;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

ربيع العالم بميلاد النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم 1636

2013-01-16 15:30:11


مثل الغيث المغيث النافع ينزل بالحياة على الأرض على شدة الحاجة, فيحيا به كل شيء، كان ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، غيثا أغاث الناس على فاقة، غيث جاءهم وهم في ظمأ إليه أنهكتهم سنوات العطش الطويلة، غيث تضمن كل الخير فنزل به، واشتمل تمام النعمة فجاء بها، غيث ضم كمال الدين فتم به، وفي الحديث الصحيح: " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً ..." ولعلنا نعود إلى هذا الحديث في مقالة أخرى إن شاء الله تعالى.
ومثل الحياة حين تدب في الجسد فيتحرك في الخير بعد سكون عنه، ويعي دوره وواجبه بعد أن ضل في غياهب الأوهام والظنون، ويعقل بعد أن كان في أقصى حالات الجنون، ويهتدي بعد أن عمت الضلالات حياته الباطنة والظاهرة، جاء الإسلام روحا تحيي الحياة كلها قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (52) سورة الشورى.
مثل النور الذي يضيء الطريق، وينير الأبصار البصائر، قال الله تعالى: {يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا (45) وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا (46)} سورة الأحزاب.فاستفاقت البشرية على صبحها الكبير، صبحها الكبير الذي طال انتظاره وزاد تشوقها إليه، وأشرقت على العالم كله شمس الهداية التي لا تغيب حتى تغيب الحياة البشرية ويزول الوجود الإنساني عن هذا الكون الكبير.
إن ربيع العالم تحقق حين أذن الله بميلاد أحمد صلى الله عليه وآله وسلم ربيع بعد ليل طال واستطال، طال فشمل النفس والمجتمع والدول، واستطال فسمم الحياة في جوانبها المختلفة عقيدة وشريعة وسياسة ومالا وأخلاقا، ظلمات غشيتها ظلمات، ومظالم ركب بعضها فوق بعض، فأذن الله تعالى بميلاد السراج المنير، سراج يحرق الظلم بسيف الجهاد، ويبدد الظالمين بعقوبات الشريعة، ومنير نير الدروب للحياة فتسير في نعمة الله برحمة الله، وتعيش في أرض الله بشريعة الله، وتبسط عدل الدين الحق على العباد فتسود الحرية في العالم إذ لا معبود إلا الله والناس جميعا حكاما ومحكومين كلهم يخضعون لشرع الله، وكلهم يعبدون الله تعالى ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، لقد كان ميلاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ربيع العالم كله بل ربيع العالمين، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحمة للعالمين.
إن سوء تصرف المسلمين اليوم هو المسئول بدرجة كبيرة عن الصد عن سبيل الله عز وجل، فأعمال المسلمين لا تتمثل الرحمة التي بعث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بل تشوه الصورة الحقيقية للإسلام، وهو ما مكن أعداء الأمة المسلمة من إضلال العالم بمحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام، فالإسلام الذي يحرم القتل يقتل المسلمون بعضهم بعضا باسمه اليوم، في جهالة تذكرنا بأيام الجاهلية، والإسلام الذي يوجب صلة الأرحام ويلعن من يقطعها بنص كتاب الله عز وجل {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) } سورة محمد. يقطع المسلمين أرحامهم باسمه، ويعصون آباءهم وأمهاتهم بدعوى اتباع تعاليمه، الإسلام الذي يحرم الغيبة وهي ذكرك أخاك بما يكره في حال غيابه، يقتل المسلمون باسمه بعضهم بعضا، في تصادم ظاهر مع معاني الرحمة ومعاني النعمة التي جاء بها الدين، "فأصبحتم بنعمته إخوانا".
إن هذه التصرفات هي مخالفات شرعية وهي أيضا صد عن سبيل الله، فماذا يقول الناس عن تصرفات تظهر فيها الجموع تضرب نفسها بالحديد، وتدعي ذلك دينا يقرب إلى الله، أو تعتدي على الحرمات والأموال والدماء ثم تدعي أن ذلك من دين الله، وااسفاه ما أكثر ظلم المسلمون اليوم للإسلام، وما أسعد أعداء الإسلام بما يقدمه بعض المنتسبين للإسلام من خدمة للصد عن سبيل الله.
بينما رجل أجنبي يسير في ليلة مظلمة مطيرة باردة في قرية من قرى الهند، فطرق الباب على أول بيت صادفه، فتح صاحب البيت الباب، فشكا الرجل الغريب إلى صاحب البيت ما يجد قال له: أنا وأبنائي وزوجتي في البرد والظلام والمطر. رحب صاحب البيت بالرجل، وأدخله الغرفة، لقد تصور الرجل الغريب أن البيت كبير جدا، وفيه غرف كثيرة، حتى أن صاحب البيت لم يتردد للحظة وأدخله الغرفة، وفي الصباح يفاجأ الرجل الغريب حين خرج من الغرفة أن البيت كله مكون من غرفة واحدة، وأن الرجل الهندي خرج من غرفته بعياله وزوجته ليدخل الرجل الغريب، تملكت الدهشة الرجل الغريب واستبد به العجب وسأل صاحب البيت: ما الذي حملك على مغادرة الغرفة في الليلة المطيرة الباردة المظلمة لرجل غريب لا تعرفه؟ فأجابه الرجل الهندي: إنه نبيي الذي أمرني بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه". وبدأت أسئلة الرجل الغريب تتوالى تباعا عن النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وعن هذا الدين العظيم، وبدأ الرجل الهندي المسلم المتقي يجبه، ولم ينته اللقاء بينهما حتى كان الرجل الغريب قد دخل الإسلام.
 هل هناك دعوة إلى دين الله عز وجل أحسن من فعل هذا الرجل الهندي، إنه الإسلام حين يصبح سلوكا لا صرخات بالموت تقتل المسلمين قبل أن تقتل أعداءهم، وتصد عن الإسلام بدل أن تحث الناس على الدخول فيه، الرجل الهندي بطاعته لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتمثل الأمر النبوي فعلا وممارسة هو الداعية الحقيقي، بالرحمة نتملك القلوب فقد جبلت القلوب على حب من أحسن إليها، وجبلت كذلك على بغض من أساء إليها.
إن تمثل أخلاق الإسلام تظهر لنا جمال ديننا، وتعبر التعبير الصادق عن روح هذا الدين، وعن المعاني التي جاء بها، عن الخير الذي في طياته وعن الحياة الطيبة التي تنتشر في كل كلماته وأحكامه، يراها الناس بأعينهم كائنا ماثلا للعيان، وهو ما تحقق لأول مرة، حين خرج الصحابة رضي الله عنهم يفتحون الأمصار ويهدون الخلق إلى دين الحق، كانت دعوتهم إلى الله في أساسها بالتعامل والأخلاق، فأسلم الناس ودخلوا في دين الله أمماً وشعوباً، لم يتحول الصحابة إلى مترجمين من العربية إلى غيرها من اللغات وهم الذين فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، فكيف أسلم الناس إذن؟ لم يتفرغ الصحابة لدراسة لغات الشعوب التي فتحوها ليتمكنوا بذلك من دعوتهم إلى الإسلام فكيف آمن الناس بالإسلام؟ آمنوا بالإسلام ودخلوا فيه طواعية لأنهم رأوا الإسلام سلوكا وتعاملا، رأوا الإسلام معاملة تجعل الخليفة يقول لقبطي من عموم المواطنين في الدولة الإسلامية: اضرب ابن الأكرمين، وتجعل الخليفة العادل يقول للقائد المنتصر فاتح مصر: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
إن ذلك التعامل الكريم وتلك المعاملة الحسنة وهاتيك الأخلاق العظيمة هي التي جعلت أمم الدنيا وشعوب العالم تدخل في دين الله أفواجا، وهي التي جعلت الأمم تتعلم اللغة العربية وتترك لسانها طواعية لأنها أحبت الله عز وجل بما رأته من تمثل الصحابة والتابعين رحمة الإسلام وعدل الإسلام وأخلاق الإسلام. لقد أرسل نصارى الشام إلى أبي عبيدة أمين الأمة وإلى من معه من جيوش المسلمين: يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا من الروم. كما ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق.
وقد أسلمت شعوب شرق آسيا بلا قتال ودخلت الملايين في دين الله عن طريق معاملة التجار الحضارم لأهل تلك البلاد، أدرك الناس من خلال المعاملة أن الدين الحق هو دين الإسلام، جذبهم التزام التجار الحضارم بأخلاق الإسلام فدخلوا فيه طواعية، فهل يدرك شباب المسلمين المتحمسين له دور الأخلاق والمعاملات وأهميتها في الدعوة إلى الله، وهل يراجع العلماء أنفسهم فيقدمون صورة حقيقية عن الإسلام تقوم على الرحمة، وتبنى على الرأفة بالمؤمنين، وبهذا يقدمون للإسلام أفضل ما يستطيعون تقديمه، لأن الإسلام كائن جميل يحتاجه الناس كما يحتاجون الهواء، ولكن يصدهم عنه سوء التصرف الذي يمارسه المسلمون ويصدهم عنه استغلال أعداء الإسلام لهذه التصرفات التي لا تمثل الإسلام بل تمثل أهلها وأصحابها حين يقدم الغرب الخوف من الإسلام إلى شعوبه بذريعة ما يحدثه بعض المسلمين من أعمال.
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبه أمته إلى مخاطر استغلال أعدائها لتصرفات المسلمين للصد عن سبيل الله فحين قال ابن أبي وهو رأس النفاق وزعيم المنافقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتل ابن أبي جزاء مقالته الكافرة الفاجرة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه".
 إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوضح لعمر وللأمة من بعده كيف يسوِّق أعداء الإسلام الأخبار للصد عن سبيل الله، سيحرفون الخبر تماما، وينقلون صورة مغايرة لما حدث، وسيروجون الافتراء بأن محمدا يقتل أصحابه، برغم أنه يوجد من المسلمين من يقوم بأمر الدين خير قيام، وينصرون الإسلام بتمثل الرحمة التي فيه، والأخلاق التي جاء بها، ويقومون حياتهم على أن دين الله شامل كامل يشمل مظاهر الحياة جميعا طولها وعرضها، لا يلتفتون إلى ذلك وإنما يضخمون أخطاء تقع من أفراد قليلين من المسلمين، فيصدون بهذا التضخيم للأخطاء الناس عن دين الله ويصد المنافقون في الداخل الإسلامي المسلمين عن الالتزام بالإسلام بتصوير الإسلام عدوا للحياة والفن والجمال والسياحة والاقتصاد، وهم إنما يعنون حرب الإسلام بما يقولون وبما يفعلون، يساعدهم في ذلك غباء بعض المسلمين وعدم إدراكهم ما وراء الأحداث،فما أعظم هديك يا سيدي وحبيبي يا رسول الله، فأنت لم تترك خيرا إلا وأرشدتنا إليه، وحثثتنا على فعله، ورغبتنا فيه، ولم تدع شرا إلا ونهيتنا عنه، حذرتنا منه، فالخير كل الخير في حسن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففيه سعادة الدارين.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد