;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

حوار ابني آدم يرسي منهجين 1962

2013-03-20 15:26:45


إن التعامل مع المشكلات له منهجان تم إرسائهما في بداية الوجود الإنساني، منهج معتدٍ يمثله قابيل الذي يعلنها صريحة لأقتلنك، قال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (27) سورة المائدة.. ومنهج سلمي يمثله هابيل الذي يعلن التمسك بالسلمية حتى لو بسطت يد العدوان عليه بالقتل، قال الله تعالى عنه: {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} (28) سورة المائدة.. وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم: "لا تقتل نفس ظلماً إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها؛ لأنه أول من سن القتل" ومعنى الكفل الجزء والنصيب.. والأمر كذلك في كل سنة حسنة أو سيئة، جاء في صحيح مسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء".
منهج لأقتلنك ومنهج ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك:
إن هذين السبيلين، سبيل الحوار والسلام وكف اليد عن الاعتداء، وسبيل العنف والعدوان وبسط اليد بالأذى امتدا عبر الزمان والمكان في مسيرة الإنسان، ولكن الله تعالى حكم على القاتل في هذه السورة بحكمين لا ينفك عنهما من يقع في جريمة القتل فردا أو جماعة، حكم بالخسران، {فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (30) سورة المائدة. وحكم بالندم، والحسرة، قال الله تعالى: {فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (31) سورة المائدة.. وعزز هذين الحكمين بحكم ثالث في سورة الإسراء بقوله تعالى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء، فجعل التمسك بالسلام والسلمية هو السبيل لبلوغ وعد الله "إنه كان منصورا" وما كان ربك نسيا، ومن أصدق من الله قيلا.
إن العنف عبء على صاحبه، والسلام روح وراحة في عاقبته، وإن كان مراً في بدايته، وحين وقفت قريش تندب حظها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم ينتظرون القصاص العادل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحاورهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ سؤال حق بلسان رسول الحق، ويمر شريط العنف والقتل والطرد والإقصاء والتشريد والملاحقات والتعذيب الممتد لنحو عشرين عاما، فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم؟ وهم من قالوا عنه أنه كذاب ووصفوه بأنه ساحر ورموه بالجنون وقاتلوه وقتلوا عمه ومثلوا به وسفكوا دم أصحابه في مواطن كثيرة، عندها اختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التسامح والتصالح وبناء الدولة وتجاوز الجراحات العميقة والكثيرة، وارتفع إلى أعلى درجات الخلق العظيم عندما قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وهكذا انتهى حوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم إلى إرساء السلام، وإلى فتح شرايين التسامح، واتجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاستكمال بناء الدولة، وتفرغ لمواجهة المخاطر المحدقة بها، وصب جهده كله في التصدي للعدو الخارجي الذي يجيش الجيوش، ويحشد الجموع، ويبذل كل ما يملكه ويقدر عليه لحرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فاتجه نحو هوازن التي كانت تمثل خطراً عسكرياً حقيقياً على دولة الإسلام، وهو ما يجب التنبه له دوماً، فهناك عدو خارجي يحيك المؤامرات ويحشد الجموع ويجيش الجيوش ويبذل الأموال للقضاء على الأمة.
كل هذا يجعل من الحوار الوطني الشامل طريقاً صائباً، وسبيلاً محموداً للوصول إلى الحل ليكون الجميع جزءاً من الحل، بما يخدم اليمن وحتى لا تتاح الفرصة لجماعات العنف والقوى الإقليمية المتربصة باليمن من تنفيذ مشروعاتها التدميرية في يمن الإيمان والحكمة، سنتحاور على حل المشكلات وسنتعاون على التوصل إلى الحلول المرضية وسيعالج مؤتمر الحوار كل الأخطاء إن شاء الله تعالى، وسيدعم المجتمع اليمني بكل فئاته وأطيافه الحوار، وستكون السلطة المحلية داعمة ومؤيدة لإنجاح الحوار كذلك.
1. الحوار طريق لإصـــلاح ذات الــبين:
إن الأصل في مؤتمر الحوار أنه ميدان يتنافس فيه المصلحون من رجالات اليمن لإصلاح الأوضاع، ومضمار وطني كبير يتعاونون فيه على تصحيح المسار، والله تعالى يقول: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (114) سورة النساء..
قال العلامة السعدي في تفسيره: {أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} والإصلاح لا يكون إلا بين متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن حصره، فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية، وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.. والساعي في الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة، والمصلح لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله، كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا يتم له مقصودة كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}.. فهذه الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء، ولكن كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً}، فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصودة أم لا لأن النية حصلت واقترن بها ما يمكن من العمل.
إن الله تعالى يقول: {فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} (1) سورة الأنفال.. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: "إصلاح ذات البين" قال: "وفساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين" رواه الترمذي..
قال العلامة المناوي في فيض القدير: "إصلاح ذات البين" أي إصلاح أحوال البين حتى تكون أحوالكم أحوال صحبة وألفة، أو هو إصلاح الفساد والفتنة التي بين القوم "فإن فساد ذات البين هي الحالقة" أي الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين، كما يستأصل الموسى الشعر، أو المراد المزيلة لمن وقع فيها لما يترتب عليه من الفساد والضغائن؛ وذلك لما في إصلاح ذات البين من عموم المنافع الدينية والدنيوية من التعاون والتناصر والألفة والاجتماع على الخير حتى أبيح فيه الكذب لكثرة ما يندفع من المضرة في الدنيا والدين التي تورثها فساد ذات البين بتشتت القلوب ووهن الأديان من العداوات وتسليط الأعداء وشماتة الحساد فلذلك صار إصلاح ذات البين أفضل الصدقات.
2. الحوار لحفظ الكليات الخمس:
يقوم الحوار بمهمة حفظ الكليات الخمس المتمثلة في حفظ الدين والنفس والعرض والعقل والمال، وهذه الكليات الخمس تقوم عليها الحياة في الدين والدنيا، وهو ما يوضح أهمية الحوار في حياة اليمنيين ومدى تأثيره على حاضر مستقبل اليمن واليمنيين.
إن حفظ هذه الكليات الخمس هو مقصد الشريعة الإسلامية وهذه الخمس هي مدار الأحكام الشرعية كلها، ومن هنا فإن مؤتمر الحوار الوطني الشامل يعد فرصة كبيرة ومهمة لتعاضد جهود اليمنيين لحفظ هذه الكليات الأساسية في حياة الأمة.
إن اليمن بمؤتمر الحوار الشامل تتجاوز منعطف العنف والاقتتال، والحوار بهذا الاعتبار مضمار حب لليمن ولأهل اليمن، وهو مجال حماية اليمن وللعمل لجلب المصالح وعمارة اليمن، ولدرء المفاسد والشرور عن اليمن، ولنصرة المظلوم بما يعالج الأخطاء ويمنع من الوقوع في الخطايا، فإن التفرق عذاب، والتوحد نجاة من الهلاك، قال الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (103) سورة آل عمران.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد