sraeed@gmail.com
كلمة الإصلاح هي ضد الإفساد، وهما ضدان لا يجتمعان، قال تعالى:{ إِنّ اللهَ لا يُصْلِحُ المُفْسِدِينَ} والإصلاح يكون بإبدال السيء بالحسن, والخطأ بالصحيح، والإصلاح من أسباب رفع الهلاك عن الأمم ، ومن الإصلاح تغيير ما فسد إلى وجه صالح، وتغيير الصالح إلى ما هو أصلح حتى تستقيم الأمور، فان من يتابع المشهد اليمني بكل تفاصيله يلاحظ أن المشهد يغص بالحديث عن الإصلاح بمفهومه الشامل، فكبار رجالات الدولة يتحدثون عن مسيرة الإصلاح، ورجال السياسة يتكلمون عن الإصلاح السياسي وتنمية الحياة الحزبية والسياسية في الوطن بصورة أكثر فعالية، ورجال الاقتصاد يعقدوا المؤتمرات للحديث عن الإصلاح الاقتصادي ومعالجة الخلل في بنية الاقتصاد الذي يعاني من أزمات لا حصر بسبب سياسات اقتصادية جعلت المديونية ترتفع بشكل لا يحتمل السكوت ويهدد أمن الوطن واستقراره، ورجال الإعلام شغلهم الشاغل موضوع الإصلاح ومحاربة الفساد وكشف مواطنه وأساليبه وطرقه، ورجال التربية يؤكدون على ضرورة الإصلاح التربوي وبناء منظومة تربوية تهدف إلى إعداد الإنسان الصالح والمواطن القادر على مواكبة المتغيرات في عالم المعرفة وتقنيات الاتصال، ودعاة الإصلاح الاجتماعي يركزون على أهمية الإصلاح الاجتماعي والتربوي باعتباره المدخل لصلاح المجتمع، ومجالس العامة والخاصة تتحدث عن الإصلاح ومحاربة الفساد..
لكن الإشكالية تكمن في طريقة النظر إلى الفساد في كيفية التعاطي مع صوره وأشكاله التي فاقت حد التصور، فبعضهم يتغاضى مثلاً عن الفساد الأخلاقي، وبعضهم ينظر إلى الفساد المتعلق بالأبعاد المالية والإدارية فقط، ويحدث الحوار والنقاش حول بيان الطريق إلى الإصلاح، كما تكمن الإشكالية في تعدد المرجعيات التي تحدد مفهوم الفساد وآلية التعامل معه.. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل الإصلاح يكمن في إصلاح الأنظمة والقوانين؟, وهل المدخل للإصلاح يكمن في إصلاح منظومة القوانين والإصلاحات الدستورية؟, أم أن الأمر يتعلق بالإصلاح الشامل الذي يأخذ بعين الاعتبار المنظومة المجتمعية المتكاملة التي تراعي بناء الدولة المدنيًة الحديثة؟..
ويدور جدل واسع حول هذه القضايا وتأخذ حيزاً مهماً من جهد وتفكير كل فئات المجتمع، فنوعية القوانين الناظمة للحياة في الدولة أمر في غاية الأهمية، ومع هذه الأهمية لا بد من وجود آليات واضحة لتطبيق هذه القوانين على الجميع لسيادة مبدأ القانون، فلا يعقل في دولة المؤسسات وسيادة القانون أن يستمر هدر المال العام تحت مسميات لا تعود بالنفع على الصالح العام، وإنما النفع يعود على المصالح الشخصية والفردية، ولا يعقل أن يستمر الترهل الإداري وغياب الشفافية، كما لا يعقل أن تستمر المحسوبية والواسطة بطريقة تخرق العدالة الاجتماعية وتفضي إلى حالة الغليان التي نراها في العنف المجتمعي بكل صوره، ونراها في حالات ضعف الانتماء الوطني ومظاهره المتعددة، كما لا يعقل أن يسمح باستمرار نهج إضعاف منظومة القيم بصورة واضحة عبر غرس المفاهيم النفعية والمعايير المادية بشتى الطرق والوسائل ، فطريق الإصلاح طريق شامل الوطن بكل تفاصيله، قال الرسول صل الله عليه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، من هذا الحديث نستنتج انه لابد أن نصلح أولاً قلوبنا حتى نتمكن من إصلاح أوطاننا.