بعض ما في الإنسان يناهض بعضه، كل ما فيه من أجهزة وحواس ومشاعر لها أقطاب متشابهة أو متنافرة، فيه ذرات قابلة للاتحاد مع بعضها وأخرى لا يمكن إلا أن تبقى متفرقة، في الإنسان كتلة منقسمة إلى شمال وجنوب، شرق وغرب، ليل ونهار، أسود وأبيض، عتمة وضوء، هذا الإنسان مسكون بأحداث متفرقة يفصل بينها حواجز شفافة من الصمت والضوضاء والفوضى والنظام والتخطيط والعشوائية، نشعر للحظة أن أمراً ما لا يمكن أن يحدث إلا في ضوء فوضى عارمة، بينما لا يمكن أن يحدث آخر إلا حين تتوقف كل الكائنات عن التحليق في فضاء اليقظة، خير يملأ أحاسيسنا وشر ليس إلى الاستغناء عنه سبيل، خير نخلق به وآخر نكتسبه، نستقيه من أخلاق الآخرين حين تكون مساحات الخير فيهم أكبر من تلك الشحيحة في نفوسنا، وأخرى تمليه علينا فطرتنا حين يكون هو الخيار الوحيد، نشعر كثيراً بتسلل العنف إلينا وكأنه لابد من أن نحمل بعض القسوة لنواجه شراسة الحاضر بأسلحته التي لا نمتلكها وأدواته التي نرفض أن نجعلها في حوزتنا.. نحن تركيبة إلهية من مشاعر لأنهاتيه تصبح ناراً وتمسي رماداً، تبيت نفيراً وتصبح أثيراً، لا نتوقف عن مراقبة الصراع الذي تشهده حلبات أرواحنا بين الخير والشر حتى ينتصر الخير دائماً مهما بدت للشر طلائع وكتائب وفيالق.. للخير دائماً نزهة على أرض القلوب، تصبح بعدها مشاعرنا طرية ومرتوية وأقرب للوداعة من دهقنة الرأي وترئيس الأنا، وللشر دائماً طلعات قد تحرق ما تبقى فينا من أخضر النية ويابسها، فقط لأننا لا نحسن امتلاك ناصية الغضب، لا ندرك عاقبة الاندفاع، ليس لدينا خيال خصبة لتصوير الحال بعد حدوث العاصفة، حين يصبح كل ما فينا من جذور متشعبة أكوام رمادٍ تسفي بها الرياح إلى أقصى مكان وأبعد زمان، ليس لدينا أيضاً ذلك الصبر الذي يمنعنا من الجزع وتلك القناعة التي تحول بيننا وبين وقوع السخط.. نبقى في حالة حركة مستمرة حين نفقد القدرة على اتخاذ القرار في الانتماء إلى مواكبة الخير أو الجنوح عنه إلى قوافل الشر رغماً عنا أو عن سوانا ممن يملكون اتخاذ القرار نيابة عنا وفق ما تقتضيه مصالحنا ومصالحهم أيضاً.. نحن البشر كأس ذابت في قاعة قطع السكر وخلاصة العلقم الذي اجترحناه عن شجرة الحياة وحبات الأمل المسكنة لنوبات الألم وبعض النكهات التي صنعتها أيدينا لنستطيع اجتراع الكأس حتى الثمالة.. نحن البشر ساحات معارك بين خير لا يمكن أن يكون محضاً وشرٍ لا يقبل أن يكون كذلك، لذا نخطئ حيناً ونصيب أحياناً كثيرة، لذا نموت وقد أدركتنا قناعة الفناء دون أن نحقق التوازن بين ما يمكن ولا يمكن أن يوصف خيراً أو شراً، تبقى أرواحنا وأجسادنا وعقولنا شاهدة على ما يمكن أن يوصف بكبوة إنسان أو هفوة بشر.
ألطاف الأهدل
هذا الإنسان.. الخير والشر!! 1743