إن القرآن الكريم ضرب لنا نماذج عديدة للنقد الذاتي الفردي والجماعي، الذي ينبغي للمسلم أن يمارسه، ولعل من النماذج البارزة في هذا المجال هو نموذج أصحاب الجنة في سورة نون، يقول تعالى: "إِنَّا يلوناهم كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ " (القلم:17) حيث قاموا بتصرف خاطئ تآمري ، وأرادوا حرمان المساكين من حقهم الذي كتبه الله لهم من زكاة حصادا لزرع ، فعوقبوا بإهلاك الثمرة " فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ " (القلم:19)، إنهم أمام اكتشاف ما حدث، وتفسير ما حدث.. إنهم فعلوا في أول الأمر ما يفعله كل البشر في البحث عن كبش فداء في صورة خارجية يلقون عليها أخطاءهم كما نعمل نحن ونرمي أخطاءنا علي الآخرين ، وأصحاب الجنة عولوا علي أخطاء الآخرين ، وهو خادع للنفس.. قالوا: إنه لم يحصل شيء، كل ما حصل هو أننا ضللنا الطريق، وهذا ليس بستاننا (فانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ ، أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ، وَغَدَوْا عَلَى حر د قَادِرِينَ ، فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ" )(القلم:23- 26).
ولكن تبين بعد قليل أنها هي ، لم تتغير، إذن التفسير الآخر الذي يقوم على تنزيه النفس بشكل غير مباشر.. إن الظلم وقع علينا وإننا مظلومون، بل نحن محرومون ،هنا تدخل الرجل المعتدل العاقل (أوسطهم) ليرشدهم إلى جوهر المشكلة "قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ" (القلم: 28)، إن المشكلة عند كم في أنفسكم وليست في الخارج، راجعوا أنفسكم، واكتشفوا الخطأ الذي حدث، قوموا بعملية نقد الذات، ويبد و أن القوم كان فيهم بقية من عقل ، فاعترفوا بأنهم كانوا «الظالمين» وليسوا «المظلومين المحرومين». فأقبلوا يقومون بعملية النقد الجماعي للتنظيف الداخلي الجماعي، فكما أن عملية النقد السابقة كانت فردية، فهي هنا جماعية " فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ " (القلم: 30) يتراجعون وينقد بعضهم بعضا، وهذا هو الموقف التحليلي الصحيح.. إن موقف الاعتراف بسبب المشكلة هو بداية حل المشكلة " إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " (القلم: 29)، " قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ " (القلم: 31)، فالمشكلة بدأت من نفوسنا الأمارة بالسوء، ولم تبدأ من العالم الخارجي، إنه موقف طاهر حين تبدأ عملية مراجعة النفس ونقدها ولومها ومحاسبتها وتقويمها ،وهنا نسأل هل نحن اليمنيين قادرون علي تجاوز مشكلاتنا بالنقد الجماعي الصادق الأمين ، ونخرج بنجاح مؤتمر الحوار الوطني ؟؟ إنا لمنتظرون لعقلاء وأحرار اليمن أن يحققوا النجاح
محمد سيف عبدالله العدينى
المراجعة النقدية الجماعية أداة تصحيح الأخطاء وتطوير الأداء 1483