إذا كان هناك مقدس غير الله، فنحن إذاً في حضرة "العلم"؛ فهذا الأخير اكتسب قداسته من كونه وسيلة المعرفة بالمقدس الوحيد في الكون؛ وهو الله عز وجل (فعلم أنه لا إله إلا الله) فالله هو الذي أوجد الإنسان من العدم وعلمه بالقلم ما لم يعلم؛،حيث زوده بأدوات تحصيل العلم (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فنحن نفهم من الآية ضمنا أن الإنسان -باختصار شديد وغير مخل- هو أدوات إدراكه؛ لأنه بها يصير متميزا عن بقية المخلوقات "غير العاقلة" وما ينبغي التذكير به أن السمع ليس "الأذن" والبصر ليس "العين" والفؤاد ليس "القلب"، فالأول من كل ما سبق معنوي مجرد والثاني محسوس ملموس، لكن ليس ثمة شك أن عمل المعنويات مرتبط بعمل المحسوسات؛ فالسمع لا يستطيع القراءة والتحليل بدون "الأذن" والبصر لا يستطيع قراءة المحسوسات بدون أداة الإبصار "العين" والفؤاد "مضخة الشعور" مرتبط عمله بالقلب "مضخة الدم"، فالتجانس أو التكامل بين الماديات "الأدوات " والمعنويات "المبصرات أو العاقلات" لا بد منه لتلقي المعلومات وحصول العلم.
وما تنبغي الإشارة إليه -أيضاً - أن السمع وأداته الأذن قد تصدر الآية الكريمة السابقة وهكذا ناله شرف الصدارة في كل القرآن وذلك نتيجة لما يمثله من الأهمية بين أدوات الاتصال أو التلقي وهذا يعني أن بقية الأدوات تعمل ارتكازا أو اتكاءً عليه وليس أدل من ذلك أن فاقد السمع يصعب التواصل معه وقد يستحيل وبالتالي تعليمه؛ وليس مثله فاقد أداة الإبصار "العين" حيث يمكن التواصل معه بسهولة لهذا نجد الكثير من فاقدي البصر أو بتعبير أدق نوابغا ومشهورين.
وما أود قوله أو الوصول إليه من هذا التقديم أن الطلاب في/ قاعتي الربادي وعبد المغني/ كلية التربية - جامعة إب يكون الصوت الأعلى فيها للدراجة النارية فتتراجع عند نارها نورانية التعليم وسكينة كل العاملين في التربية والمنتسبين إليها بشكل أو بآخر. فالطلاب في حظرت "الموتور" هم في درجة الأصم الذي لا يسمع والأستاذ الجامعي بدرجة الأبكم الذي لا يتحدث، وفي مثل هذا سياق يستحيل قيام الاتصال مع الطالب وتوصيل المعلومات إليه، لأنه لا يمكن أن يعلو صوت الأستاذ الجامعي فوق صوت حضرت "الموتور" وعليه يمكن القول : إن صوت الموتور يعلو ولا يعلى عليه، فالجميع (الأساتذة والطلاب) - تحديدا وشدة- قاعتي الربادي وعبد المغني؛ عندما يحضر الموتور يصبح عن كل شيء مغني (وهو يحضر كثيرا الى درجة أنه الحاضر الرئيس في الكلية بشكل عام وفي تلكما القاعتين بشكل أخص؛ لهذا لا يملك الأساتذة والطلاب عند حضرته وصوته إلا الإنصات بخشوع وتبادل النظرات بطرف خفي حتى يرحل ثم يأتي آخر. وهكذا يذهب معظم وقت الطلاب بين خشوع وهدوء لكنه خشوع وهدوء المضطر لا قداسة العلم. وهكذا يستمر الخشوع والإنصات لكل ما هو آت من تلك الخارقة للطبلات من تلكم الأصوات . وكان ذلك السياق من شأنه أن يلزم مد زمن المحاضرة إلى خمس ساعات في القاعتين سالفة الذكر (ساعتين إلقاء وتلقي للطلاب والأساتذة وثلاث ساعات إنصات وخشوع لجلالة الموتور).
أدرك - وأنا أكتب هذه السطور - أن هناك بيوتات لا تتشرف بهذا الصوت وأن شوارع تحيط بها لا تسمح بأن تدوسها عجلاته كون هذه البيوتات ملك لبعض المسؤولين وحفاظا على أذانهم من هذا الصوت تم منع أو حضر "حضرة الموتور" من المرور جوارها.
وهنا يضع سؤال نفسه: هل صار ذلكم المسؤولون أكثر قداسة من العلم ؟ صحيح كانت الإجابة بنعم قبل الثورة كان المسئول أكبر قيمة من كل شيء حتى من الوطن لهذا تقل قيمة العلم وتضيع قداسته وتصير بلا ثمن بل يحارب ليتصدر الزعماء على حساب تراجع العلماء لأن الرقي والصدارة هي للعلم والعلماء عندما يكون الوضع طبيعيا؛ لكن أصحاب الجهل المقدس الذين وصلوا إلى الأماكن الريادية بتجهيل الشعوب ومن ثم الاستخفاف بها قاموا بإعلان حرب شعواء ضد العلم الذي به تحيا الشعوب وقد حرصت الزعامات على أن تبقى ميتة. ولست أقرأ في وضع كلية التربية وأصوات الدرجات الهوائية تحفها وتلفها من كل جانب إلا وسيلة من وسائل محاربة العلم.
وإذا كان هذا الوضع مرحب به قبل الثورة لأنه كان يخدم هوى الفوضى المنظمة بالجهل؛ فإنه من العيب أن تضل كلية التربية بلا قداسة وما وأرى في بقاء هذه الظاهرة المزعجة الا تقليلا من قداسة العلم وطعنا فيها. وكل ما في الأمر هو أربعة عناصر من شرطة المرور يقفون على الأربعة المداخل للشارعين الجارين للتربية فالله قد أمر بالإحسان للجار اليهودي فما بالنا لنحسن مجاورة ساحة العلم وتقديمها عن كل شيء ونمنع الإزعاج عنها.
وعليه أوجه ندائي إلى كل المسئولين ابتداء بالمسؤول الأول عميد كلية التربية ومن ثم رئيس الجامعة والمحافظ والأمين العام والمسئول الأمني ومدير عام إدارة المرور بشكل خاص وكل الخيريين ومن تهمهم قداسة العلم وساحاته أن يتعاونوا جميعا ويوقفون هذه الظاهرة التي لا ينبغي أن يتصف بها اليمنيون ولا يقبلون بها لأنها تمس العلم الذي ينبغي أن تكون له - بعد الله عز وجل - القداسة أو على الأقل نساوي ساحات العلم ببعض ساحات بيوتات المسؤولين الذين حصلوا على تلك الحصانة من ذلك الصوت المرعب ولم تحصل كلية التربية على الحصانة نفسها.
د.حسن شمسان
كلية التربية.. متى تحصل على الحصانة سيادة الرئيس! 1395