;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

تجريم الكذب السياسي 2198

2012-12-12 04:51:34


من الضروري أن يتم تجريم الكذب السياسي وأعني بتجريمه أن يصبح خيانة مسقطة لمن يقع فيها من ممارسة العمل السياسي، ومن العمل العام ومن العضوية المكتسبة في المجالس المحلية والنيابية أو من عضوية الوزارة أو رؤساء مؤسسات الدولة وقادة منظمات المجتمع المدني، وأن يتم تجريمه في الدستور والقوانين النافذة وعبر مواثيق الشرف للمهن ومؤسسات الإعلام الأهلية والحكومية، وأن تتضمن تجريمه مناهج التربية والتعليم وبرامج الأحزاب السياسية وأن يكون هناك ضمانات كافية لعدم ممارسته أو الالتفاف عليه.
من الضروري أن يكون هذا التجريم متضمناً في الدستور وأن تكون الجريمة السياسية في محلها الحقيقي، فهي لا تقل من الجريمة الجنائية، فإذا كانت الجريمة الجنائية تصيب فردا أو مجموعة من الناس بالقتل، فإن الجريمة السياسية تصيب شعباً بأكمله في مقتل، وتصيبه بالشلل والكساح وسائر أمراض التخلف، من المهم أن تكون جريمة الكذب السياسي ضمن جرائم الخيانة العظمى حتى لا يتسلط طاغية على الوطن مرة أخرى، وحتى لا يأتي من يستبد بالناس وحتى لا يأتي دجال يتبختر أو طاغوت يتجبر؛ لأن الكذب السياسي هو الذي يجعل الدعاية الانتخابية كلها زور وكذب ودجل ومشاريع وهمية وأحجار أساس خادعة، حتى أن الإنسان يستعيذ بالله من كثرة الكذب الذي كان يمارسه دجاجلة النظام السابق في أيام الانتخابات بصورة مخزية.
من الضروري أن تتضمن وسائل الإعلام في ميثاق شرفها وقوانين مهنتها وأنظمتها العامة والخاصة تجريم الكذب السياسي، باعتباره جريمة أخلاقية تمتد بشرها لتطال كل شيء في الحياة، فتتسمم الحياة حين يتحول المسئول الأول إلى الكذاب الأول تعرف أن كلامه عكس ما يقول فإذا قال بحماية المتظاهرين فإن تطبيقات ذلك ستكون انتهاكات لا تخطر على بال، وجرائم لم يتخيلها الشيطان نفسه، كما حدث في محرقة تعز من إحراق للمعاقين.. وإذا ادعى القبول بالحوار فستكون التطبيقات أشياء أخرى تظهر في صور متعددة وأشكال متنوعة كلها تصب في ثقافة القبح والتدمير والخراب والتدمير، وهكذا يتحول الكذب السياسي إلى لون من الدمار الشامل لا يبقي شيء في الوطن إلا أفسده، وقد رأينا كيف تحول التلفزيون في النظام السابق إلى عنوان كبير للافتراء والكذب، وكيف كان مسئولو الدولة في ذلك حين ذاك يقولون الزور وعلماء السلطان يفترون الكذب، وإعلاميو قنوات النظام يكذبون بلا حساب، واليوم لا يبالون أن يمارسوا دور المعارضة، وهم يشاركون بنصف الحكومة، فمثل هذا كيف يكون؟.
من الضروري أن تتضمن مناهج التعليم تجريم الكذب السياسي والتشنيع على الدجالين السياسيين حتى لا تقع الأجيال ضحية لكذب الدجالين من جهة وحتى نحاصر أولئك المتسلقين من مدمني النفاق الاجتماعي، أولئك الكذابين لا يخجلون أن يمسحوا الأحذية لكل من تولى السلطة، فهم مثل حمار السلطان مهما علاه من سلاطين فهو يبقى حمار، يقبل الذل ويرتاح للضيم، وهذا يعني أن هؤلاء التحوت يتحولون إلى سرطان اجتماعي يوهمون أي متولي للسلطة أنه لم يأت الزمان بمثله، وهم يرونه غير متعلم ولم يدخل مدرسة ولم يتخرج من كلية ولم يقرأ كتابا، إن على مناهج التعليم أن تقوم بواجبها في فضح مظاهر النفاق الاجتماعي وبيان مساوئ الكذب السياسي حتى تنشأ الأجيال على رفض من يقع في الكذب السياسي أو ينافق من يقع فيه.
من الضروري أن تتضمن برامج الأحزاب السياسية تعهدات كافية بعدم ممارسة الكذب السياسي وأن ممارستها له مسقط لأحقيتها في العمل العام، وأن الحزب الذي يمارس الكذب السياسي والتضليل والخداع والغش مطرود من العملية السياسية؛ لأن العمل السياسي في الأصل وجد لنفع الناس؛ بمعنى أن المفترض فيمن يتصدون للعمل العام أنهم قد ندبوا أنفسهم لنفع المجتمع لا للإضرار به، ولجلب مصالحه ودرء المفاسد عنه، لقد زرع النظام السابق الفساد في العمل السياسي حتى أصبحت كلمة سياسي لا تفرق كثيرا عن كلمة كذاب، ومن كثرة ممارسة النظام السابق للكذب صار المجتمع لا يصدق ما يقوله المسئولون حتى ولو كانوا صادقين؛ لأنه زرع الشك والريبة في كل شيء بسبب ممارسته المستمرة للكذب السياسي، تلك الجريمة التي جعلت الحياة السياسية موبوءة ومستنقعاً وسخاً يجب تطهيره بإبعاد الكذابين من ممارسة العمل السياسي؛ ليعود للعمل السياسي ألقه ورونقه، كما كان يمارسه الزبيري والنعمان.
من الضروري أن تضع الدولة في معايير وظيفتها العامة براءة صاحبها من الكذب السياسي، وهكذا إذا لم يخف المسئول من الله في ممارسته للكذب السياسي يخف من العزل من وظيفته، وبذلك نجعل الوظيفة العامة مكان التزام بالكلمة التي تصدر عن المسئول، وحتى تعود للكلمة المسئولة مكانتها ومنزلتها، لقد أفسد النظام السابق الوظيفة العامة بزرع مجاميع من المنافقين السياسيين في المواقع المهمة للدولة، وبتمكينهم من مفاصل الحكم، فصارت الوظيفة العامة نهباً للأموال ومجالاً للثروة المحرمة، من خلال الممارسة الفاجرة للكذب السياسي، واليمن الجديد مطالب بأن يجعل الوظيفة العامة مكان احترام لالتزاماتها وتعهداتها، وأن يجعل من يشغلونها مقدرين لكلماتهم، وأوفياء بتعهداتهم، أو العزل والرحيل.
ملحوظة مهمة:
إن الكذب محرم في شريعة الله قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (105) سورة النحل وقال الله تعالى: {فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} (61) سورة آل عمران، فالكذب جريمة دينية من الطراز الأول، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" رواه مسلم..
تأمل سيدي القارئ الكريم في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يصدق ويتحرى الصدق" لمن يستقيم، وقوله: "يكذب ويتحرى الكذب" لمن يفجر ولا يلتزم، ثم تأمل في الواقع، تعرف من يكذب ويتحرى الكذب، وتعرف من يصدق ويتحرى الصدق.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد