إن غياب اختلاف التنوع ووجود الاستبداد السياسي أو الحزبي أوجد أفراداً منمطين بفرمة محددة، وأما استبداد الحاكم قبل ثورات الشعوب العربية أوجد وطناً تشابه مواطنوه وتهافتوا فكرياً وسياسياً، وحتى مهنياً على طريق واحد، فازدحمت هذه الطريق وكثرت فيها الصراعات، وتنافس الجميع بشكل غير مشروع للوصول إلى الخيار الأفضل وسط موجات الزحام التي ضاقت بها طريق واحدة، وفُرض على الجميع من قبل المستبدين المتنوعين سواء في الجماعات أو الأحزاب أو الحكام، ولم تتُرك مساحة للحرية واختلاف التنوع، وبقيت سبله خالية.. ولهذا تشابهت الأفكار والآراء والمسميات وحتى الملابس والمأكل والمشرب عموماً وعند الجماعات الدينية خصوصاً، فأصبح المواطن يعيش داخل الصندوق وهنا أصبح المواطن نسخة من المواطن هناك، وتخلى الكثير في ظل بيئة الاستبداد عن رغباته وطموح التنوع مجاراة لنمط واحد لكي لا يذوق مرارة النبذ والتهميش بسبب الخروج على هذا النمط سواء السياسي أو الديني أو الاجتماعي.. وهنا تفقد الحياة مع النمط الأوحد طعم التدافع والتنافس الشريف والإبداع والتطور، فلا شيء يبعث على التجديد أو الابتكار في مجتمع يرفض أي شيء خارج عن نمط العادات والتقاليد التي وجدوا عليها.. ولهذا كان لابد من وجود أطر متنوعة يجد الفرد فيها ذاته, من مثل النقابات, حتى لا يعيش أصحاب العمل الواحد أو المهنة الواحدة شتاتاً مهنياً وقانونياً ونفسياً، فتجد الفرد منهم وحيداً في مطالباته القضائية إذا وقعت عليه مظلمة، ويطرق أبواب الجهات الحكومية منهكاً للحصول على تراخيص أو موافقات أو خطابات لعمله، ويمر أقرانه بالدوامة نفسها في كل مرة دون حماية أو رقابة.. وأمام فرض النمط الواحد يعيش الفرد ازدواجية شديدة ويخوض سلسة من الصراعات النفسية بين ما يريد وبين ما يفرض عليه، بين ما يفهم ويفكر وما يفرض عليه من تفكير.. ولهذا تجد أفراداً يؤدون بشكل صوري ما يرى مجتمعهم أنه الصواب, بينما ترى دواخلهم أنه غير ذلك، ويكثر في مجتمع النمط الأوحد رفض الجديد ونبذه لا لشيء سوى لأنه خارج عن الصندوق والنمط الذي اعتاده الجميع، فيتيه المجتمع في صراعات فكرية على أمور جزيئة، وربما تافهة تجاوزتها الأمم الواعية منذ من بعيد، ويدور الحزب أو الجماعة أو المجتمع النمطي حول مسائل ثانوية وتقليدية يجدد حولها القيل والقال، فيصاب بنوبات ركود وتأخر تهوي به إلى ذيل القائمة، ويبقى حبيساً لهذا الوضع لانشغاله بقتل الاختلاف والتنوع عوضاً عن الاستفادة منه للرقي والنهوض بالأمة..
ونحن في اليمن نريد من مؤتمر الحوار الوطني أن يؤسس للحياة اليمنية الجديدة, ليتمتع اليمنيون بالحرية والشورى والعدالة والمواطنة المتساوية.