الفكاهة فن من فنون الكلام لا يحتمل الخلط أو التخصيص، شأنه في ذلك شأن فنون الكلام الأخرى التي يجب أن تبقى نقية واضحة، بحيث تعطى معنى وتحدث فائدة وتصنع هدفاً وتعلم قاعدة وتشرح مفهوماً غامضاً، فحتى الفكاهة يجب أن تستخدم كأداة من أدوات التعلم واكتساب المعرفة ولا ينبغي أن يتم التعامل معها كوسيلة لإحداث الضحك فقط، لأنها إذا أصبحت خالية من المضمون تحولت إلى صورة من صور الهرج والمرج الذي يكسب قلة القدر والاحترام وربما وصلت إلى درجة المجون من الكلام وهذا كله موجب لغضب الله على المرء.. لذا نسمع عن النكتة السياسية والأخرى التعليمية وثالثة شعبية.. وهكذا حتى وصلت إلى جانب ضيق من التوصيف، فنسمع عن نكات المحششين، أصحاب عُتمة والصعايدة.. وإن كنت أعترض كثيراً على تلك النكات التي تصف أقواماً بما ليس فيهم تنابزاً وغيبة وسخرية وهذا لا يرضي الله عزوجل وإنما جُعلت النكتة أو الدعابة وسيلة من وسائل إدخال السرور على النفس في أنبل صورة وأرقى تعبير وبما لا يسمح بإحداث معصية أياً كان نوعها أو حجمها ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة، فقد كان يمازح أصحابه محدثاً السرور ومحققاً لفائدة تربوية تبقى درساً عملياً لا يمكن أن تمحوه رياح النسيان..
اليوم أصبحت النكتة تستخدم إعلامياً لتحقيق أهداف غير ملحوظة للعامة، لكنها واضحة جداً أمام إدراك الخاصة من السياسيين والحكام وأصحاب القرار، كونهم معنيين بأوضاع سياسية واجتماعية تعانيها شعوبهم، بينما يبقون منها في موقف المتفرج الذي لا يملك الحيلة لتغيير ما يحدث أمامه من منكر أو باطل.. لهذا أصبحت النكتة ممغنطة وجاذبة لاهتمام الناس، كونها استطاعت التعبير عن همومهم ومعاناتهم مع أحوال أوطانهم الاقتصادية والسياسية، خاصة ما يتعلق منها بدهاليز المخابرات والأمن القومي وكل ما يتعلق بالفناء الخلفي للسياسة وأهلها.
والحقيقة أن نجاح الدعابة أو النكتة لا يتوقف فقط على مهارة المختصين بطرحها أو من جبلتهم طباعهم على استخدامها كوسيلة تعبيرية دائمة عن ما يدور حولهم من أحداث يومية، بل إن نجاحها يتوقف على من يتلقاها ويستوعبها ويحاول ربطها بواقعه المعاش وفي ظرف زمني قصير لا يتعدى ثواني معدودات وهذه هي النكتة الناجحة المؤثرة التي تحدث التفاعل اللفظي والمعنوي بين القائل والسامع أو بين من يصنع النكتة ومن يستخدمها بالشكل الصحيح، والنكتة أو الدعابة في تعريفها اللغوي عبارة عن مجموعة من الألفاظ المقرونة بحركات أو مواقف مثيرة للضحك أو الاندهاش، على أن تكون تلك الألفاظ خارجة عن مألوف الكلام أو تحمل فكرة جيدة وتؤدي إلى تحسين التوقع المعنوي وتغيير مسار اللحظة الكلامية إلى الأفضل وربما كان لهذا الفن اللفظي متخصصون ومحترفون، لكن ذلك لا ينفي تفرد (بفتح التاء والفاء وتشديد الراء) بعض المجتمعات بالنكتة واستخدامهم لها كوسيلة تعبيرية ناجحة للسيطرة على مواقف إنسانية معينة، فالمجتمع الصنعاني مثلاً مجتمع نكتة ويتميز بالطرافة وخفة الدم، بعكس مجتمعنا التعزي الذي يميل إلى الجدية والمشاكسة في أغلب الأحيان.. وعلى كل حال تبقى الدعابة وسيلة وليست غاية وأداة فاعلة في التخفيف من حدة الواقع بكل متغيراته السلبية أو الإيجابية.
ألطاف الأهدل
ما هي النكتة؟! 1784