهم.
أما الثانية فتتعلق بالعلاقات بين المشتركين والمندوبين أو المتمثلين الذين يعينونهم عند الحاجة لقيادتهم ومراقبة الطريقة التي ينفذ بها مشروعهم. لعلاقة السلطة إذن رهانان على الأقل هما: مراقبة عملية التعاون وقسمة الفوائد التي تنجم عنه. لكن التعاون، بدل أن يكون ترابطياً يمكن أن يكون تراتبياً. حتى ولو تشكل الرهان من تقسيم الناتج الناجم عن التعاون ومن مخصصات الأشخاص والأدوار في التعاون ولم يتعلق بالموقع النسبي للمتعاونين، يمكن أن ترتدي علاقة السلطة شكلين على الأقل إما ترابطياً وإما تراتبياً. في نظام التنسيق الترابطي تأخذ السلطة شكل التعليمات والبرامج، أما في نظام التنسيق فتأخذ شكل الأمر، يمكن للتعليمات أن تترك هامشاً من التقدير المهم للمشاركين، الذين يمكن أن يكون لهم قسط مهم في إعداد البرامج. أما الأمر فيصدر من فوق. وهو يهدف إلى إقامة تماثل دقيق بين توقعات القادة وسلوك المنفذين. يمكننا أن نضيف إلى هذين الشكلين شكلاً ثالثاً سنسميه السلطة
--
كاتب مصري دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام
د. عادل عامر
الربيع العربي .... 2681