لم يغب علماء اليمن عن المشهد اليمني بمختلف مجالاته في يوم من الأيام، بل كانوا في صدارة المشهد وكانوا سباقين لطرح الرؤى والمبادرات والحلول التي وصلنا لها الآن وإن تجاهل الإعلام جهودهم ولم يحتف بها ويروج لها عكس فئات أخرى، فالواقع يؤكد أن علماء اليمن وخصوصاً البعيدين عن السلطة والأحرار والمستقلين كان لهم دوماً موقف مشهود ورؤية شرعية من مختلف القضايا والأحداث التي مرت بها اليمن.
• هناك تقصير من العلماء.. ولكن!!
يعترف علماء اليمن بأن هناك تقصيراً من قبلهم ولم يقل أحد بأننا قد فعلنا كل ما ينبغي علينا أن نفعله لهذا الشعب ولكن الحقيقة أيضاً أن للعلماء جهوداً دعوية وفكرية وتربوية، هناك خطب، محاضرات، بيانات حول الواقع، برامج في التلفاز، مؤتمرات حول الأحداث، فتاوى، كتابات، آراء وأفكار، إصدارات (كتب، أشرطة، مطبوعات، ومنشورات).. وكثير من علماء اليمن له صفحة خاصة به في موقع " منبر علماء اليمن " وكثير منهم لديه صفحة خاصة بالفيسبوك ويكتب ويبدي رأيه ويقدم الرؤى الشرعية حول الأحداث ويجتهد ويبلغ وينصح وتتفاوت جهودهم بحسب ظروف كل واحد منهم.
• جهود علماء اليمن خلال الثورة
من الإنصاف القول أن علماء اليمن ليسوا كما نريد ولا كما يريد فلان ولا على مزاج فلان، هم يجتهدون، يصيبون ويخطئون وتقع منهم أخطاء ويجري عليهم الزلل، قد لا تجد كثيراً منهم في مقدمة المسيرات ولا يتصدرون بعضهم المظاهرات، لكنهم موجودون بتأييدهم لهذا العمل الثوري ومباركتهم له وقد يكون لهم عذر في تغيبهم الجسدي عن تلك الفعاليات وخلال أحداث الثورة في العاميين الماضيين رأيت كثيرا منهم في المظاهرات والفعاليات وكان لهم نشاط وخيمة بساحة التغيير وكثير منهم أيدوا التغيير وباركوا الثورة ونظروا لها وأصلوا لها شرعياً وواجهوا المستبدين وتعرضوا لحملات شعواء وشتموا وسبهم بعض الجهلة والمرتزقة ودفعوا الثمن غالياً وحوربوا وطوردوا ومع هذا مازال بعض الناس يتهمهم بأنهم ليسوا مع الشعب وأن هموم الناس ليست من أولوياتهم.
• أين واجب الدولة نحو العلماء ؟!
والغريب أن من يهاجم العلماء ويسخر من الدعاة لم يطالب الدولة يوماً أن تهتم بهم وتوقف عليهم الأوقاف وتخصص لهم الرواتب وتسخر لهم الإمكانيات، لكي يقوموا بدورهم على الوجه المطلوب، يعني يريد البعض من العالم والفقيه أن يتصدر المظاهرات ويتقدم المسيرات ويكتب ويؤلف ويحاضر ويصدر المؤلفات ويقارع الظلم ويصدر البيانات ويوزعها وهو "محيرف" مديون للبقالة وللناس ونريده أن يجتهد ويقدم الرؤى الشرعية للأمة وقد قال أحد العلماء قديما : (قيل لي لا يوجد في بيتك دقيق فطارت من رأسي خمسين مسألة) بعض العلماء لا يوجد معه ثمن إصدار كتاب ولا حتى قيمة شراء كتب لكي يبحث ويحقق ويؤصل وإنما يكافح ويناضل لكي يعيش وعائلته الكفاف ومع هذا يؤدي دوره كعالم بما يقدر ويستطيع و(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
أغلب علماء اليمن بلا إمكانيات بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها هذا المجتمع وكاتب هذه السطور يعرف علماء فطاحل وفقهاء مجتهدين ولديهم عشرات المخطوطات ولديهم أفكار ومشاريع ولكن لأنهم فقراء وبلا إمكانيات لم يستطيعوا إخراج جهودهم للنور وللناس وبعضهم والله لا يمتلك مواصلات لكي يخرج للجامع الفلاني ليلقي محاضرة أو يذهب للمنطقة الفلانية لكي ينصح الناس ويعظهم ويوعيهم.
• صورة المراد تعميمها عن العلماء
علماء اليمن يهاجمهم بعض النكرات في بعض الصحف الصفراء ويسخر منهم الحاقدون ويشتمهم المرضى ممن أعمى الله أبصارهم وبصائرهم من الذين يعملون دوماً على تشويه العلماء والنيل من مكانتهم وتحقير جهودهم وإظهارهم بمظهر المتخلفين عن العصر الغائبين عن واقعهم الغير مدركين للأحداث والغير متفاعلين معها بشكل إيجابي، هؤلاء الكتاب الذين يشكلون طابوراً خامساً تطفح كتاباتهم يحاولون تقديم علماء اليمن للرأي العام على أنهم متخلفون جامدون متعصبون كهنوتيون دراويش غائبون عن الوعي وفقهاء سلطان يزينون له الباطل ويخدرون الشعب بخطاب ديني مضلل وو...ألخ.
• أهداف الحملة على علماء اليمن
طبعاً هذه الحملة التي نراها على صفحات بعض الصحف الصفراء والمنابر الإعلامية المشبوهة ليست عفوية وإنما مخطط لها ومرتبة بعناية وينفق عليها من بعض الجهات الأجنبية لكي تؤدي هذه الأهداف:
1ـ لكي ينفض الناس عن العلماء فإذا دعوا لفعالية أو طالبوا الشعب بموقف لا يستجيب لهم فيتم تمرير المخططات والأجندة التي تتبناها تلك الجهات الأجنبية وتريد لها أن تمر دون أي مقاومة تذكر أو ردة فعل تحبطها وتوقفها.
2ـ لترهيب العلماء الذين يقولون كلمة الحق عن التصدي لمخططات علمنة اليمن وعلمنة دستورها ومناهجها المدرسية وتشريعاتها القانونية كما تخطط بعض الجهات من خلال مشروع الدستور الجديد الذي سيطرح في مؤتمر الحوار الوطني القادم.
3ـ لكي يحجم العلماء عن تقديم الرؤى والأفكار التي تسهم في تصويب وترشيد السياسات الرسمية وتصحيح الأوضاع في المؤسسات العامة فيتخلف العلماء عن مواكبة المستجدات والمتغيرات والأخذ بزمام المبادرات في تقديم البدائل الشرعية والحلول لمشاكل البلاد بدلاً عن الأفكار والحلول المستوردة.
4ـ لكي يتم عزل علماء اليمن عن مجتمعهم وتحطيم منزلتهم في قلوب عموم الناس فيتجرا عليهم الصغير والكبير وتسقط بسقوطهم هيبة الشريعة الإسلامية التي يحملون لواءها، فتتراجع مكانتها في قلوب الناس ومن ثم يسهل إقصاؤها كمرجعية للدستور وللشعب.
5ـ لكي يخلو المجال للجهلة وأصحاب الأهواء والانحرافات والشهوات من الذين يفتون بغير علم وحسب الطلب وبما يؤدي لاختلاط الأمور وإلباس الحق بالباطل وخلق حالة ضبابية عند الناس فيتشككون في ثوابت الإسلام وأحكامه ومعالمه.. (تقتضي الأمانة العلمية الإشارة إلى أنني في هذه الفقرة "حول أهداف تشويه علماء اليمن " استفدت بتصرف يسير من بعض ما كتبه الدكتور/ إسماعيل السهيلي في كتابه الأخير "فخ الدولة المدنية وعلمنة اليمن").
• لنكتب عن العلماء بإنصاف وموضوعية
علماء اليمن ليسوا فوق النقد ولا هم ذوات مقدسة ولا هم ملائكة معصومون من الخطأ ولكن ينبغي الكتابة بمهنية وموضوعية وبمنهجية علمية وتحري الدقة والإنصاف والمناصحة بالحكمة والاعتراف بالحقائق وعدم تتبع الزلات والكبوات والبحث عن الأخطاء ونسيان الإيجابيات والتركيز على السلبيات وتضخميها بحيث يتحول الشبر إلى باع والسنتيمتر إلى ذراع، قال تعالى : (ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) وقال تعالى : (ولا تبخسوا الناس أشيائهم).
• العلماء بلا منبر إعلامي مؤثر
لا يمتلك علماء اليمن منبراً إعلامياً قوياً قادراً للوصول لكل الناس وليسوا متكتلين في كيان واحد، لأسباب سأتطرق لها في مقال قادم، لكن هذا التفرق والتقصير منهم وتهميش الإعلام لهم لا يبيح أعراضهم ولا هو مبرر لشتمهم والسخرية منهم وقد قرأت لأحد هؤلاء النكرات يقول ساخرا (لحوم العلماء مجففة) وهو يريد سخرية من المقولة : (لحوم العلماء مسمومة) وغيره كثير للأسف طابور خامس من المرتزقة الذين يشحذون أقلامهم وألسنتهم ضد العلماء ولم يجلسوا مع عالم ولم يتحاوروا أو يتناقشوا مع داعية معروف وكل ما فعلوه أنهم استلموا الوسخ وبيضوا وجوههم عند أعداء هذا الشعب.. فهل عرفتم من هم الذين يهاجمون العلماء ؟!! وما هي أهدافهم ؟!.
محمد مصطفى العمراني
علماء اليمن بين تجاهل الإعلام وسخرية الأقزام !! 2484