تنفرد اليمن دون سوى من بلاد الله بعجائب وغرائب ومتناقضات لا حصر لها ومن الغرائب والعجائب التي تنفرد بها اليمن كحق حصري لها أنك تجد عشرات اللافتات لمؤسسات و مراكز دراسات وأبحاث إستراتيجية وثقافية ومستقبلية وسياسية.....ألخ، ولا تعرف من هذه المؤسسات والمراكز سوى اسم رئيسها الذي يكتب مقالاً أو يدلي بتصريح صحفي لا ندوات ولا دراسات تصدر ولا فعاليات تقام ولا إصدارات منتظمة كمجلة ونحوه، كثير من هذه المراكز المعطلة والمؤسسات الوهمية لو بحثنا في أمرها لوجدنا أن من يقف ورائها شخص عاطل عن العمل أو مسئول سابق أو حالي أراد أن يسوي له "برستيج" وأن يذكر اسمه مقروناً بما يمت للفكر والسياسة بصلة حتى يدعى لأنشطة ومهرجانات وفعاليات ومناسبات أو أراد أن يستدر الدعم من السلطة والجهات المانحة والمؤسسات الدولية ومآرب أخرى...
• قلة فاعلة وكثرة غثائية
العبد لله لا ينكر أن هناك فعلاً مؤسسات فاعلة ومراكز أبحاث ودراسات نشطة ولديها برنامج سنوي ونشاط فعلي وإصدارات وأبحاث وتقيم ندوات وفعاليات ولكن هذه المؤسسات والمراكز الفاعلية قليلة جدا مقارنة بهذا الكم الكبير من المراكز الوهمية والمؤسسات المعطلة حتى إشعار آخر...
وعلى سبيل المثال المركز اليمني للبحوث والدراسات الذي يشرف عليه الدكتور/ عبد العزيز المقالح لا بد أن يذكر ولو أن المركز ليس بالمستوى المطلوب ولكنه يؤدي للأمانة دوراً رائعاً في هذا المجال كما أن المركز اليمني للدراسات الإستراتيجية الذي يشرف عليه الدكتور/ محمد الأفندي هو جهد الإصلاح في هذا المجال وهو جهد رائع وكبير ولكن الشعب يريد من الحزب أكثر من هذا..
• مراكز حكومية معطلة
وهناك مراكز حكومية المفترض أن تخدم المجتمع وتكون شعلة من النشاط في هذا المجال ولكن لأن القائمين عليها في غير هذا الوادي ولا هم لهم لا في ثقافة ولا دراسات ولا أبحاث فمن الطبيعي أن فاقد الشيء لا يعطيه كما أن غياب الرقابة والمتابعة تبقي هذه المراكز مجرد مؤسسات فارغة ومباني خاوية ووظيفة للموظفين بها وبرستيج لرئيسها والمدير..
مشاريع طموحة بانتظار الممول
هناك أشخاص لديهم فكر وطموح ويرغبون بخدمة وطنهم بكل إخلاص في هذا المجال ولديهم حماس ونشاط شخصي وجهد فردي رائع وأسسوا مراكز دراسات وأبحاث بأسماء مختلفة وشعارات رائعة وكانوا متخمين بأمل كبير ووعود من جهات كثيرة تبخرت تلك الوعود وذهبت أدراج الرياح ووجدوا أنفسهم وحيدين في مواجهة احتياجات مراكز ومؤسسات تحتاج لميزانيات ضخمة لتقوم بدورها المطلوب في المجتمع السلطة من جهتها خذلت هي الأخرى القائمين على هذه المشاريع أو حاولت تدجينهم واحتوائهم وإفراغ مشاريعهم من دورها الحقيقي وتوجيه نشاطهم لمصلحة الزعيم القائد الملهم...ألخ.
كل هذا مقابل الدعم والتمويل فمنهم من تدجن ومنهم من رفض وأنهى المشروع ومنهم من كافح ليبقى المشروع مستقلاً وبالحد الأدنى من الإمكانيات ويؤدي الحد الأدنى من النشاط وهؤلاء قلة ويعدون بأصابع اليد وهم مناضلون كبار يستحقون أوسمة ونياشين وسيأتي زمان يذكر المجتمع دورهم وجهودهم بالإشادة والإكبار..
• القطاع الخاص خارج السرب
القطاع الخاص بشكل عام يغرد خارج السرب تماماً ولا يفكر مجرد تفكير بدعم مثل هذه المشاريع الثقافية والفكرية مؤسسة السعيد يمكن أن تشكل استثناء في هذا المجال لكن لو قارنا إمكانيات بيت هائل سعيد أنعم بمؤسسة "السعيد" للثقافة والعلوم فإنها بالمحصلة النهائية لم تقدم شيئاً يذكر وهناك شخص آخر يبدو سنظلمه ـ إن لم نذكره في هذا السياق ـ وهو الدكتور/ عبد الولي الشميري ـ سفير بلادنا في مصر ـ والشاعر والمفكر ورجل الأعمال المعروف وهذا الرجل أسس مؤسسة "الإبداع" في اليمن ومنتدى "المثقف العربي" في مصر وتبنى عشرات الإصدارات وأصدر مجلة ثقافية وكان لمنتداه قبل سنوات في مصر نشاطاً رائع ثم توقف لظروف سياسية ومادية ويحاول الآن العودة من جديد ثم إن مؤسسة الإبداع تضاءل نشاطها وعكف القائمون عليها على موسوعة أعلام اليمن ومثقفيه وهو عمل جبار وهناك نسخة الكترونية منها ولكنها لم ير النور بعد على هيئة كتب كما أن الأستاذ أحمد قائد الأسودي يمكن أن يضاف أن يسجل اسمه بأحرف من نور في هذا المجال وعلى قدر إمكانيات مركز القرن الواحد والعشرين للتجديد البسيطة إلا أن الرجل شعلة من النشاط يحاضر ويكتب ويصدر " صناع الوعي" كمجلة متابعات شهرية ويراسل النخبة ومن يعرفهم على هواتفهم برسائل نصية فكرية كاملة الدسم ولديه حرقة ورغبة حقيقة لعمل شيء يخدم الناس وهو يكاد يكون استثناء في هذا المجال..
• لافتات لإستدرار الدعم
هناك مراكز ومؤسسات تشفط دعم من جهات من الشرق والغرب ولا تقدم شيئاً يذكر وإن أقامت فعالية بين الحين والآخر فهي فعالية في موضوع بعيد عن اهتمام الناس ومطالب الشعب وهي في النهاية فعالية موجهة بحسب ما يطلب الممول ولا تخدم لا النخبة ولا العامة وإنما تخدم من يريد تدمير هوية هذا الشعب وتفتيت قيمه..
• مركز الدراسات في البيت !!
في مشهد من فيلم "التجربة الدنمركية" لعادل إمام الذي قام في الفيلم بدور شخصية وزير الثقافة الذي يزور مركزاً ثقافياً ويجد رئيس المركز وقد جاء بعائلته وأصحابه للسكن في المركز ويجده المركز الثقافي قد تحول ل "غرزه" ( مكان لشرب الحشيش والشيشة) ولمكان لتربية الخرفان والماعز تذكرت هذا المشهد عندما ساقتني الأقدار ذات مناسبة للجلوس بجوار أحد رئيس مركز دراسات من هذه العينة ودار بيننا الحوار التالي:
- ما أخبار المركز يا أستاذ ؟
- لا جديد
- أين الأنشطة وأين الفعاليات والإصدارات ؟
- ما فيش دعم
- طيب وليش مستأجرين مقر وزحمة ولوحة ؟!
- ما فيش مقر اللوحة هي فوق بيتي علشان أصحابي اللي يجيئوا عندي يعرفوا أن هذا بيتي..
- أين دور الجهات المعنية ؟!!
أقول : لو كانت كل هذه المؤسسات المسماة ثقافية ومراكز الدراسات الحكومية والأهلية لها نشاط حقيقي وفعلي لارتقت على الأقل بمستوى تفكير النخبة وتوجهاتها ولأحدثت طفرة معرفية في الواقع كما إنني أتساءل عن الدور المطلوب من وزارة الثقافة والجهات المعنية هذا المجال في تفعيل ودعم مثل هذه المراكز وتفعيلها إن كانت قابلة للتفعيل ولدى القائمين عليها فعلا برنامج ورؤية ورغبة حقيقية في خدمة المجتمع وينقصهم التمويل كما لابد من المتابعة والرقابة كما ينبغي إغلاق المراكز والمؤسسات التي لم توجد إلا لتكون مجرد " برستيج " لصاحبها أو لافتة للتسول وهي بهذا الواقع تسيء للثقافة والفكر وإعادة النظر فيها أمر حتمي نضعه في هذا المقام أمام وزارة الثقافة والجهات المسئولة أما دور وزارة الثقافة بحد ذاتها فهذا حديث يطول ولنا معه وقفات قادمة ..
محمد مصطفى العمراني
يحدث في اليمن فقط .. مراكز أبحاث ودراسات لم تصدر دراسة ولم تجر بحثاً!! 3041