تناولنا في مقال سابق تحديداً للايدلوجية الاقتصادية في دستور الدولة المدنية وسنحاول من خلال هذا المقال تناول بعض المبادئ الاقتصادية العليا في دستور الدولة المدنية وهي بالتحديد المبادئ الآتية:
أولاً: مبدأ الحرية الاقتصادية.
ثانياً: مبدأ العدالة الاجتماعية.
ثالثاً: الملكية الخاصة في الدستور.
وإن كنا قد تناولنا هذه المبادئ في مقالات سابقه نشرت في صحيفة "أخبار اليوم", إلا أن أهمية هذا المقال تأتي من نقدنا لصياغة نص المادة (7) من دستور اليمن الحالي ومحاولة تحديد صياغة جديدة لهذا النص تناسب بناء الدولة المدنية وأوضاع العصر الحديث.
ومن خلال تأملنا لنص المادة سالفة الذكر يتضح لنا بجلاء الآتي:
أن الدستور اليمني الحالي لم يترك مفهوم الحرية الاقتصادية على إطلاقه, بل قيده بقيود معينة حددها في نص المادة (7) بالآتي:
1- العدالة الاجتماعية الإسلامية في العلاقات الاقتصادية الهادفة إلى تنمية الإنتاج وتطويره وتحقيق التكامل والتوازن الاجتماعي وتكافؤ الفرص ورفع مستوى معيشة المجتمع.
2- التنافس المشروع بين القطاع العام والخاص التعاوني والمختلط وتحقيق المعاملة المتساوية العادلة بين جميع القطاعات.
3- حماية واحترام الملكية الخاصة, فلا تمس إلا للضرورة ولمصلحة عامة وتعويض عادل وفق القانون.
وصياغة النص السالف ذكره بالطريقة سالفة الذكر يجعلها في تقديري صياغة منتقدة, لأنها تخالف المفاهيم الفقهية الدستورية الحديثة والتي من أهمها الآتي:
1- أن مبدأ العدالة الاجتماعية كغيره من المبادئ الدستورية الاقتصادية العليا والتي منها الحرية الاقتصادية التي يتفرع منها كثير من المبادئ الاقتصادية كحرية الاستثمار والتعاقد وكلها مبادئ اقتصاديه عليا تعلو في مرتبتها على الدستورية على نصوص الدستور ذاته.. ومن هنا فإن من الخطأ أن نجعل هذا المبدأ الدستوري الهام والذي يتشكل اليوم بصورته الجديدة في ظل نتائج ثورات الربيع العربي, كما وضحنا ذلك في مقال سابق نشر في صحيفة "أخبار اليوم" بعنوان (مبدأ العدالة الاجتماعية), من الخطأ أن نجعل منه قيداً على مبدأ آخر يساويه في المرتبة الدستورية وهو مبدأ الحرية الاقتصادية.
2- كما أن النص السابق ذكره جعل من حماية واحترام الملكية الخاصة قيداً من قيود مبدأ الحرية الاقتصادية وهذا من أخطاء الصياغة الدستورية للدستور اليمني الحالي.. ذلك أن الملكية الخاصة وحمايتها هي إحدى مفردات العنصر الرأسمالي الذي قلنا عنه في مقاله سابقه بعنوان (الايدلوجية الاقتصادية) نشر مؤخراً في صحيفة "أخبار اليوم" بأنه احد العناصر الأساسية للايدلوجية الاقتصادية في الدستور اليمني الحالي.. وبالتالي فمن الخطأ القول إن الملكية الخاصة وحمايتها هي أحد هذا العنصر الرأسمالي في تحديد الايدلوجية الاقتصادية في الدستور اليمني الحالي, ثم يتناوله في أحد نصوصه كما وضحنا ذلك سلفاً باعتباره قيداً على أحد المبادئ الدستورية العليا وهو مبدأ الحرية الاقتصادية.
كما نجد أنه من الضروري التأكيد في هذا المقال المتعلق بالمبادئ الاقتصادية الدستورية العليا أن نؤكد على ضرورة النص بوضوح على أهم المبادئ الدستورية الاقتصادية العليا في دستور الدولة المدنية القادم وعلى رأس هذه المبادئ الآتي:
1- الحرية الاقتصادية.
2- العدالة الاجتماعية.
باعتبار أنها من أهداف ثورة فبراير اليمنية.. كما من الضروري التفصيل والتحديد فيما يتعلق بفروع المبدأ الأعلى الذي يتفرع إلى فروع عدة مثل مبدأ الحرية الاقتصادية الذي يتفرع إلى فروع عدة منها حرية الاستثمار وحرية التعاقد.
ولا يمكن لدستور الدولة المدنية القادم أن يكون مكتملاً في احتوائه على المبادئ والقواعد الدستورية والمتعلقة بالجوانب الاقتصادية دون أن يحدد بدقة المبادئ والقواعد والأسس الدستورية التي ترسم وتنظم مجال الاستثمار والخصخصة بالشكل الذي يحدد موقفه من الخصخصة بوضوح في ضوء دراسات اقتصادية علمية ويمنح الشرعية الدستورية للنظام القانوني للخصخصة وهو ما خلا منه الدستور اليمني الحالي.
د. ضياء العبسي
المبادئ الاقتصادية العليا في دستور الدولة المدنية 1656