الأمية الدينية والسياسية والفكرية جعلت البعض من أبناء الشعب يجهلون المعنى الذي أراده الله من التعارف, فقد قال الله تعالى {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وقبائل لتعارفوۤا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ إِنَّ ألله عَلِيمٌ خَبير}، والتعارف يقتضي قبول الاختلاف ،ابتداءً والعمل المشترك للمصلحة العامة مهما كان الاختلاف في نهاية المطاف.
إن الأمية الدينية والسياسية والفكرية جعلت البعض من أبناء شعبنا يجهلون المعنى الذي أراده الله كهدف للتعارف و حولون هذا الاختلاف إلى صراع مذهبي وطائفي ، ويحاولون تهميش الآخرين والتعصب ضد البعض في سبيل السيطرة أو الكبر من قبل قادة الأميين الجهلة، وهنا تصبح الحياة السياسية والعلاقات الاجتماعية كما هو حاصل عندنا تتحول إلى حلبة للصراعات يتقاتل فيها أبناء الوطن الواحد، لأن القادة يعملون لمشاريع خاصة بهم أو مجندين لأسيادهم، بينما الاختلاف ظاهرة صحية اجتماعياً، والانسجام في سياق هذا الاختلاف هو ظاهرة صحية مدنياً، فلا يمكن أن يستوعب الاختلاف واختلاف التنوع, إلا حكومة دولة مدنية ديمقراطية تدير الاختلاف لصالح الوطن، لأن الاختلاف من سنن الله في الكون والحياة..
أن يختلف الناس في كل مكان عقائدياً ومذهبياً وسياسياً واجتماعياً ومهنياً وجنسياً هو الوضع السنني الطبيعي، ومن نماذج حماية الاختلاف العقائدي ما قدمته الدول الإسلامية في صدر الإسلام من حماية للاختلاف العقائدي, فقد شهدت تعايشاً وانصهاراً مجتمعياً بين المسلمين وغيرهم، وللأسف اليوم توجد في الدول الديمقراطية الأوروبية العريقة اختلافات عقائدية متعددة يحميها قانون يجرم الاعتداء بشتى أشكاله وتقيم العدل بين مواطنيها.
والتعدد والتنوع في النسيج الاجتماعي هو من فطرة الله في خلقه وإدارته, مطلب أساسي لتحقيق الاستقرار والتوازن في الحياة، وتنظم المؤسسات المدنية المنتخبة النسيج الاجتماعي على اختلافه وتنوعه من خلال انتخاب الأفراد لممثليهم في البرلمانات أو المجالس، وهذا أفضل ما تحمي به الحكومات التنوع الاجتماعي فيها، وعلى صعيد حماية التنوع السياسي, فإن الدول الديمقراطية تضم أحزاباً سياسية متنوعة تتنافس على إدارة البلاد بالانتخابات ويحمي القانون فيها حقوق المواطنين من أي تجاوزات قانونية تخدم من ينتمي للحزب أو تضر بمن يعارضه وهذا ما نأمله أن يكون من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.