;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

الإيمان وبناء الأوطان 1988

2013-05-23 03:24:15


إن الإيمان هو أقوى محفزات بناء الأوطان, فلا يوجد محفز يجعل العمل عبادة سوى الإيمان، فالإيمان يجعل العمل عبادة وبالتالي يعطي العمل أكبر قيمة حياتية وأخلاقية، ويجعل من العمل قضية حياة ومسألة وجود، على المستوى الفردي للذات الواحدة، وعلى المستوى الجمعي للمجتمع وللأمة، وهو ما يعني أن القيمة التي يوليها الإيمان لبناء الأوطان بالمكانة العالية والمنزلة التي تسعى لها وإليها كل القلوب.
إن الإيمان بالله تعالى والعمل بمقتضى ذلك الإيمان، هو أقوى محفزات بناء الأوطان، لأن أي محفز حقيقي يحتاج إلى الذاتية وإلى الاستمرارية وإلى القيمة الأخلاقية التي تحتويه، وهذه كلها متوافرة في الإيمان، ومتلازمة به، ومنضوية تحت رايته، وكلما كان الإيمان بالله تعالى أقوى كان العمل لبناء الوطن والسعي لعمارة الأرض والتوسع في مساحات العطاء أكبر، ومهما وجدت من محفزات أخرى أو من محركات أخرى فهي لا تدانيه لا من حيث القوة والنفع ولا من حيث القيمة والنبل.
إن المحفز الداخلي هو الذي يحرك الإنسان للعمل، ولا يوجد محرك داخلي للإنسان أقوى من الإيمان، الإيمان الذي يحمل الإنسان على الصوم في اليوم الحار الطويل في قيظ الصيف مع شدة العطش، وهو الذي يحمل الإنسان على إخراج ماله رغبة في ما عند الله فيعطي الزكاة طيبة بها نفسه، ويتصدق وهو يعلم أنه في ظل صدقته يوم القيامة، يضاف إلى ذلك ديمومة هذا المحرك والمحفز، ومن هنا ندرك كيف بنيت الحضارة الإسلامية في زمن وجيز، وكيف كانت تنساح هداية وعمرانا وأمنا وسلاما في بلاد العالم القديم، وما ذلك إلا لأن الإيمان كان يعمل عمله المقدر له في قيادة الحياة، وكانت أعمال الإيمان تجعل من العمل العام عبادة لأنها عبادة مقبولة حين يعملها الإنسان ابتغاء مرضاة الله، فبنيت الأوطان بحب عميق للعمل، ورغبة أكيدة في الجد والاجتهاد والبذل والعطاء.
إن بناء الأوطان يحتاج إلى حافز حقيقي لا خداع فيه ولا زيف، والإيمان هو الطريق الوحيد لإيجاد هذا الحافز، فهو يربط العمل لبناء الوطن بالنفع للذات وللغير، وبذلك يصبح الفعل الوطني- أي فعل وطني صحيح من عمارة للأرض وتوسع في مجالات القوة الاقتصادية والعلمية والسياسية- عملاً يرضاه الله ويحبه،" فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"، هذه القوة مثلتها تصرفات النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- والتي حولت الفرقة إلى وحدة، والضلالة إلى هداية والفاقة إلى غنى و الاحترب إلى إخاء، ومن هنا ندرك القيمة الحقيقية للإيمان في الفعل الوطني والوجود الحضاري.
إن الأمم بمختلف توجهاتها ومستوياتها الحضارية تبحث عن حافز يحرك أبناءها للعمل، وربما اخترعت لها من نفسها ما تدور حوله، وما تسعى إليه، وما تجعل منه محركا ذاتيا لتحقيق الأهداف، ولكنها تعجز عن إيجاد حافز يتمتع بالمصداقية تداني حافز الإيمان، الذي يحرك الحياة، فيكون العطاء أكثر من الأخذ وبتعبير أدق يكون المجتمع مثل خلية النحل التي تنتج العسل وتجتهد في ذلك، وتكون الثمرة التي تعود على الذات الإنسانية المفردة والجماعية، وقد رأى العالم كيف جعل الإيمان أهل المدينة يقتسمون اللقمة مع المهاجرين بل يؤثرونهم بها رغم حاجتهم إليها، في حب صادق وإخلاص لا نظير له ولا يمكن أن يوجد إلا في ظل الإيمان، فتحققت السلامة الاجتماعية.

وفي ظل الإيمان تحولت المدينة من مسلسل الحروب التي لا تنتهي إلى أكبر مجتمع متآخي ومتآزر ومتضامن في تاريخ البشرية جمعاء، بل إلى المجتمع المثال للأخوة الإيمانية، والتعايش الإنساني السليم، والبناء المتواصل، فاتجه المجتمع كله إلى البناء وإلى الإعمار، وبرغم موارد المدينة الشحيحة إلا أنها بفضل الله والجهود الجبارة التي بذلت تحت القيادة النبوية قد تحولت إلى محضن للثروة ومنتج لها من خلال التنمية البشرية والأفكار التي أنتجها المجتمع في المزارعة وغيرها، وهذه الأفكار والأعمال كان يقودها جو من الالتزام لم تعرف البشرية له نظير على الإطلاق، وفي قصة الثلاثة النفر الذين خلفوا في غزوة تبوك وكيف التزم المجتمع كله بعدم الكلام معهم في صورة لا نظير لها.
إن بناء الأوطان يحتاج ضرورة إلى الالتزام، الالتزام الذي يوفر الأرضية الصلبة والحقيقية التي يقف عليها كل عمل إيجابي لبناء الوطن، فالبناء يحقق ذلك والمزارع جزء من ذلك والطبيب والمهندس والمعلم وكل صاحب مهنة يلتزم بالإنجاز لأنه ملتزم لهذه الأمة لسد الثغرة التي هو عليها فلا يؤتى الإسلام من قبله، وقد رأينا كيف تحركت آلة الإيمان البانية في المدينة المنورة بقيادة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- تعمر الأرض، وتشارك في الزرع، وتتحرك في التجارة، وتوجد ألوانا جديدة من المعاهدات والاتفاقيات وتصنع الحياة والرفاه في ظل الإيمان وبقيادة الإيمان وبمحرك الإيمان وبمحفزات الإيمان.
وكذلك الرقابة الذاتية على الإنسان في إنجازه للعمل وإحسانه فيه، وعلاوة كل ذلك فالإيمان يعطي العمل قيمة عالية لا يمكن أن يتحصل عليها الإنسان من أي محفز غير الإيمان، فالإيمان يصل الإنسان بالله تعالى، ويمنح الإنسان عمرا مديدا يصل الدنيا بالآخرة، ويجعله أسمى ما يكون بإنسانيته حين تتصل روحه بما يرضي خالقه، وهذا هو أعظم أنواع تحقيق الذات الإنسانية حين تحقق ذاتها في عبادتها لله عز وجل، ومن خلال كل ما سبق ندرك أن الإيمان هو أهم عناصر معركة بناء الأوطان وأوجبها.
وأخيراً فإن الإيمان والتخلف لا يجتمعان في مجتمع إن القضاء على معاني التخلف والجهل والأمية لا تكون إلا في ظل الإيمان فالإيمان بأن طلب العلم فريضة شرعية واجبة مثل فريضة الصلاة والصوم والزكاة لأنه يسبقها جميعا فلا صلاة إلا بعلم، ولا زكاة إلا بعلم ولا صوم إلا بعلم وهكذا عمل يتطلب العلم به وبأحكامه حتى يستطيع الإنسان أن يؤديه بالصورة التي يحبها الله تعالى ويرضاها، وبهذا تصبح الحياة كلها ميدان تنافس علمي وتتجذر معاني النهضة العلمية في حياة الأمة، وليس هذا فحسب بل يمتد الأمر ليصبح العلم مشروع بقاء وطريقاً للخلود, فالحديث الصحيح يؤكد انقطاع عمل الإنسان بعد موته إلا من ثلاث أحدها علم ينتفع به، وحين يصبح العلم فريضة يأخذ بعدا حقيقيا في الالتزام به، وبذلك نعالج أخطر متطلبات العلم وشروط طالب العلم ألا وهو شرط الدافعية، ذلك أن الدافعية هي أكبر محفز للعمل أي عمل وبالذات في طلب العلم لأن العلم يحتاج صبر ونفير ورباط وهي أمور تتطلب عزيمة قوية يوفرها الإيمان، والأمر الآخر هو الاستمرار بحيث يصبح العلم مشروع حياة وهو ما يؤكده الحديث الآخر بأنه يبقى للإنسان بعد موته. فالإيمان هو الذي يحرك الإنسان للعمل والعطاء في حياته وبعد مماته، وبهذا يصبح الإيمان بالله تعالى والعمل بمقتضاه أهم محركات بناء الأوطان وأهم المحفزات لتحقيق نهضة الشعوب.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد