مهما بدا الإعلام الحديث خالياً من مضامين انتقائية على الصعيد الاجتماعي، إلا أنهُ لا بد أن يصيب بيت القصيد بشكلٍ أو بآخر سواء كان الأمر مقصوداً أو غير مقصود، فلا شك أن أي مادة إعلامية سواءً كانت مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية إلا وتحوي شيئاً من الهزلية الجادة مهما بدت بعيدة عن الواقع، لكنها تبقى قريبة من خيال ينشد الإنسان أن يعيشه اليوم أو غداً أو بعد غد.
بعض البرامج أو المسلسلات أو الأفلام التلفزيونية تحدث ثورة اجتماعية غير مرئية لا تظهر نتائجها إلا في وقت متأخر، خاصة إذا كان الهدف منها غرس أو نزع قيم أخلاقية معينة ولا اعتقد أن أحداً ما يجهل الدور العبثي الذي لعبته المسلسلات التركية أو المكسيكية المدبلجة بقيم المجتمع المسلم سواءً كان عريقاً في ثقافته التكنولوجية أو مستفيداً منها، فالأمر عام وشائع ولكنه قابل للقياس أيضاً.
أحد المسلسلات التي صورت تماسك المجتمعات الصغيرة وقدرتها على مواجهة عدوها عبر وحدة أهدافها واستخدام قيمها الأساسية في إعادة الاصطفاف حول قضاياها دون تمييز، مسلسل "باب الحارة"، فقد كان هذا المسلسل مسرحاً مفتوحاً لقيم الخير والشر والوطنية والحب والطاعة والولاء والقناعة والوفاء وكل تلك المتناقضات البشرية التي تضج بها صدور الناس وتتداولها طبائعهم وسلوكياتهم وغرائزهم بشكل تلقائي على أساس فطري ومرن وشديد الانتماء في نفس الوقت..
كان هذا المسلسل داعماً لمكامن الخير في قلوب الناس بما حواه من تعاون خفي حاول التركيز على قيم البذل والعطاء السامية التي يبقيها البعض بينهم وبين خالقهم هرباً من الوقوع في دائرة الرياء والنفاق والشهرة المزيفة، كما أنه ركز أيضاً على خصوصية العلاقة الأبوية ومقام الأبوين داخل الأسرة والموقع الذي يحتله الأبناء كل بحسب سماته ومقوماته الخلقية على أساس متوازن من المعاملة والبذل والعطاء من قبل الوالدين.
حمل المسلسل أيضاً رؤية واضحة عن ما يجب أن تكون عليه كواليس العلاقة الزوجية وأهمية الوئام والتوافق الذي يمكن أن تحققه هذه العلاقة بين الأبناء والظلال التي تلقي بها على نفسيات الكبار والصغار ضمن هذا المنهج التفاعلي بين الزوجين والذي يبتعد تماماً عن المنهج الانفعالي المتبع بين الزوجين في مجتمعنا اليمني.
أوضح هذا العمل الدرامي أيضاً بنية المرأة الداخلية ونوع مهامها المنزلية ومقاييس النجاح الشائعة والمعروفة في مختلف المجتمعات حول قدرة المرأة على إدارة شؤون منزلها من عدم ذلك.
المسلسل تخللتهُ الكثير من المشاعر التي ما لبثت أن حاكت مشاعر المشاهد وحملتهُ على التفاعل مع أحداثه المتسلسلة بدقة بل أنها دعتهُ للمشاركة في التحليل والتقييم أيضاً على مستوى النقد التفاعلي للمشاهد والذي نستطيع عبره الوصول إلى نسبة نجاح المسلسل جماهيرياً وهذا ما كان بالفعل.
ألطاف الأهدل
باب الحارة.. منهج اجتماعي قابل للتطبيق 1784