;
د. محمد حسين حلبوب
د. محمد حسين حلبوب

الزعيم و رقصة الثعابين القادمة 2251

2012-11-11 03:09:36


في مايو 1990م, استلم الرئيس السابق / علي عبدالله صالح مقاليد الحكم في الجمهورية اليمنية والوحدة الوطنية في أرقى درجاتها والسلم الاجتماعي في أحسن حالاته، حيث كان لطوعية الوحدة, واقترانها بالديمقراطية, أثر حاسم في خلق تفاؤل كبير أدى إلى تشجيع رأس المال ــ المغترب على وجه الخصوص ــ إلى التسابق نحو الاستثمار في اليمن.
لكن (الرئيس) ارتكب خطأ سياسياً فادح حيث كان لانحيازه ــ في أغسطس 1990م ــ إلى صف (صدام حسين), تداعيات اقتصادية خطيرة، فقد أدى ذلك إلى توتر العلاقات مع دول الخليج العربي نتج عنها عودة (739) ألف مغترب يمني, وانقطاع تحويلاتهم المالية التي كانت المصدر الرئيس لتغطية الواردات, مما تسبب في اختلال شديد في ميزان المدفوعات, نتج عنه تدهور شديد في سعر صرف العملة المحلية, وظهور موجات حادة من التضخم.
وللهروب من دفع (الثمن السياسي) لهذا (الخطأ الفادح) استخدم (الرئيس) وسائل المكر والخداع السياسي لدفع اليمن نحو (رقصة ثعابين) قاتلة، فأدخل اليمن في أزمة سياسية حادة, ظل يراوغ فيها لأكثر من عامين كان خلالها (يشتري الزمن) للإعداد والتجهيز للحرب ويسعى لإيقاع (الخصم) في أي (خطأ) لتبرير إعلان الحرب عليه. ونال مبتغاه, وانتهت الحرب بانتصاره فيها في 7 يوليو 1994م.
وبدلاً من معاقبه (الرئيس) على ما اقترفه من (أخطاء فادحة), فقد منحه الانتصار في حرب صيف 94م مكافأة قيمة, حيث تم تعديل الدستور ليمنحه سلطات (ملكية) لا حدود لها، أما (الثمن السياسي) لأخطاء (الرئيس) فقد دفعها (الجنوب) و (الحزب الاشتراكي), حيث تم طردهما من السلطة وحرمانهما من الثروة طوال الفترة من 94م حتى يومنا هذا.
لقد انخفضت حصة (الجنوب) في السلطة الرئاسية من (40% إلى صفر%), وفي السلطة التشريعية من (46%) إلى (19 %) وفي مجلس الوزراء من (54%) إلى (25%), وفي السلطة القضائية من (46%) إلى (25%)، وتم إقصاء وتهميش (113,604) عساكر, و (60,812) موظفاً وقيادياً مدنياً من أعماله. وتم نهب الجنوب وتدمير مؤسساته, وتعميم الظواهر السلبية والمتخلفة في الشمال على الجنوب.
كما دفع الشعب اليمني بشماله وجنوبه (الثمن الاقتصادي) لأخطاء (الرئيس)، حيث ارتفعت نسبة الفقر من (19%) في عام 1992م إلى (42.8) في عام 2010م، وارتفعت نسبة البطالة الكلية (السافرة والموسمية) من (19%) إلى (46 %) ــ خلال نفس الفترة.
وساهم المجتمع الدولي هو الآخر في دفع جزء من (الثمن الاقتصادي)، ففي يناير من عام 1996م, تم انعقاد أول مؤتمر لمساعدة اليمن في العاصمة الهولندية (لاهاي), وحصل (الرئيس) في هذا المؤتمر على (دعم) مادي بأكثر من ملياري دولار، و(دعم) معنوي كانت (حكومته) بأمس الحاجة إليه لتجاوز تداعيات حرب صيف 1994م.
كذلك انعقد مؤتمر ثان في العاصمة البلجيكية بروكسل في عام 1997م, تعهد المانحون خلاله بتقديم منح وقروض ميسرة بما قيمتها (2.2) مليار دولار وانعقد مؤتمر ثالث لدعم اليمن في العاصمة الفرنسية (باريس), في عام 2002م, تمخض عنه إعفاء اليمن من سداد حوالي (84%) من إجمالي ديونها الخارجية، أي ما قيمته (8.2) مليار دولار. وفي نوفمبر 2006م, عقد المؤتمر الرابع للمانحين, بالعاصمة البريطانية (لندن) تعهد المانحون خلاله بتقديم (5.7) مليار دولار.
