مات حسين يوسف /مات مطرب الحي الذي لايضاهي صوته أحدا حتى ولو بعد مئة عام / مات العندليب الأسمر الشاجي والضمير الحي لكل كلمة كتبت على صحائف صحفنا وعلى جدران قلوبنا وعلى أرصفة ذاكرتنا / اليوم وبكل أسف ننعي الكلمة الطيبة التي نزلت من الجنة وأودعها الله سبحانه وتعالى في جوفه وفي قلمه وفي قلبه وفي نقاء سريرته البسيطة السهلة المتواضعة / مات العندليب الأسمر حسين يوسف علي في ارض الكنانة في بلد العندليب يا لتوافق الأقدار وتناغمها عندما تريد ان تعطي أحدا فضله ..فعندليب الغناء مات ولم يمت صوته بعد واحسبه لن يموت / وعندليب الإعلام الرياضي حسين يوسف مات جسدا ولن يموت الامن ضمائر وذاكرة وقلوب صدئة ماتت قبل ان تنبض .
حسين يوسف حكيم في قلب طفل / عظيم في ثوب مسكين / جامعة مكتملة الفصول والمناهج في زي مدرسي / وصحفي رياضي مكانه الحقيقي حاملا للعلم علما ومعلما لكنه رضي وسعد بمقعد في الصفوف الخلفية / سبقته الفئران والجرذان والزواحف الى الكراسي الفاخرة وهو يردد بضحكته الساحرة قيمة الكاتب قلوب الناس وارتفاع رصيدهم من الاعجاب وليس الوظيفة أو الوجاهة أو متع الدنيا .. كان يحسن مضغ السعادة وهضمها في عيون الناس ورضاهم فيما يكتب ..وكلنا نختلف ونتخالف الا عند حسين يوسف الجميع يعود للوراء للإنصات لرأيه فلم يكن أحدا من الجميع أكثر مصداقية وواقعية في طرحة لأية مسألة رياضية كحسين يوسف ..يا سبحان الله كان يرحمه الله يفصل تماما بين عواطفه / قناعاته / انحيازه / رأيه الشخصي إذا امتطى صهوة القلم وسال اللعاب الحبري منه .
عرفته قبل ان اعرفه من كتاباته الصادقة والصريحة في إعلامنا الرياضي ولم أزل طالبا ثانويا ..قبل ان تجمع الأقدار بيننا في رحلة وتزاملا طوى أكثر من خمسة وثلاثين عاما ..في تلك المدرسة والجامعة الرياضية الأولى (14 أكتوبر ) عندما كان نائبا للأستاذ محمد عبدالله فارع /رحمهما الله جميعا/ وكنا كتاكيت امام (ديك الجن الدمشقي ) حسين يوسف / كنت في تصحيح البروفات / قبل الالتصاق به وشفط رحيق كتاباته النقية وغير المدنسة من أية تعصب أو تحيز أو انتماء ..وكنا نعلم ان دمه ازرق وعاشقا للموانىء والفنارات والمرافي .. الا انه مثل الملوك ذوي الدم الأزرق الذي يرتقي ويعلو ويسمو ولاينزل للحضيض ولا تحكمه الأهواء
كم اكره الكتابة بحبر اسود وكم أحس بالتقصير والنقص الذاتي عندما يمتزج العقل والوجدان بحزن مقيم وواجب فرضته الأيام والسنون والتعلم من منهل رحل وترك مجراه قائما فينا .
آخر مرة رأيته فيها مع العزيز احمد حسين الحسني في البنك الاهلي لرهن عقار البيت المملوك في التواهي /منزله السكني والعائلة/ وذهب ومصوغات أمه وزوجته لإيفاء وتوفير احتياجات العلاج الى القاهرة برفقة الكابتن علي موسى .. كان الموقف يحرم على اي منا المزاح والمداعبة التي اعتدنا عليها منذ ايام الثمانينات .. والحالة تفرض على الجميع الصادق في مشاعره والرافض للواقع المهين الذي نعيشه ولا نحرك ساكنا الا في حركة شفاة خفية ودعاء سري اللهم استر علينا دنيا وآخرة ..ولاتعرضنا لما نكره .. ولا تجعلنا في موقف شفقة الناس علينا حتى وان كانوا من فصيلة النبلاء والمحترمين الذين وجدناهم جميعا هناك ..والله العظيم أقول الحق أنها المرة الأولى التي لم اضحك في وجهه منذ خمسة وثلاثين عاما ..ولم استطع ذلك بالرغم من كل الإغراءات التي عملها المرحوم لأنه أحس بحالتي وخروجي عن الجاهزية تماما .
كم هو صعب وقاسي ان تجد من علمك وطورك وحباك كابن له ..في حالة كهذه وأنت تجر ذيول العجز إمامه دون ان تحرك ساكنا عدا دمعات تحجرت في المأقي رافضة الانصياع ..لكن لم أكن انتظر وأتوقع انه كانت آخر عهدنا به لم أكن أتصور ان حالته صعبة وفي وضع وزمن أصعب ..ياعالم بكرة نرثي من ..أو قد يكون الدور علينا اللهم لا اعتراض.
عيدروس عبدالرحمن
عيدروس عبد الرحمن
مات العندليب ..الكاتب والأديب ! 1783