عندما يسعى الحوثيون للسيطرة على نصف محافظات الشمال لا لشيء إلا لكونهم من سلالة البطنين الأحق بالولاية و الزعامة، فهم يكررون حكاية (شعب الله المختار)، الذين يعتقدون أنهم أسياد البشرية وما سواهم مجرد "غوييم" وخدم لليهود، أما إذا اعتقد الحوثي وأتباعه أن لهم الحق في السطو والسيطرة والقتل والنهب لأنهم كانوا ضحايا ومظلومين في ست حروب شنها النظام السابق عليهم، فهم أكثر حماقة من أولئك الذين اعتقدوا أن فلسطين ستكون لهم (وطناً قومياً)، لأنهم كانوا ضحايا محرقة وهولوكوست النازي هتلر التي أودت بحياة الملايين منهم حسب زعمهم إبان الحرب العالمية الثانية.. وذلك لسببين أحدهما أن غالبية اليمنيين باتوا على يقين أن الحوثي طوال تلك الحروب لم يكن ضحية بقدر ما كان شريكا مع الرئيس السابق في صفقة قذرة أودت بحياة الآلاف من الأبرياء وشردت عشرات الآلاف منهم ونجم عنها العديد من المآسي و الكوارث التي ليس من السهل تجاوز آثارها في سنة أو سنتين، والسبب الثاني أنه حتى لو افترضنا جدلاً كما يحاول الحوثي أن يسوق نفسه مظلوماً و في موضع المجني عليه من قبل نظام صالح فإن ذلك لا يمنحه حق الادعاء بالوصاية على مختلف المناطق والمحافظات المجاورة لصعدة والسعي الدائم لإشباع غريزته في التوسع بقدر ما تسمح له إمكاناته وأسلحته والدعم المشبوه الذي يحصل عليه، ناهيك عن محاولته الحثيثة لاستنبات فكره الضال وممارساته الطائشة في مناطق بعيدة عنه وعن مذهبه الجديد، إما باستخدام العناصر الضالة والمنحرفة أو بتصدير أفكاره المسمومة اعتماداً على تردي أوضاع الناس المعيشية واستغلال حاجة البعض منهم للمال أو الظهور على قنوات المد الشيعي الإيراني، وقد وجد ضالته في هؤلاء الذين يبدون استعدادهم للقيام بأي شيء مادام يصب في مصالحهم الشخصية التي أمنها لهم الحوثي، و ما دام في الأمر تفريغ لشحنة كراهية ضد الثورة أو أي مكون من مكوناتها، ولاحظنا كيف تحول بعضهم إلى مبشرين بدعوة الحوثي ورسلاً يحملون أفكاره وملازمه.
وفي الوقت الراهن شرعت القوى السياسية في العملية السياسية التي ترتكز في الأساس على الحوار باعتباره الطريقة المثلى لتجنيب الوطن مآلات الصراعات و الحروب التي كان يخطط لهان، بينما لا يزال الحوثيون يعملون خارج سياق النص وعلى الضد من التوجهات التي توافق عليها غالبية القوى السياسية والمكونات الثورية، إذ لا يزال يصر على حمل السلاح والتهديد به لإثبات وجوده وسيطرته وإجبار الآخرين على التعامل معه لا بوصفه إحدى القوى والتيارات السياسية بل بوصفه دولة أخرى اقتطعت لها مساحة شاسعة في مساحة الدولة الأم، ما يعني أن على القوى المتحاورة أن ترضخ لابتزازاته المتواصلة واستفزازاته المستمرة.
جلّ ما يمكن أن يقدمه هذا الحوثي لليمنيين يتمثل في فكرة رئيسة مفادها أنه و سلالته هم المخولون بتمثيل الدين والقيام بدور الوسيط بين الخالق والمخلوقين، لأنهم كما يزعمون "آل البيت"، مع أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يورث مثل هذه الفكرة لأي من أقاربه وآل بيته الطاهرين، فكيف سوغ هؤلاء لأنفسهم و راحوا يدعون ما يطلقون عليه الحق الإلهي؟.
هذا فيما يتعلق بجانب الدين، أما ما يتعلق بالممارسة السياسية فهم يزعمون أن فكرتهم وحدها صاحبة الحق المطلق ولا يحق لغيرهم أن يزعم أنها باطلة أو أن شيئاً من الضلال يعتورها، بل إنهم لن يتوانوا في قذف من يخالفهم بكل الأوصاف السيئة والشتائم الهابطة، لأنه فقط خالفهم في زعمهم امتلاك صك الحقيقة، تماماً مثلما يفعل اليهود حين يتهمون من يشكك في أقاويلهم وأفكارهم بالعداء للسامية حتى لو كان هذا الخصم سامياً خالصاً فلن تشفع له ساميته عند أدعياء الحق من بني صهيون، وتلك كارثة الفئات الضالة التي تعتقد أنها صاحبة الوصاية على الدين والزعامة على البشر اعتقادا أنهم هم البشر الأرقى، ورحم الله الشاعر عبد الله البردوني حين قال:
قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا
وحين يجول الحديث بخاطر الحوثيين عن التركيبة الاجتماعية يأتي الإفصاح منهم عن كونهم – وحدهم ولا أحد سواهم- أصحاب المقام الرفيع في هذه التركيبة وذوي الحظوة المبجلة في التسلسل الذي يفترضونه بناء على عنصرية تقوم على السلالة والطبقية والطائفية والمذهبية، وكل ما سواها من الأمراض التي تجعل من هذا الكائن مرضاً خطيراً و وباءاً فتاكاً.
فؤاد مسعد
أدعياء الحق الإلهي و شعب الله المختار!! 2546