وكنتيجة لنجاح (الرئيس) في خداع المجتمعين اليمني والدولي وتحميلهما تبعات أخطائه، فقد شجعه ذلك على التمادي في المكر والخداع والانتقال من (التجزئة) إلى (الجملة)، فاستخدم قضية (صعدة) لابتزاز (السعودية) للحصول على الدعم المالي, واستخدم قضية (القاعدة) لابتزاز (أميركا) للحصول على الدعم السياسي، واستخدم قضية (الجنوب) لابتزاز (الشمال) للحصول على (حكم مؤبد) ينتهي (بالتمليك).
وحتى بعد اعتراف حكومة (الرئيس) (بالفشل الاقتصادي) في بداية عام 2010 م, واعتراف قواته المسلحة بفشل (الحسم العسكري) في معركة (صعده), واعتراف أجهزته الأمنية (بفشل الحل الأمني) للقضية الجنوبية, فانه لم يستسلم واستمر بالمراوغة والخداع, وكاد أن يخرج منتصراً وينال مكافأة (قلع العداد) بعد نجاح (خليجي 20).
وعندما جاءت (رياح) الربيع العربي بما لا تشتهيه (سفن) (الرئيس), وخرج أكثر من (5) ملايين مواطن في (17) محافظة يمنية للمطالبة برحيله, وانشق عنه معظم أفراد القوات المسلحة والأمن, وأهدرت القبائل دمه بعد ارتكابه (العيب الأسود), وتخلت عنه دول الغرب والشرق, وتقدمت دول الخليج بمبادرة تشترط (تنحيه), فإنه لم يستسلم وحاول تكرار (سيناريو 1994م).
لقد حصر الرئيس السابق المشكلة في (أولاد الأحمر, واللواء علي محسن, وحزب الإصلاح) دون الآخرين، وحاول ــ عملياً ــ التحرش بهم وتفجير (الحرب) معهم, على أمل أن يستدرجهم إلى (خطأ سياسي) فادح يمكن أن يقلب موازين القوى لصالحه كما نجح في ذلك عام (1994م) لكنه لم يفلح.
وعلى الرغم من فشل مراوغاته تلك واضطراره إلى توقيع (المبادرة الخليجية) و (التنحي) عن منصبه كرئيس للجمهورية بتاريخ 23 نوفمبر 2011م, إلا أن حصوله على الحصانة القانونية الشاملة من الملاحقات القضائية, وتمسكه بالرئاسة الحزبية, وامتلاكه لثلاث قنوات فضائية, واستمرار أقربائه وأنصاره في مواقعهم القيادية, قد أبقاه لاعباً أساسياً في الحياة السياسية اليمنية.
ومؤخرا لاحظنا انتشار شعارات (الحوثيين) في المناطق الخاضعة لنفوذه, وسمعنا مغازلته لهم عبر قنواته الفضائية, وقرأنا عن احتضانه لعناصر محسوبة عليهم في قيادة حرسه الجمهوري.. لذلك نعتقد ــ كما يعتقد الكثيرون ــ بأنه قد استأنف نشاطه السياسي بالتحالف ــ غير المعلن ــ مع (الحوثيين)، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بان (الزعيم) ــ كما يسميه أنصاره ــ لم يتوقف عن (الرقص فوق رؤوس الثعابين) وانه الآن يغير (جلده) استعداداً (للرقص) على (الموضة) السياسية الإقليمية, المتمثلة (بالاستقطاب الطائفي) بين السنة والشيعة.
إن (الاستقطاب الطائفي) في اليمن خطير للغاية، فقد يحل بديلاً عن (الاستقطاب السياسي) وهذا الأمر سوف يدمر التعددية الحزبية التي تمثل أساس الحياة السياسية المتحضرة.
طالما وصالح يحصر المشكلة في (حزب الإصلاح, واللواء/ علي محسن صالح, وأولاد الأحمر), فهذا يجعل تحالفه و(الحوثيين) أكثر إغراءً، ويزداد (إغراء) هذا التحالف بالنظر إلى جانبه العسكري، حيث يمكن لميليشيا (الحوثي) (الشيعية) أن تعزز بقايا (الحرس الجمهوري) الموالية (للزعيم) بالروح المعنوية وبالأفراد، كما يمكن (لبقايا الحرس الجمهوري) أن تعزز ميليشيا (الحوثي) بالسلاح الثقيل, والتمويل الحكومي, والتوظيف (الرسمي) للميليشيات.
وهكذا يتضح بان (الزعيم) يستعد بقوة (لرقصة الثعابين) القادمة، ومع ارتفاع أصوات (الطبول), نسأل الله اللطف حتى لا يتحول (الرقص) إلى (برع).
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

عدنان العديني

2024-05-20 00:34:14

ماذا يريد الحوثي؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد